استسلم الجواد الابيض في المرقط على مضض لضغط اللجام وابتعد عن الاعشاب الخصبة , واخذ رأسه يتمايل في ايقاع وهو يخطو في تثاقل على الطريق .
لقد شهدت عيناه 15 ربيعا , ولم يعد يثب عل قائمتيه الخلفيتين مرحا, أو يرفع مقدمة بحركة مفاجئة ,كما اعتاد ان يفعل من قبل .
ولم يعد كذلك يدفع اللجام الحديدي من بين اسنانه.
لقد أصبح سمينا وكسولا خلال سني عمره, وبدا وكأنه يدخر طاقته ليطرد الذباب أوليتهم العشب الاخضر الطويل ,
لعله يكتسب القوة استعدادا لمواجهة فصل جديد من فصول الشتاء كما تعيشة ولاية داكوتا الجنوبية .
لم يكن الجواد بحاجة الى ان ينظر في التقويم السنوي ليعرف ان شهر ايلول أوشك على الرحيل .
كان يكفيه أن ينظر الى الاشجار بأوراقها الخضراء وقد طهرت عليها بقع ذهبية وبرتقالية ,
أو يرفع عينيه الى السماء ليرى الطيورتستعد للبدء في رحلة الهجرة مع المعاملات الاولى لبرد الشتاء.
وحقول القمح المجاورة للمرعى, المتموجة نضج محصولها وباتت السنابل الذهبية تتدلى على سوقها النحيلة .
كان الجو لا يزال دافئا خلال النهار ولكن الليالي لم تكن تخلو من الصقيع.
وبدا الجواد المرقط يتهيأ ليوطن جلده الخشن على احتمال الرياح الباردة الوافدة من الشمال الغربي.
وجاءت وخزة من كعب الحذاء لتضرب جانبه. وصهل الجواد ليعبر عن استيائه قبل ان ينطلق ليجري في اهتزاز.
كان الحمل على ظهره خفيفا واليدان اللتان تمسكان باللجام رقيقتين .
وارتفعت يد لتلمس رقبة الجواد في اطراء وتبع ذلك جذب للجام. وعاود الجواد الآخذ في الهرم الجري مسرورا.
ثم ما لبث ان عاد الى مشيته المتثاقلة .
وتنهدت الفتاة التي على ظهر الحصان العاري بعمق وتركت اللجام يتدلى أمامها, بينما وضعت راحتها اسفل ظهرها وتدلت ساقاها على جانبي الحصان
وجلست في استرخاء على ظهره العريض واغمضت عينيها البنيتين الرقيقتين وقد شعرت بالدفء يسري في صدرها وساقيها.
كان بصرها ينتقل في سرعة في ما حولها, مجرد رؤية دون ان ترى شيئا محددا .
كان قوامها معتدلا وشعرها بنيا دافئا مثل عينيها وقد بدا كثيفا, في قصة قصيرة تسمح لكثافتة وتموجه الطبيعي بأن يشكل وجهها البيضاوي .
وكانت ملامح هذا الوجه عادية بلا جمال صارخ وانما كانت تتمتع بصحة عامة تبعث الرضى .
كانت جولي انطوانيت سميث في حداثتها تندب قلة حظها من الجمال الساحر, ولكن أباها كان يضمها بين ذراعيه في نوع من العناق الذي اعتاده
ويعمد الى اغاضتها بصوته الضاحك قائلا :
- ان لك عينين جميلتين ترين بهما, ولك أنفا تشمين به, ولك شفتين سخيتين تشكلان فمك الذي يتكلم ويأكل بطاقم اسنانك الابيض الناصع .
ثم يرفعهما الى اعلى فيما رأسها الى اسفل وينعم النظر في وجهها ويقول:
- ووفقا لأخر عملية حسابية قمت بها, فان لك 437نمشة ينبغي ان تشكري الله عليها لأنه نثر هذه الذرات الذهبية في وجهك .
ولكنها كانت تعبس وتقطب بسبب النمش الذي كان هناك وكأنه ليس هناك.
واذ ذاك أبوها يداعب ركن فمها ويجعلها تبتسم رغما عنها ثم يختتم حديثة بلذة النصر قائلا :
- واعطاك كذلك بعض الخطوط الغائرة الجميلة على ذقنك .
وكانت جولي تفهم ان اباها يتحيز اليها, ولكنها كانت تحس بارتياح كبير بعد تلك المداعبات.
وعندما كبرت ادركت انه كان يحاول ان يجعلها تشعر بالرضى وقد كفت منذ زمن طويل عن ان تلعن حظها من ذلك النمش وتلك الخطوط الغائرة في ذقنها.
كما تعلمت ان تقبل المداعبات البريئة التي تتعرض لها بسبب ذلك.
ورغم ان جولي قلما كانت تحظى باهتمام من الجنس الاخر, فان الرجال الذين كانوا يألفو بصحبتها
كانوا يجدون فيها فتاة دائمة الابتسامة الاصغاء والحديث,
وكانت من النو الذي يحن الى الجلوس الى أمه بينما تحرص صديقاتها على ارتياد الحفلات .
كانت جولي قد عادت الى بيتها بعدما امضت اكثر من3 سنوات درست خلالها البرنامج المقرر لـ 4 سنوات كاملة
واتمت تعليمها وحصلت على الدرجة الجامعية.
ولكن ماذا بعد؟ كانت تحس بشيء من عدم الارتياح وكان القلق يجيش في نفسها.
لقد عادت الى مسقط رأسها وبدا لها ان كل شيء قد تغير ,
بينما كان كل شيء على ماهو عليه: مسقط الرأس, 360 فدانا من الاراضي الزراعية على مسافة 60 ميلا
من يانكتون في ولاية داكوتا الجنوبية حيث ظل ابواها طوال 21عاما من حياتهما يفلحان تلك الارض وكانت حياة طيبة لكنها لم تكن تخلو من المصاعب احيانا
بسبب الطقس وأثره على المحاصيل.
ولكن .. تلك كانت حياة ابويها وليست حياتها هي .
وتوقف الجواد المرقط ليأكل بصوت طاحن من كتلة كثيفة من العشب ولكن جولي استحثته على السير وقالت :
- لو انك اكلت اكثر من ذلك يا كشاف لانفجرت معدتك .
واستجاب الحصان مطيعا وواصل السير متثاقلا . وتنهدت جولي وخاطبته:
- يالك من عجوز مسكين. لقد تغيرت انت ايضا مثلي . صدق من قال ..انك لن تستطيع العودة ثانية .
وكان والدا جولي قد عاشا بمفردهما خلال السنوات الـ3 الاخيرة ولم يعودا قادرين على رعاية امور ابتهما.
فهما لا يستطيعان ان يعرفا بأنها قد اصبحت راشدة .
لقد تزوجت اختها التي تكبرها بعام واحد ورزقت طفلين وعاشت حياة تختلف تماما عن حياة جولي .
وادركت هذه ان كل شيء قد تغير حتى جون تالبوت ذاته.
رأت جولي سيارة جون البك اب تنتظر عند منعطف على جانب الطريق الزراعي, وكان بقامته الطويلة التي لفحتها الشمس
يقف على حافة حقل القمح وعضلات ذراعيه تلمع مع اشعة الضحى ورفع احد ذراعيه محييا
بينما ظهرت بين اسنانه واحده من سوق القمح ووجدته يخطو خطا واسعة الى حافة الحقل , واقتربت منه على ظهر حصانها
وامتدت يداه الغليظتان تحيطان بها وحملها الى الارض وخفض رأسه تجاهها يلتمس عنقها .
واستجابت جولي على فطرتها وقد احست به يقترب منها, وارتاحت الى بريق العاطفة البادي في عينيه السمراوين الذهبيتين والى ابتسامته
وهو يقول :
- هيه.. لقد مضى وقت طويل منذ خرجت اخر مرة الى المزرعه .
ووجدت جولي نفسها تلتصق بكتفه.وامتدت ذراعه القوية تشدها اليه وجعلت ذراعها تلتف حول وسطه
بينما اخذ الحصان يرعى وقد اغضى عنهما وهما يسيران في بطء تجاه حقل القطن.
واندمجت جولي في الحديث الذي يدور عادة بين سكان المنطقة:
- ان ابي يقول يقول ان موعد حصاد قمحك قد حان .
ونزع جون واحدة من سوق القمح قبل ان يجلس تحت ظليلة واخرج الحبات الذهبية من السنبلة وألقى باثنتين في فمه, وقال :
ما زالت فيه نسبة كبيرة من الرطوبة. وبعد يومين مشمسين يكون جاهزا للحصاد .
ودفع قبعته الى الوراء واضاف :
سوف يكون فصل حصاد طيبا .
وعلقت جولي قائلة :
- ان ابي يشكو الآما في كتفه ولابد ان المطر سيسقط قبل مساء الغد .
وابتسم جون وضمها بين ذراعيه وقال :
- بلغيه نيابة عني ان ينتظر يومين اخرين .
وهم بعناقها فأدارت رأسها ولمست شفتاه وجنتيها ولكنها افلتت منه وسألها في هدوء :
- ماذا بك يا جو ؟
تنهدت واجابت :
- لا ادري ... وادارت بصرها الى الوراء لتلقي عليه نظرة استطاع معها ان يلمح اثار الحزن .وواصل الحديث قائلا :
- لقد مضى اسبوع منذ قدومك. ألم تتلق أي رد على ططلبات العمل التي تقدمت بها ؟
- لم اتقدم بأي طلب للعمل .
وارتفع حاجباه بعض الشيء. وتنشقت انفاسها وهي تحول عينيها عن وجهه .
ولكنه كان يعرف الكثير عما تفكر فيه وقالت :
- لقد حصلت على الدبلوم بالفعل, ولكنني لا اعرف ماذا افعل بها ؟
عندئذ قال جون :
- يمكن متخرجات اقسام الاقتصاد المنزلي ان يصبحن زوجات ممتازات !
ورغم ان تعليقه كان يعني لها شيئا من المضايقة فقد عرفت ان العبارة كانت نوعا من جس النبض لعله يعرف رأيها .
ولكنها لم تستطيع ان تخبره صراحة انها لا تحبه , او على الاقل لم تكن تحبه بالطريقة التي تريد ان تحب بها الرجل الذي سيصبح زوجا لها .
كان جون حلم اية فتاة. فهو لم يكن جميل الطلعة فحسب بل كان صلبا يمكن الاعتماد عليه.
وكانت أي نظرة منها الى ملامحة الملوحة بأشعة الشمس تجعلها تعجب من نفسها ..
كيف لا تحرص على ان تفوز بالرجل الذي ظل ينتظرها 5 سنوات لم تكن تنكر ان جون له سحر يجتذبها اليه,
ومع ذلك لم تدق الاجراس ولم تسرع ضربات قلبها عندما امسك بيديها
وكانت ترى انه ليس عدلا ان تتزوج منه وهي تعرف حقيقة شعورها نحوه .
وجاء صوته الخشن الهادئ يسألها :
- هل فكرت مرة لماذا لم اقدم اليك خاتم الخطوبة فيما كنت طالبة في الكلية ؟
وأومأت برأسها وهي تشعر بالذنب الى درجة لم تستطع معها ان تجيب صراحة. وتابع قوله :
كنت اعرف انك تستلطفينني بل ربما احببتني, ولكنك لم تقعي في حبي حقيقة .
وظهرت على وجه جولي علامات الالم, واضطر جون ان يمد يده ليرفع ذقنها الذي كاد ان يغوص في صدرها وقال :
- كنت في الـ18 من عمرك وكنت في الـ24 وقررت ان من الحكمة ان انتظرك حتى تكملي دراستك .
وهمست جولي :
- احس كما لو كنت ادنى مخلوق على الارض ياجون . اعترف انني لم اقع في حبك. احس باحترام نحوك لم اشعر به تجاه شخص اخر من قبل . احبك ولكن من معنى اخر .
واحست باصابعه تنشب في كتفيها تنفيسا عن الالم العميق الذي ابى وجهه ان يبوح به ,
وابتعد وظل يستند الى جذع الشجرة وقال :
- الطريقة التي تحبينني بها لن تشفي غليل أي منا لزمن طويل .
كانت ابتسامته تعكس الاسى وبد المرارة واضحة على وجهه واكمل :
- وماذا تفعلين ؟ هل تقيمين هنا ؟
وهزت رأسها هزة لم يكد يلحظها , واجابت :
- لا اعتقد ذلك . لقد عدت الى المزرعة لأجمع شتات افكاري بعد 3 سنوات عانيت فيها من الانتظان في الدراسة والواجبات المنزلية وغيرها. واحس كأن شخصا القى بي على الشاطئ. لقد ظننت ان العودة تعطيني فرصة للبدء من جديد ولكنني الان اكثر اضطرابا. ولا اريد ان اقبل أي عرض للعمل ولكنني لا اريد كذلك ان ارهق ابوي بالانفاق علي. لقد كلفتهما الكثير .
- كل شيء سيكون خيرا باذن الله .
- آمل ذلك لكلينا يا جون ! .
وكان يحدق في الارض المزروعه دون ان يبصر شيئا محددا ثم تحول الى جولي وقال :
- هل اطمع في ان تدوم صداقتنا ؟
وامتدت يده تعبث بشعرها وتذكرت سنوات صباها, وقالت :
- بالطبع .
وابتسم وهوينهض برشاقة على قدميه ونهضت هي الاخرى ووقفت صامته الى جانبه واستأنف الحديث :
- دعي عنك هذه الكآبة يا حبيبتي. لا تظني انني فوجئت. اعتقد انني كنت سأدهش حقا لو انك تحبينني بالفعل .
وتعانق الاثنان فيما كانت عيناها مخضلتين بالدموع. وقالت :
- الخالة بريجيت ستقطع رأسي لأنني افرط فيك .
وضحك جون وقال :
- لا تقولي ان خالتك المشبوبة العاطفة هنا !؟ .
- انها كالعذراء داخل الشرنقة. كيف تجرؤ ان تسميها مشبوبة العاطفة ؟ ان امي تقول انها لم تذق طعم القبلة في حياتها .
- انها في رأيي المرأة التي تعرف معني الحب .
كانت تلك اجابة حيرت جولي. وتركها جون في حيرتها وقال :
- ان العم راي يبحث عني الأن ولابد ان انطلق .
لم تكن جولي قد ادركت انه اعتزم الرحيل حتى ابتعد عنها بضع خطوات فصاحت تناديه :
- جون.. انني .. انني آسفة .
كان جون قد احس بكتفيه يتصلبان بعض الشيء قبل ان يلتفت اليها.
ولوح بيديه ومع ذلك سرعان ما ابتعد عنها تجاه سيارته.
ووقفت جولي ترقبه قبل ان تعود الى جوادها السمين الذي كان لايزال يملأ بطنه بالكلأ .
انغلق الباب الداخلي في المنزل المكون من طابقين وقد احدث بعض الضجيج بينما كانت جولي تجتازه الى الداخل .
ولم تكن تحس بأنها احسن أو اسوأ حالا مما كانت في الصباح .كانت قد اتخذت قرارا حاسما فيما يخص المكان الذي يمكن ان تعمل فيه .
اذ قررت الا يكون ذلك بأي حال في مكان قريب من مسقط رأسها حتى لا يتيح ذلك فرصة امام جون لمعاودة الضغط عليها للزواج منه.
وجاء صوت مهيب من شرفة في الداخل :
- مرحبا ... من دخل !.
- انا يا خالة بريجيت .
قالت جولي ذلك وهي تدير رأسها قرب الباب ولحت بيدها قائلة :
- اين امي ؟
- انها في المدينة تشتري بعض البقالة .
وهمت جولي بالتوجه الى حجرتها ولكن الخالة اشارت اليها :
- تعالي واجلسي معي .
وكان شعر الخالة بريجيت بلونه الرمادي قد التف في كعكة صارمة
وكانت جولي تنظر الى خالتها التي تكبر امها بـ 12 عاما على انها امرأة عملية وحازمة .
ولكن تعليق جون جعل جولي تتعجب كثيرا وتفكر في مدى صدق الصورة التي تراها بها .
فالملامح التي تبدو عليها الآن ربما كانت في يوم من الايام جذابة حقا .
وسألتها الخالة :
ماذا فعلت منذ عودتك من المدرسة ؟
كانت خالتها قد امضت الـ 30 عاما الاخيرة في مهنة التعليم وكانت اسئلتها تصل الى جولي وكأنها اوامر.
واستغرقت الفتاة في شيء من التفكير ثم اجابت :
- كنت استريح من عناء الامتحانات النهائية كما كنت احاول ان ارسم صورة لما عساي ان افعله في المستقبل .
- انك تتكلمين وكأنك تتحدثين عن مشكلة خطيرة .
كانت بريجيت كارسون قد لاحظت بالفعل التعبير المضطرب على وجه جولي ومضت تقول :
- كأنه امر خطير بالفعل .
- نعم .
قالت جولي ذلك وقد حاولت ان تدير وجهها حتى لا تواجه نظرة خالتها المتفحصة وواصلت الخالة قائلة :
- اين كنت هذا الصباح ؟.
- كنت في الخلا مع جون .
- انني واثقة من ان لديه اجابة عن المأزق الذي تعيشينه .
- نعم ... كان لديه اقتراح .
وبدا صوتها رقيقا وحازما في آن واحد واكملت :
- انني لم اقع في حبه حتى الآن يا خاله بريجيت .
- اشعر بالاسف لك ولجون في الوقت ذاته. كان من الممكن ان يكون زوجا وابا صادقا في حبه لك . هل انت متأكده من شعورك نحوه ؟
- ماهو الحب ؟
طرحت جولي السؤال وهي تستدير من النافذة نحو خالتها واكملت :
- ان عمري 21 سنة ولا اعرف حتى الآن ماهو الحب .
ان ذلك يا عزيزتي سؤال سوف يتردد طالما كان احياء على الارض .
وارتفع حاجبا خالتها القاتمان وقالت :
- لقد ادركت انك لم تقعي في حب جون بعد , والا لما طرحت هذا السؤال .
- هكذا تتخلصين من الاجابة على السؤال .. ارجوك الا تكرري لي الكلام الذي تقوله امي : الحب يعني اشياء كثيرة بالنسبة الى الكثيرين .
- اعتقد ان الحب الذي تتحدثين عنه حيث تدق الاجراس شيء نادر لأنه حب بلا انانية. وقليل من الناس من يستطيع ان يعطي من مشاعره عطاء كاملا حرا. وهناك من يشقون كثيرا في سبيل العثور على ذلك الحب لكنهم لا يجدونه , ومع ذلك فهناك قلة من المحظوظين يعثرون عليه حقا .
- وهل عثرت عليه خالتي بريجيت ؟
- نعم .. ذات مرة . ولكن حادثة السيارة اخذته مني .
وعلت وجهها ابتسامة حزينة واكملت :
- لقد حطمني تماما ذلك الحب. ان الذي تتحدثين عنه حب نفيس .
- هل تعتقدين انني سأعثر عليه ؟
- ليس بتلك الملامح الكئيبة التي تعلو وجهك .
كانت بريجيت قد اختارت الكلمات التي ساعدت جولي على ان تخرج من شعورها بالكآبة .
- حسنا انني لا اتطلع الى الرحيل, كما لا اريد الاقامة هنا ولابد من ان اشغل نفسي بشيء .
- الواقع ان من الصعب على الانسان احيانا ان يتخذ القرار عندما يكون وسط من يعرفهم لأنه يلح في طلب اراءهم رغم انه يعرف انها لا تفيد. وفي رأيي ان ترحلي لمدة اسبوع او اسبوعين . ارحلي وحدك الى أي مكان واسترخي واستمتعي بوقتك وسوف تدهشين كيف تصبح الامور بعد ذلك في غاية الصفاء .
وهزت جولي كتفيها وقالت :
- لا اعرف مكانا معينا اذهب اليه .
ولاح في عيني جولي شعاع ضوء للحظة. فقد تذكرت رغبة حبيسة نفسها منذ طفولتها وقالت :
- ربما ولكن مكان بعيد وليس في وسعي ان احلم برغبات متطرفة .
- وماذا يضيرك لو تحدثت بما في نفسك مبينة الى اين تذهبين لو توفرت لك النقود ؟
- سأقول شيئا قد يبدو غريبا على مسمعك, فقد ظللت افكر في الذهاب الى لويزيانا, حيث كانت جدتي الكبيرة لأمي او غيرها من اجدادي يعيشون . انني لم اكف عن التفكير فيما اذا كانت كاميرون هول مازالت قائمة هناك ؟
- انه لشيء غريب حقا حين نعرف كيف نجح هذا السلف الوحيد لنا في ان يصبح جزءا من حياتنا الى هذا الحد .
وتفحصت العينان القاتمتان جولي بعناية وواصلت تقول :
- لقد سميت بأسمها: جولي انطوانيت. كانت البنات يحملن اسماء فرنسية عبر السنين .
- لا يعنيني لك لأن حظ جولي من الجمال والفتنة اكبر بكثير مما كانت عليه جين سميث .
وقهقهت جولي مليء فمها :
- لابد ان هناك وسيلة تستطيعين بها ان تقومي بهذه الرحلة .
كان عقل خالتها يعمل بشكل يكاد يكون ملحوظا بينما راحت جولي ترقبها وهي تزيح الكتاب عن حجرها وتنهض لتقف :
- لا اعرف كيف ؟
- ان لدي مبلغا من المال لا بأس به ادخرته ولم تفكر قط لماذا. لم احضر لك هدية التخرج من الجامعة لأنني اردت ان تختاريها بنفسك. وها انت قد اخترتيها بالفعل.رحلة الى أرض الرافد. الى لويزيانا.
وابتسمت خالتها ولهثت جولي وقالت :
- انه مبلغ كبير لا استطيع ان اتركك تفعلين ذلك .
وكيف تستطيعين ان تمنعيني ؟.
أنت تقرأ
سيدة القصر الجنوبي
Romanceسيدة القصر الجنوبي للكاتبة جانيت ديلي الملخص انتقلت جولي من بلدتها في داكوتا الجنوبية حيث اكملت دراستها الجامعية الى لويزيانا بحثا عن جذورها في ما اعتقدت انها منطقة اسلافها القدامى ولدى وصولها ومباشرتها البحث عما جاءت من اجله, تفاجئها , في غابة , في...