الهمسة الخامسة: توصيلة إلى كوخ المغفرة.

34 9 5
                                    

...

أجساد عارية تتراقص هنا وهناك بثمالة غير واعيين لما يجري حولهم من فساد ورذيلة، فهم أنفسهم منغمسين فيها على حد سواء، الجهاز العصبي لديهم يغفو الآن لأجل يحدده مقدار ما تناولوه من ذلك السم اللاذع.

الموسيقى الصاخبة التي لا يفهم من كلمات أغانيها الفاسقة شيء؛ بسبب الضجة التي تغلفها من صرخات وترديد الثمالى معها.

في جوف ذلك البار الغير مرخص، والغارق في لجة من العتمة غير بعض الأضواء الخافتة المتحركة من صوب لصوب، تجاهد لتعميم أشعتها، وهزيمة الظلام لكنها فشلت، تزيد من تشويش وصداع المرء أكثر مما هو أصلًا.

ولهذا انسحب عمرو من جلسة رفقته بنية العودة للمنزل رغم إلحاحهم عليه بالجلوس، وأن الليلة لا تزال في بدايتها، لكنه لم يتحمس للفكرة، فهذا ما يفعلونه كل يوم، وبالطبع أسره الروتين والملل.

انطلق في سيارته الحمراء الفارهة بين شوارع العاصمة إسلام آباد، غير عابئ لكونه لايزال تحت تأثير الكحول، عقله كبحيرة راكدة تمامًا من أي موجات أفكار، فالأعاصير دمرت وعصفت بكل كيانه قبل زمن طويل.

الآن هو عبارة عن أنقاض فقط، مجرد شظايا باقية يتناثر عليها أغبرة الماضي المسموم، هو كزهرة شائكة تبدو نظرة منفتحة الأمل من الخارج، ولكنها وحيدة من الداخل.

لا تملك غير الزوار المؤقتين، الذين يحطون عليها بغرض ملئ صدورهم بالشذا الفواح، أو مص بعض الرحيق الطيب.

وبينما هو يدور بلا مخرج في متاهة وصم عليها بالفراغ، توقفت سيارته فجأة بلا أي سابق إنذار، فنزل بتكاسل ليفحصها، وفور فتحه لمقدمة السيارة، قابلته أعمدة الدخان، مرحبة به بحرارة، مع رسالة مرفقة بأن مصدرها قد قضى على سيارته وانتهى الأمر.

وهو أصلًا لا يجيد إصلاح أعطال السيارات حتى أبسطها، هو لا يجيد شيئًا البتة غير التسكع والشرب، واقتراف المحرمات.

زفر بأسى وقلة حيلة، وتأمل ما حوله بحثًا عن أحد ما يساعده، ليصدم بكونه في طريق مهجور، تنتصب على جانبيه الأشجار وجذوع النباتات الخضراء المتنوعة، وكأنه ضاع في جوف أحد الغابات والأدغال.

ووجوده هنا كم يدل على نباهته وتركيزه أثناء قيادته للسيارة! أغلق مقدمة السيارة، وجلس في الداخل حتى يتجنب أن يصبح وجبة لأحد الحيوانات البرية هنا، حاول الإتصال بأحد ما لطلب المساعدة لكن الشبكة كانت منعدمة هناك.

مرت فترة ليست بالقصيرة حتى لمح سيارة شبه محطمة كسيارات الأجرة التي تنتشر في المدينة، قادمة نحوه، فخرج فورًا، ووقف في منتصف الطريق ليعوق سبيلها وتتوقف.

همسات هلال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن