حقيقة .. أم حلم ؟

1.1K 24 0
                                    

بعد الغداء الذي تناولاه على سطح المركب قال :
تعالي , نضع الصحون في غسالة الصحون وننزل الى الشاطئ مجدداً.
واطاعته مايلين , بنفس القدر من رغبة فيها لتبديد جو الاكتئاب الذي يمتلك فيها , ومن رغبة مماثلة في طاعته , في الوقت الحاضر نجح في إبعادها عن اي ميل في العودة الى الفندق, كيم كان بالنسبة لها الآن يمثل اشياء كثيرة ارادت ان تنساها , ورفض ذهنها التفكير في عواقب هذا الابتعاد الطائش فستواجه هذا حين تضطر, أما الآن فهي تريد ان تمرح بحرية , وتتهرب , لكن من ماذا إنها لا تدري؟
اخذ ستيفن معه الغيتار , وتمددت مايلين باسترخاء على منشفة الى جانبه تتمتع بموسيقاه الهادئة , كان من السهل عليها نسيان الزمن , والنتيجة التي تلي هذا النسيان, سهل ان تضيع نفسها في سعادة مطلقة , وتعيش فقط لأجل لحظتها , المتطفل الوحيد عليهما كان الأوز البري الذي يعتبر الجزيرة المهجورة له لوحده , والذي كان يطلق صيحات الاحتجاج لوجودهما وهو يقفز اسراباً الى الجو.
بعد قليل, وضع ستيفن الغيتار من يده واستلقى مسترخياً الى جانبها واغمض عينيه ليحجب بريق الشمس, وكانت مايلين قد نامت , بعد ان احست بعينيها تغمضان , ولفترة طويلة ساد السكون الشاطئ إلا من همسات الامواج .
كان ستيفن لا يزال نائماً حين فتحت مايلين عينيها , إحدى ذراعيه تحميان وجهه , وبدا لها صغيراً وجذاباً لدرجة تبعث الاضطراب , هكذا سيبدو تماماً كل صباح , وتصورته في الفراش, فلفت ذراعيها حول نفسها وكأنما تحتمي من الخطر الذي تمثله تلك الفكرة.
لاحظت ان على اسفل معدته أثر جرح , إنه اثر عملية الزائدة التي قال لها عنها , فمالت نحوه لتحدق بالأمر , مع ان الجرح يشفى إلا ان اللحم حوله لا يزال محمراً , فتحركت اصابعها نحوه , تحس بفضول شديد لتلمسه .
بشع .. أليس كذلك؟ هل اخافك؟
اشاحت بوجهها مذعورة منه , فامتدت يده تسعى الى مؤخرة عنقها اسفل الشعر الكث:
لا تقلقي هكذا , لم يعد الجرح مؤلم , مضى عليه اكثر من ستة اسابيع ومن المستحيل ان ينفتح فجأة من جديد.
ارتجفت وعادت عيناها دون مقاومة الى الجرح , فامسك حفنة من شعرها وقال :
مايلين .. كوني متعقلة .

لكنها في تلك اللحظات لم تكن تحس بالتعقل وعلمت ان هذه اللحظة هي ماكانت تنتظرها.
لم يعد يكفيها ان تنظر اليه , إنها تريد ان تتلمسه , و تريده ان يلمسها وكانت تحس بحاجة تؤلمها وتعرف ان لا احد سيريح هذا الألم سواه , لكنه سرعان ما دفعها عنه :
يا إلهي مايلين , دعيني, دعيني أتبرد في الماء , وإلا لن اكون مسؤولااً عن النتيجة.
وتركها مبتعداً , وراقبته يغطس في الماء, التموجات التي سببها غطسه اخذت تتوسع حتى وصلت الرمال , ولم يظهر لها لأكثر من دقيقة , لكن حين برز , كان بعيداً عدة امتار عن الشاطئ, يسبح بقوة ضد تيار الموج.
جلست مايلين متنهدة , فقد بدأت الشمس تغيب , وقرب موعد عودتهما, لقد كان يوماً خارجاً عن الزمن , ويكاد ينتهي , وقريباً جداً ستقف امام كيم لتشرح له اين كانت ولماذا, وفي الغد سيرحلا , وستعود الى اميركا وستنقطع كل الخيوط بينها وبين الحياة التي ستتركها هنا خلفها , ولا جدوى من مقاومة واقع صلب, فهو لا يمكن تجنبه, وعليها ان تتقبله!
حين عادا الى اليخت , توقعت منه إدارة المحرك على الفور لكنه نزل الى بطن المركب, وانتظرته ليعود , لكن حين تأخر لحقت به , وامام ذهولها وجدته يسخن الحساء على الطباخ , مرتدياً الجينز وكنزة , واحس بوجودها , ولاحظ زرقة البرد على بشرتها فقال:
ارتدي ثيابك اذا كنت تحسين بالبرد , لن يتأخر الحساء.
فكرة ارتداء ملابسها ومشاركته في الحساء الساخن كانت جذابة لا تريد ان يفسدها احتجاج.
كان ستيفن قد وضع قطعتين على الطاولة حين عادت , ووقفت لحظة معجبة بكل مايحيط بها , وليس آخرها ستيفن اطلاقاً, إضافة الى الحساء , وضع بعض اللحم المطبوخ البارد , قطع بطاطا مقلية , وخبز مستدير بالسمسم , وسلطة ومرطبات.
قالت محتجة وهو ينضم اليها على المقعد:
سيحل الظلام قريباً.
تذوقي الطعام , ما رأيك؟
إنه لذيذ, وكذلك الغداء , كل شيء كان اليوم رائعاً.
كانت جائعة لكن توقع ماكان ينتظرها سلبها شهيتها وبعد بضع ملاعق اكتفت ولاحظ ستيفن هذا, لكن لم يقل شيئاً, وحاولت التعويض بأكل اللحم , لكن لا فائدة , فقد بدى لها حلقها يقفل كلما حاولت الابتلاع , وكلما فكرت انها في مثل هذا الوقت من الغد ستكون فوق الاطلسي على متن الطائرة متوجهة الى اميركا , فدفعت صحنها بعيداً مع احساسها بالقنوط .
ألم يعجبك الأكل؟ ام انك لست جائعة ؟
يجب ان نعود ستيفن , امامنا مسافة طويلة بعد, أليس كذلك؟
صمت لدقائق, ثم قال بهدوء:
هل انت متشوقة لتركي؟

تمتمت:
تعرف انني لا اقصد هذا, بعيداً عن انك خدعتني لتأتي بي معك, فقد كان تصرفك معي رائعاً , على عكس تصرفي , وانا لا أنكر ابداً انني اجدك جذاباً.
اوه , مايلين , توقفي عن إيجاد الأعذار, نحن جيدان لبعضنا , ونعرف هذا قبل اليوم, وكلانا يعرف ان اليوم لا يجب ان ينتهي , ليس بالطريقة التي تتصورينها على أي حال.
مدت يدها وكأنها تحاول إبعاده عنها, لكنه استعمل امتداد اليد ليجذبها اليه , ويطبق ذراعيه حولها :
ستيفن , لا تلمسني .
ألمسك؟ مايلين انا مضطر لأن المسك , يجب ان احضنك. فأنا احبك مايلين .. احبك !
انت .. تحبني؟
اجل احيك , احبك واريدك , اريد ان اكون جزءاً منك , فلا تقولي إنك لا تريدين هذا ايضاً.
لو ان ستيفن كان في نفسه اي شك حول مشاعرها , فقد زالت كلها حين لفت ذراعيها الناعمين كالحرير حول عنقه , وقال لها :
لا تكوني مترددة , ليس بيننا منخفيه , ورأسك اجمل من ان تشغليه بالتفكير.
وضمها اليه بقوة , للغرابة لم تحس بالخوف . منذ سنوات , حين كانت في المدرسة الداخلية, ماكانت تسمعه من تهامس الفتيات عما يحدث بين الرجل و المرأة , و دروس العلوم الطبيعية , لم تقنعها بإمكانية ان يجد المرء سعادة في مثل هذه الأمور.
فيما بعد , في الجامعة احست بالإرتباك حين تعلمت عن ذلك الجزء من الزواج لكن كيم كانت لا تفكر ابداً بهذا النوع من العلاقة, حتى انها افترضت انها يمكن ان تفكر فيها حين تصل اليها.
لكن ماكان يحدث الآن بدا لها طبيعياً لدرجة لم تشعر بأنه يخدش حياتها , او يهين تزمتها , حين ابتعد عنها بعد قليل مدت يدها الى خده وقالت هامسة :
احبك ستيفن , لكنك تعرف هذا ! فلست بارعة في اخفاء مشاعري .
اشكر الله على هذا! مع انك جعلتني أمر باوقات عصيبة.
أنا؟
اجل , أمسية الحفلة مثلاً , حين قاطعتنا إيف , لم أنم ليلتها مايلين!
لكنك ستنام الليلة.
بوجودك معي , سنعود في الصباح .. هه؟ وسنقول للجميع أننا سنتزوج.
شهقت :
نتزوج؟
لا تبدين مندهشة, أم انك تفكرين بالآخر؟
تعرف ان هذا غير صحيح.

ابتسم راضياً:
- لكنك ستتزوجيني , ألن تفعلي؟ حال ان حصل على الترخيص.
حبست أنفاسها :
- اوه ستيفن , انت تعرف انني اريد هذا , لكن ..
- لكن ماذا؟ لا تقولي انك لا زلت تريدين الزواج من مايفز .
- لا .. بالطبع لا , لكن عمتك , عائلتك.
- سيحبونك كما احبك , مايلين , انا لم اطلب هذا من أي فتاة من قبل, فلا تقولي لا .
- اوه , لن اقول , وسأتزوجك بالطبع , غداً إذا كان هذا ممكن .. لكن .. ارجوك .
- ماذا ؟
- ارجوك ان تحبني كما احبك , اوه ستيفن هذا كله حقيقي أليس كذلك؟ لن استيقظ في الغد لأجده مجرد حلم.
ارجع شعرها الى الوراء بيده :
- ابداً , لقد التزمت بي, والآن ألا ترغبين في النوم؟
- اطفئ الأنوار , اريد قليلاً من الهدوء في الظلمة , لأستطيع جلاء كل الأمور المتشوشة في ذهني.

خليج القمر || آن ميثر || روايات غادةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن