الهمسة الرابعة: ما بين المنحنى.

38 9 21
                                    

...

تجلس بقرب تلك الجثة الهامدة برأس مطأطئ، تحدق بأصابع قدميها بتدقيق وكأنها لوحة فنية تخبئ بين طياتها لغزًا مثير.

حتى حمحمت تلك المتسطحة على السرير بجانبها، تلك التي لا تزال الشابة بعدد أيام عمرها، ولكن العجوز بجسدها، وما يحويه من أعضاء خملت وأصبحت تطلب الإندثار والتحلل بين الطين والتراب، كما كانت من قبل.

كانت تبدو وكأنها دمية متحركة من الأسلاك والأنابيب المختلفة، المتصلة بكل فرع من جسدها، وتوصلها بأجهزة تقوم بالوظائف البيولوجية بدلًا عنها.

رفعت ماري عيناها الدامعة نحو أمها سيلين، التي هي على فراش الموت الآن، بعد سنين من المحاربة مع مرض السرطان، ولكن الأطباء يئسوا من حالتها وأبلغوها أنها ربما ستموت الآن قبل الغد.

شهقت ماري ببكاء ومن ثم تدفقت عبراتها المالحة كشلال انضمت إلى هيج مياهه قطرات المطر الغزير،
فرفعت الأم يدها بصعوبة بالغة نحو صغيرتها ومسحت دموعها بألم وقهر فلا يوجد ما تواسيه به صغيرتها الوحيدة ماري، لا أقارب ولا مال أو متاع.

ستتركها يتيمة الأم بعد أن كانت يتيمة الأب بالفعل، بعد أن تركهما لوحدهما يواجهان سيل الصعاب وهرب مع عشيقته الجديدة.

نعم عشيقته وليست زوجته؛ لأن سيلين لم تكن متزوجة من والد ماري كاسبر بل هربت معه من بيت أهلها كما فعل هو الآن مع فتاة غبية طائشة أخرى مثلها، الآن أدركت غبائها بعد أن فات الأوان، وبقي القليل من ذرات الرمل في الساعة الخاصة بها، ساعة الحياة.

فشلت في امتحان الحياة فشلًا ذريعًا وأهدرت دقائق عمرها بالفاني والرخيص، وصرفته كله في عبادة الدنيا ولا التحضير للآخرة وادخار الحسنات لها كما يجب، حسنتها الوحيدة في الدنيا، والتي لا تندم عليها هي ابنتها ذات الإثنا عشر عامًا، ماري.

والوحيدة التي ربما تخفف عنها يومًا من العذاب في نار السعير، التي أوقدت النيران فيها بالفعل بنفسها، بسيئاتها الكثيرة التي لا تحصى ولا تعد، لكنها ستبقي لنفسها ابنة صالحة تدعو لها بالرحمة، وتستغفر لذنبها، ستبقي ورائها صدقة جارية ستشفع لها عند ربها الغفور الرحيم.

نطقت الأم بصوت مبحوح وخافت.

ابنتي الصغيرة، ماري، سأخبركِ بأمر ما مهم جدًا، وعليك بالإنصات لي جيدًا، وستعيه بحذافيره، أولًا، هل تعرفين ما يعني الدين؟

ردت ماري بتشوش وعدم تأكد.

لا أعرف بالضبط، ربما هي تلك الصلوات التي تؤدى في تلك الكنائس، وأيضًا لها علاقة بموت الروح وما إلى ذلك..

همسات هلال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن