سنة 1990،
الساعة 7:00 صباحا و ها هو كارل كعادته يمشي في باحة كلية الطب كعادته كل صباح و هو يحمل جريدة محلية ذلك النوع الذي لا تسمح والدته باقتناءها .كان ينظر اليها بخيبت امل فهو لم يكتشف بعد ذلك الخبر الذي لسببه تمنع امه هذا النوع من الجرائد حتى لمح عنوان جذب انتباهه "انقلابات و شغب على النظام من طرفةالشعب الجزائري" انتابه الفضول فوقف مكانه و هو منغمس في المقال"نظمت أول انتخابات للمجالس البلدية الولائية، في مرحلة التعددية والانفتاح السياسي، وأفرزت نتائجها عن فوز ساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ على حساب عدة أحزاب، منه الحزب التاريخي "الأفلان"، وتحصل "الفيس" على أكثر من 950 مجلس بلدي من أصل 1539 بلدية و32 مجلس ولائي من أصل 48 مجلس ولائي........"و حتى فجأت و دون سابق انذار اصطدم به شيئ و وقع ارضا، رفع رأسه ليفهم ما يحصل اذ فوجئ بفتاة ذات بشرة قمحية و عيون و شعر طويل مموج اسودان بدت له كلْ الملاك الى ان تكلمت بغضب "نشاله تكون كليتني بعينيك رهج"ثم نهضت بسرعة و سارعة لتختبئ تحت الدرج المقابل لهما .في تلك اللحظة لم يفهم كرل اي شيء فماقالته يمكن ان يكون اي شيئ الا الفرنسية و اختباءها؟؟؟؟ الى ان سمع شبان وراءه يسألانه"هل رايت فتاة ذات شعر اسود مموج تجري في هذه الانحاء ""اجل تلك الفتاة رايتها تصعد من ذلك الدرج و اتجهت يمينا"حينها انطلقى الشابان نحو المكان الذي اشار اليه كارل و بعد ان اختفيا عن النظر توجه كارل الى تلك الفتاة و قال "يمكنك الخروج لقد ذهبا " " اجل سمعت ايها الغيب الم تفكر انه كان بامكانهما رايتي و هما يصعدان الدرج ليما لم ترسلهم لاتجاه اخر" " اسف لم يخط.."لم تدعه يكمل كلامه حيث قاطعته "حسنا لا يهمني ساذهب من هنا" و في تلك الاثناء استفاق كارل من غيبوبته و قال"انا كارل و انتي" نظرة له بلا مبالات و اجابت "ماريا" و غادرة دون قول كلمة .هنا كارل احس ان شيء ما يسحبه من قلبه و كأن قطعة الجليدة التي داخله بدأت بالذوبان بسبب حرارة مجهولة في صدره .و بينما الفتاة تمشي نحو كليتها كان هناك من يلحقها دون درايتها الى ان اختفت خلف تلك البوابة الضخمة حينها اكتف كارل من ملاحقتها و رفع رأسه ليقرء اللافتة فوقها كلية العلوم السياسية و قال "اذا لدينا فتاة جامحة و قوية هنا"
عاد كارل ادراجه الى كليته و كل عقله في تلك الفتاة الجامحة حقا لقد احتلت تفكيره منذ اصطدامهم فذلك المشهد مازال يتكرر في مخيلته تحت التصوير البطيء كم تمنى لو تجمد الوقت في ذلك الموقف و استمتع بتأملها اكثر و تلك الكلمات التي خرجت من فاهها كانت مثل قطرات العسل الاولية في خلية النحل و بدء في محاولة تذكرها و تكرارها بين شفتيه بطريقة ركيكة مثل المجنون حتى استوقف تأمله صوت صراخ مزعج موجه اليه ،اجل لقد كان دكتور المحاضرة يستشيط غضبا فأذكى و أنجب طلابه يقوم بتصرف غير لائق بطالب طب وبطريقة لا تحترم اهمية تلك المحاضرة ، ترجّل من المكتبه و اتجه الى مقعد كارل و بدء بالمشي حوله و بطريقة مستفزة
• يبدو ان السيد كارل يشعر بالملل من درسنا اليوم او لو اصح التعبير لا يهتم بحياة مرضاه مستقبلا
• اعتذر فقط مرّت برأسي ذكرى ما قد اخذت بعقلي
• اذا انفعنا بها
• لا تهتم انه امر سخيف
• اذا يؤسفني ان اخبرك ،حين يضع الطبيب الناجح قدمه فئيي موقف يتعلق بانسانيته اولا و عمله تانيا يرمي خلفه كل سخيف و يمحو من قاموسه كلمة عاطفة او حياة شخصية . نحن هنا لا نلهو فبين ايدينا حاضر و مستقبل امّة كاملة انت مطرود من محاضراتي الى ان تثبت كفأك لهذا المقعد
خرج كارل مترنح الرأس حزين فهذه اول مرة يعامل بتلك الطريقة و يطلق عليه مثل تلك الاتّهامات خاصة من قدوته فالحياة .خرج كارل من الجامعة و بدء بالمشي الى ان وصل الى الجسر الذي يطل على نهر السين انه نوع ما مهجور فتلك المنطقة كانت بالكاد يصلها السكان ارخى ثقله بمعصميه على حافة الجسر و هو ينظر الى انعكاسه فالماء و يفكر كيف ليومه ان يكون معقد بتلك الطريقة فأجمل يوم في حياته كان اسوء يوم كذلك هل يفرح ام يكتئب من اي جهة سيفكر الان بمستقبل حياته ام عمله بينما اول يوم بين له ان التوفيق بينهما امر شبه مستحيل ،بدات افكاره تأخذ به و تأتي و ها قد بدأت الشمس بالغروب و الحل ابا ان يظهر .استسلم كارل لذلك اليوم ثم توجه نحو منزل عائلته و بقي يمشي بوقار في ذلك الطريق وسط الاشجار الى ان بدء سطح منزلهم بالظهور له و فور مروره ببوابة القصر حتى لمح زوج والدته رجل الاعمال تشارلز و اخوه الغير الشقيق كيفن و هما يلعبان القولف في ذلك الملعب المصغر الذي صمم خصيصا كهدية لشارلز من اشهر المهندسين المعماريين .فألقى عليهما التحية بكل حب و احترام و هما بادله بالمثل ،لا تستغربو فعلاقة كارل بزوج والدته كانت قوية كعلاقة الاب و ابنه فرجل الاعمال ذاك كان معروف بوقاره و لطفه اما كارل فقد كان الشخصية الهادئة المسالمة ثم توجه مباشرة الى المنزل حيث كانت امه و اخته جالستان و سط تلك القاعة المخملية توجه الى امه و قبل يدها بكل نبل ثم توجه الى اخته مرسيليا و بدء في التمسيح على شعرها و هو يتأمل تطريزها المحترف لقطعة القماش تلك اما امه فكل العادة انهالت عليه بكمية الاسئلة عن يومه و دراسته و هو يجيب بنفس الاجوبة المعتادة و كأنه برمج عقله على نفس الاسطوانة يوميا. فلو نلاحظ قليلا فان السيدة مدلين كانت تهتم لامر كارل و تتفاخر به لأبسط اعماله كما ان الامر كان ملحوظ للجميع خاصة لطفليها الاخرين لكنهما متأكدان ان ذلك الامر لن يشكل فارقا كبير عليهما فمعرفتهم الكبيرة بغرور و كبرياء امهما تؤكد ذلك اضافة الى علاقتهما القوية باخيهما لا تسمح بان يخسراها بسبب جعش امهما .استأذن كارل بكل ادب بعد منادات الخادمة الجميع الى مائدة العشاء توجه ليجلس مكانه و لحق به الجميع و فجأت بدأت ملامح تلك الفتاة و كلماتها تغزو تفكيره من جديد و بدء يكررها تحت انفاسه الى ان قاطعته امه متسائلة اياه ماذا يقول حينها فقد تركيزه و بدء بالتلعثم بلاشيء بعدما ان غزت حمرة الخجل وجنتيه فهذه ثاني مرة يقع في نفس الموقف المخجل حنها تدخلة اخته قائلة بخبث
• لا تقلقي يامي فيبدو ان اخي قد سقطة في لعنة جميلة
اجل لطالمة كانت مرسيليا حكيمة في اختيار كلماتها و قراراتها الا انها كانت دائما على ذراية بما يدور داخل اخيها فقد كان توؤم الروح بالنسبة لها رغم فارق السن الذي تمثل في ثماني سنوات .اما البقية فقد شرعو بالضحك غير آبهين لما يجري ما عاد تلك الام التي بدء القلق ينتابها من تلك الكلمات و كأنها قد فهمت شيء منها.
بعد العشاء استأذن الجميع للعودة الى حياتهم الخاصة اما كارل فقد صعد الى غرفته ليختلي بنفسه قليلا لربما يجد حلا للمشاكل التي سقطة عليه اليوم حتى سمع طرق خفيفا على الباب عدل من جلسته ثم سمح للطارق بالدخول و المفاجأة كانت والدته و هذا نذير ان شيء سيء يحدث دخلت و قد كانت ترتدي ثياب النوم الحريرية الفاخرة الواضح انها كانت تستعد للنوم و لكن شيء اقوى قد منعها ،جلست بتوتر مخفي على حافة السرير و سالته بحذر ان كان تخلل روتينه اليوم شيء جديد و كانت تنتظر الاجابة على أحر من الجمر و لكنه استغرب السؤال ،ما هذا الفضول المفاجئ الذي حل على امه فجأة و كسر غرورها لدرجة ان تشرف غرفته فجأة و لكن هذا لم يمنعه عن الاجابة
• لاشيء مميز حتى و ان حصل ذلك لكنت اول من يعرف.و لما اخفي عليك؟؟
• لا عليك فقد لم يكن من عادتك الشرود في كلمات غير مفهومة فتسألت
• اااه تقصيدين ذلك الامر فقد صادفت في دخولي الى الجامعة مجموعة من الشباب كرر تلك الجملة امامي فانتابني الفضول لا غير
• مجموعة؟؟ ماذا تقصد بمجموعة؟؟؟ اتمنى انك لم تقترب منهم او تكلمهم
• في الحقيقة لا فقد عرفت لاحقا انهم جاءو بمنحة من بلد اخر و تلك لغتهم
• جيد اذا انا لا اريدك ان تقترب منهم ابدااا انت لست اي كان عليك ان تحترم مكانتك الاجتماعية
كان اخر ما قالته حاد و غير طبيعيا فقد فجأت انتقلت من الام المتفهمة الى الام الحادة الصارمة لقد كان تغير طباعها و انفعالها واضحا جدا رغم ان هذا لم يكن من طباع سيدة المجتمع الراقي مدلين باستوري .استغل كارل مغادرة امه و توجه الى مكتب تشارلز ليستشيره .
وقف امام باب المكتب لي برهة ليعدل من ثيابه ثم طرق الباب و بعد برهت سمع رد تشارلز يسمح له بالدخول ،دخل كارل و سأله ان كان لا يزعجه فأومئ له بالنفي فجلس قريب منه في الكرسي امام المكتب ثم باشر بسرد له الموقف الذي وُضع فيه مع استاذه ،لم يستغرب تشارلز رد فعل الاستاذ و رآه انه انسب تصرف و برر فكرته قائلا
• ان الخطأ البسيط الخالي من اي عذاب ضمير هو بوابة الاخطاء التي لا تغتفر
لم يعترض كارل على اي من كلامه او يلم استاذه لكن ما اراد الاستفسار عنه هو كيف سيعيد ثقة استاذه و ماكان تشارلز سيرغب به لو كان مكانه ،هنا اوضح له تشارلز اهم نقطة من الدافع الذي اراده الاستاذ قائلا
• لكنت رغبت ان تحس بما فقدته كي تسعى جاهدا لتسترجعه و تحرص ألا تفقده مجددا
هنا فهم كارل مبتغى تشارلز فإن كان هناك حل فهو لديه و هو المتحكم الوحيد في مدى نجاحه و قبوله. شكر كارل تشارلز و اقبل بالمغادرة و لكن قبل ذلك تذكر شيئ ثم عاد ليسأل
• تلك الكلمات التي كنت اكررها في طاولة الطعام هل فهمت شيء منها
• لا؟؟ لماذا
• لا ادري و لكن أظن بها شيء لم يعجب امي فتسألت ان كنت تعرف شيء
• لا ادري عن رأي والدتك و لكن اظنها احد اللهجات الإفريقية الشمال خاصة ربما هذا هو سبب انزعاجها فأنت تعرف رايها في ذلك
شكره مجددا ثم خرج من غرفة المكتب و بدخله بصيص امل صغير في ان يحسن كل ما افسد اليوم .
اما في جهت اخرى من المدينة في احد غرف الاقامة الجامعية كانت مريا (او مريم بالعربية) ترتب اغراضها من اجل التمكن من اخذ قصط من النوم فيومها الاول كان حافلا بداية بالمطاردة الصباحية نهاية بالاجراءات الجامعية المتعبة حتى سمعت فتاة وراءها تسألها عن حالها .استدارت ببطأ و استغراب قائلة
• هل تكلمينني ؟؟؟ لحظة كيف دخلتي الى هنا
• اجل الا اذا كان هناك احد غيرنا هنا . و هذه غرفتنا المشترك و هذا ما يفسر تواجد مفتاح اضافي معي
• غرفت مشتركة لم اكن اعلم
• المهم انا لوسي من جنوب فرنسا و ادرس بكلية الصحافة
• مريا
كان هذا ما تفوهت به مريم فلطالمة كانت حذرة في علاقتها خاصة و انها تعد نفسها في بلد العدو اما لوسي كانت متفهمة للامر فقد كانت قد اخذت بعض المعلومات عنها من مديرة الاقامة و تصرفها هذا كان متوقعا خاصة لما تعلمه عن العداوة القديمة بين البلدين و لكنها لم تستسلم هنا و واصلت بالحديث
• اذا ألا تخبريني بسبب ضربك لذلك الشاب صباحا
• عفوا ما دخلك ؟؟؟و هل كنت تلاحقيني منذ الصباح؟؟؟
• لا فأنت اصبحتي مشهورة في الجامعة بسبب ذلك الحادث .على كل هل كان السبب ما ذكر في الجريدة عن بلدك
• كيف عرفتي ؟؟؟؟
• اخبرتني المديرة و حسب معرفتي القليلة بشعب الجزائر فهم غيورين على بلادهم لهذا يسموهم بمحاربي الصحراء
• صحيح و لكن من لكي بهذه المعلومات
• لاأظنه امر مهم لكن جدي عمل كقس سابق هناك و لطالم كان مؤيد للثورة و معجب بذلك البلد و شعبه حتى انه كان يفكر بالعودة للعيش هناك لولا الاضطرابات السياسية هناك
• هل افهم ان عائلتك من الرافضين لذلك الاضطهاد
• ليس الكل فقط جدي و رعاياه فهو الوحيد الذي شاهدة حقيقة تلك المستعمرة
احست مريم بالقليل من الراحة مع لوسي و لكن هذا لم يخمد دفاعاتها اتجاهها .
مرت ايام و شهور وبدات علاقة مريم و لوسي تتحسن و تزداد قوة فقد احست مريم بصدق و نية لوسي الفتاة الحيادية التي رغم الاختلاف بينهم الا انها لم تقبل الا ان تكون جدارا حديديا لمريم. اما كارل فقد وجد طريقا ليسترجع ثقة استاذه حيث قدم بحث مفصل عن الدروس التي فوتها في حفلة احد النوادي ذات الشعبية في الجامعة و كان عرضه له بطريقة مبتكر و غير اعتيادية قد أبهرت الجميع و ارضت مبتغى الاستاذ، و لكن هذا لم يمنعه من ملاحقة مريم و اكتشافها اكثر و انما هذا شجعه ليتقرب منها .ففي احد الايام و بينما مريم جالست في مكتبة الجامعة تجهز لي امتحانها اذ تقدم منها كارل بكل وقار و احترام و سألها ان كان بامكانه الجلوس و لكن بدى الانزعاج عليها و هذا ما جعله يبادر بالحديث ليقنعها انه ليس هنا من اجل التودد اليها بل جاء من اجل طلب المساعدة و اعطاءها فرصة في رد جميله ذلك اليوم و هذا ما اثار فضولها و قبلت ان تستمع له
• في الحقيقة لم يبقى سوى سنتين على تخرجي و كما تعرفين ان مشروع تخرج طبيب ليس بذلك السهولة لذلك اخترت ان ابحث عن الفيروسات المنتشرة بكثرة في افريقيا و انت ستساعديني
• هناك الكثير من الكتب المختصة ببحثك فهذا ما يبرع فيه بنو جنسك تمثيل دور البطولة على الشعوب المنسية
• بضبط لا يمكن تسديق كل ما يكتب و لا يمكنني استعمال مخيلتي في موضوع جاد كهذا اضافة اني قرأت كل تلك الكتب و لكن اريد ان ارى الحقيقة من وجهت نظر اخرى من وجهت نظر تلك الشعوب و انت تمثلينهم
بهذا لمس كارل اكثر نقطة ضعف لدى مريم و هي متى سيستمع هذا العالم الى رأينا بدل من التخمين فيه،حيث لم يترك لها فرصة للرفض هذه فرصتها لرفع صوتها للعلن بدايتها ستكون من الجامعة و هو كانت فرصته الكبرى ليفوز بقلب محبوبته ....و من هنا يمكن ان نقول انها بداية حب.
_________________________________________
(لكل من يقرء اعطني رأيك من فضلك🙏🙏)