الهمسة الثانية: مستنقع الخطايا.

50 8 10
                                    

...

وحوش اللظى الملتهبة من حولها تزأر بشدة، كل شيء تلبسه جان من النيران الحارقة، وحتى أنها بصدد التحول لبرادة من الرفات الأسود، لم ينجو أي كائن كان، من جماد أو إنسان إلا هي.

لكنها هي أيضًا على أعتاب ذلك، فمن سيقدر على انتشالها من قعر فاه الجحيم الآن؟ لا أحد غير الله الواحد الأحد، لكن كيف سينجيها ربها وهي التي عصته وسبحت بعيدًا عن جنة خلده، وأغرقت روحها بنفسها في مستنقع الخطايا؟

خطايا قللت من شأنها ولم تعطها حقها من التهويل والنفور، خطايا تراكمت فوق بعضها واستهين بخفتها لتكوّن جبالًا راسيات غلفت قلبها الغافل المنغشل في لعق ملذة الشهوات حتى أخمصها.

خطايا لم تعتبرها ذنوبًا أصلًا بحجة أن الجمع يفعلها، وما الجمع غيرها هي وحزبها من العصاة ومرقص الشياطين حولهم سوا.

خطايا اقترفتها بلا مبالاة بالعواقب أو ما سينتج عنها غدًا، فقد أسهبت في أكل الثمار من بستان الخطيئة بعذر الجوع وحلاوة المذاق.

رغم حفو بيئتها وبيتها بالصلوات والأذكار إلا أنها اختارت لنفسها منهج الدمار، رغم وجود الصحبة الصالحة اتجهت للفاسدين الأشرار، رغم كثرة جمعات الخير والبركة كانت تتجه للزوايا وتطرب بأغاني الفسق ليل نهار.

رغم عائلتها الطيبة وحالتها الإجتماعية والمادية الممتازة إلا أنها لم تجد نفسها لائقة بالخير فأجبرت نفسها على الغوص في أعماق الشر.

وسواء أكان ذلك بشكل مقصود أو لا، عناد مراهقة أو نشوة شباب، غفلة براءة أو ربما غباء وانخداع من قبل القرين الذكي، فإن النتيجة واحدة، الهلاك والضلال.

فالنتيجة مهما تعددت أسبابها يبقى وقع ألمها واحد، ففي النهاية لا الأعذار الواهية ستشفع لك ولا من جروك للمصيدة سيقفون معك، ويتقاسمون معك المذلة والعقاب.

الآن فقط ستذوق جرعات العلقم التي حضرتها سابقًا من مكونات التمرد والعصيان، ستُطبخ في لهب المنكرات التي افتعلتها بلا خجل أو اكتراث، والآن هي تلتهمها بلا أي شفقة أو رأفة فؤاد.

ستضطرم فيها شعل السيئات والجرم، حيث وقع وابتدأ، مسرح الجريمة المناسب، غرفتها الصغيرة، حيث الخلوة الهنيئة، ورفقة القرين بلا أي تدخل لملاك يفسد عليه التهمامه لفريسته.

نجا الجميع وتركوها هنا في لهيب أعمالها تحترق، حاولوا إنقاذها سابقًا بالنصح والكلام الحسن، واليوم بالإنذار والوعظ، لكنها كانت في سبات عميق في قوقعتها، التي أغلقتها على نفسها، ورمتها في لج ظلمات بحر الخطايا.

همسات هلال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن