لم تعد جولي الى مزرعة والديها بل اتجهت الى شقة خالتها بريجيت عند شلالات سيو . وبعد العناء الذي قاسته في رحلتها الطويله الى داكوتا الجنوبية
حيث رفضت ان تسمح لحزنها بأن يعبر عن نفسه من أي منفذ, كان من الطبيعي لدى رؤية خالتها ان تطلق العنان لانفعالاتها ودموعها .
وتحملت خالتها بريجيت بطبيعتها العمليه مسؤولية التصريح بما لم تستطع جولي ان تصرح به. انه كان من المستحيل بالنسبة اليها ان تعود لتعيش في منزل ابويها.
ولم تمض ايام قليلة حتى حصلت جولي على وظيفة مسؤولية عن التغذية في مؤسسة خاصة للتمريض. وكان المرتب ضئيلا للغاية ولكنها لم تكن تهتم كثيرا بالنقود,
فقد كانت بحاجه الى العمل لتشتغل تلك الساعات المليئة بالذكريات المؤلمة واصرت خالتها على ان تشغل جولي غرفة النوم الثانية في الشقه ولو لفترة محدودة,
حتى تستطيع الاعتماد على نفسها عاطفيا وماديا. وكان من حسن حظ جولي انها نزلت لدى خالتها التي كانت تطمئن لمأكلها وخروجها الى العمل في التوقيت المناسب
وكانت تتخذ القرارات التي لاتستطيع جولي ان تهتم بها.
وكان الاسبوع الاول نموذجا سارت على منواله الاسابيع التاليه, فكانت جولي تنهض في الصباح وتذهب الى العمل وتعود الى البيت وتتناول طعام العشاء الذي تعده بريجيت
وتعاون في اعمال المطبخ وتقرأ احد الكتب أو تشاهد التليفزيون ثم تذهب الى الفراش .
وعندما حانت اعياد الميلاد بذلت جولي اولى محاولاتها للمشاركة في بهجة العيد لعلها تتخلص من العبء الذي جعل حياتها اشبه بالغيبوبة.
وبذلت جهدا كبيرا لتختار الهداسا الملائمه لكل عضو من افراد الاسلاة. وكان اصعب الهدايا في الاختيار هي هدية ابيها.
فعندما كانت تدخل قسم الرجال في أي محل تتخيل كيف يمكن ان يبدو ستيف في أي من الازياء. وحرصت الخاله بريجيت على ان تشجع فيها الحرص على الاحتفال بالعيد
فأشركها في شراء مستلزمات من الزينه وان بدت هذه تافهة في السنوات السابقة. فقد كانت عادة تقصي العطلات المدرسية في الزرعه.
اما هذه السنه فقد قررت ان تقضيها في الشقة مع بريجيت اذ لم يكن لها سوى يوم عطله واحده من العمل .
وكانت جولي في كثير من الاحيان تبدو مبتهجه تماما ولكنها كانت ايضا تتبادلمع خالتها نظرة معينه تتبعها دائما تنهيدتان صامتتان.
لم تكن لتخدع نفسها او خالتها, فقد كان ستيف لايزال يحتل المكان الوحيد في قلبها. كان هناك حفلة ميلاد صغيرة للمرضى في مؤسسة التمريض, وكان معظمهم من المسنين .
وعندما خطت جولي خارج بيت التمريض وفعت ياقة معطفها حول رقبتها لتحمي نفسها من برد الرياح الشمالية. واحست بصوت يتشقق اسفل حذائها بينما كانت
ذرات الثلج المتناثرة في الهواء تنبئ بمزيد من الثلج قبل ان يحل الصباح . وربتت بيدها على لوحة اجهزة القياس التابلوه في سيارتها الفولكس واغن بحب واعزاز عندما دار المحرك مع اول حركة من المفتاح.
وكانت تحمد الله لقرب مسكنها من العمل في مثل تلك الاجواء السيئة. وبدأت افكارها تشرد عائده من جديد الى لويزيانا والى ستيف كعادتها عندما تتحرر من واجبات العمل
وكم تمنت ان يفعل الزمن فعله فيبطئ تلك الذكريات ولكن لم يفعل. كان يكفيها ان تغمض عينيها لتحس من جديد بذراعي ستيف حولها, وعند ذاك فان نبضها السريع في دقاته وقلبها المتألم في خفقاه يسخران من امانيها السخية في ان تنسى .
واوقفت السيارة امام الشقة الكائنه في الدور الارضي . واصطنعت في حزم ابتسامه على وجهها قبل ان تعدو الى المبنى.
كانت هذه لعبة تعودت ان تلعبها لترفع من روحها المعنوية المنهارة وربما عادت اليها جذوتها الطبيعيه في يوم من الايام, وكان ذلك ما اوحى اليها به تفكيرها.
وصاحت في مرح وهي تغلق باب الشقة خلفها وتقفله بالمفتاح قبل ان تخلع معطفها وتعلقه على المشجب في الصالة :
- انا فقط اعتقد ان الجو سيكون في الخارج عاصفا الليلة .
واخذت تلك ذراعيها بقوة لتؤكد ما قالته وهي تخطو من الردهة الصغيرة الى حجرة المعيشة . كانت خالتها تجلس على كرسيها المفضل بجانب الباب مبائرة وعيناها البنيتان تلمعان في عبث باتجاه جولي :
- هذا هو وقت عودتك تقريبا. هناك زائر ينتظرك .
كانت حجرة المعيشة تمتد على يمين جولي . وتتبعت عيناها المتسائلتان نظرة خالتها التي تحدق في ذلك الاتجاه. وكان ستيف يقف قرب مائدة صغيره يحمل في يده منظرا من مناظر عيد الميلاد حصل عليه اخيرا.
كان يرتدي كنزة لها حواش بيضاء فوق البنطلون البني اللون. ولكن عيني جولي انجذبتا الى عينيه الزرقاوين واسرتا الى اعماقها . وشحب لون وجهها .
لقد كان ستيف اكثر وسامة مما تصورته. وسألته في خشونه وهي لا تدري ان خالتها قد خرجت في هدوء من الحجرة .
- ماذا تفعل هنا ؟
واجاب ستيف في هدوء بصوته المتهدج بعدما خطا خطوة نحوها :
- لقد جئت لأراك.
- اخرج من هان لا اريد ان اراك .
وامتدت يدها الى حلقها لتخنق العبرات الواضحة. وواصل في تصميم قائلا :
- لدى ما اريد ان اقوله لك .
واستدارت في سرعه وهي تقول :
- لا اريد ان اسمع .
وكانت على وشك ان تهرب الى حجرتها لولا ان يديه اوقفتاها واطبقتا على كتفيها . ووجدت نفسها عاجزة عن مقاومة رغبتها في ان تذوب بين ذراعيه.
وتمتم في اذنها :
- سأقول وليكن ما يكن .
كان العطر المنبثق منها يمتزج مع عطره المخدر واضاف :
- واذا اصررت على ان اخرج بعد ان اقولها. فسوف اخرج .
واغلقت جولي عينيها وهي لاتحتمل اقترابه منها :
- ارجوك ياستيف. دعني اذهب. لم يعد للكلام معنى بعد الآن
- حتى ولو قلت انني احبك وجدت نفسها تلتصق بصدره واحست في عناق قاس تناول شعرها وتابع :
- لم يكن في نيتي على الاطلاق ان اقع في حبك بل يعلم الله انني حاولت ان اتجنب هذا الحب بل حاولت ان انساك. ولكن صورتك كانت تطاردني حتى قبل ان تتركي لوزيانا. وكل ما قلته عن عدم الزواج وعدم الايمان بالحب كنت احدث به نفسي لقد كنت رجلا كثير الاحتجاج .
وغمرتها امواج النشوة ولكنها رفضت ان تستسلم لها. لقد جربت مثل ذلك كثيرا في الشهور الاخيرة, وعاشت ذكريات عديده مؤلمة. حتى عندما كان قلبها يحبه كان عقلها يقاوم ذلك بشده . وسألته :
- حتى عندما اخذت كلودين معك الى نيوأورليانز ؟
واحتواها ستيف بذراعيه بحيث يتسنى له ان ينظر الى وجهها وقال :
- كنت اعرف انك اعتقدت انني فعلت ذلك , وربما حرصت انا على ان تعلمي به. لقد طلبتني وطلبت مني ان اخذها معي. ولكني اقسم لك ان كلا منا كان يقيم في فندق مستقل. واما ذلك القميص الملون الذي حدثت عنه فقد اخذته من احد محلات التنظيف يوم بارحنا نيوأورليانز وتركته في السيارة .
- لماذا لم تقل لي ذلك ؟
- كنت على استعداد لسوء التفسير وكنت تريدين ان تجعليني اصدق اني مجرد خيال عابر في حياتك.غرام على ظهر السفينه .
واعترفت جولي في شيء من الحياء :
- لم يكن ابدا كذلك .
والح عليها وقد عادت الضراوه الى عينيه :
- هل انت متأكده ياجولي ؟ متأكده تماما ؟! لأن هذه الأشهر الاخيره التي قضيتها من دونك كانت جحيما بالنسبة لي .
والتفت ذراعاها حول عنقه وجذبت رأسه تجاهها كان شعورها هو شعور من يعود الى وطنه بعد غياب طويل. ولم يعد هناك مكان للكلام.
وجاء صوت الخاله من الخارج يقول :
- هل اترك لكما بضع دقائق ام ادخل على الفور ؟
ورد ستيف :
- ادخلي ان ابنة شقيقك تتصرف في شيء من البهجه. اعتقد انها في حاجه شديده الى رقيبة .
وعلقت الخاله بريجيت في شيء من الرضى والسعاده قائله :
- الافضل ان تقول انها بحاجه الى وصيفة شرف .
وعانق ستيف جولي وهو يقول :
- فكري في هذا الامر ايتها العصفورة الصغيرة .
واضاف :
- سواء قلت لك ذلك ام لا , فسوف نتزوج فور حصولنا على ترخيص وايجاد كاهن يتم اجراءات الزواج. ان كاميرون هول بحاجه الى جولي انطوانيت كاميرون اخرى لتكون سيدة القصر. كم ان سيدة القصر ايضا بحاجه اليها .
وحدقت جولي في حب كبير في وجهه وقالت :
- لقد كان ذلك عرض زواج في وجود شاهد ياسيد كاميرون واما الشاهد نفسه اعلن قبولي .
وابتسمت خالتها وقالت :
- لا اعتقد ان ستيف كان ينوي ان يترك لك فرصة الاختيار. ليس لدي ما اقدمه في هذه المناسبة الا شراب الكاكاو .
وعلقت جولي :
- هل اقدم المساعده ؟
ورفضت خالتها بحزم .
وقال ستيف موجها الكلام الى خالتها وهو يضع ذراعه حول جولي ويجذبها نحوه :
- قبل ان انسى لقد اخبرتني جولي انك المسؤولة عن تمكنها من القيام بالرحله الى لويزيانا. واريد ان اقدم لك الشكر على ذلك من كلينا. واذا لم يكن لدى جولي اعتراض فسوف نسمي ابنتنا الاولى بأسمك .
ولمعت عينا المرأة العجوز بالدموع وقالت :
- هذا فقد اذا كنت سأحضر حفل تعميدها.
وعلقت جولي:
- لنعتبر ان هذا قد تم .
وتركت خالتها الغرفة على عجل وهي تقول :
- حسنا .. من الافضل ان اسرع بتحضير الكاكاو.
وحدق ستيف اليها بشعور دافئ يكاد لا يصدق وقال :
- هل ضايقك هذا ؟
وغطت وجنتها حمرة الخجل وهي تقول :
- لقد كان شيئا رائعا. ومع ذلك يمكن ان يكون لنا اولاد كذلك .
- سنظل نحاول حتى نحصل على ما نريد. وفي هذه اللحظه لا يهمني ان يكون لي طفلان او عشرة اطفال او حتى 20 طفلا. ان كل ما اريده هو انت , اما أي شيء اخر فيكون بمثابة منحه, ولو اني اعتقد ان ولدا واحدا وبنتا واحده شيء عظيم .
قالت لاهثة وهي تحدق في وجهه تخشى الا تراه ثانية :
- اوه ياستيف انني احبك كثيرا .
كانت تلك دعوة لم يستطع ان يقاومها, بل لم تستطع جولي ان تقاوم وهي تقدم نفسها اليه.
وهمس هو الاخر :
- وانا احبك .
منتديات ليلاستمت
أنت تقرأ
سيدة القصر الجنوبي
Romanceسيدة القصر الجنوبي للكاتبة جانيت ديلي الملخص انتقلت جولي من بلدتها في داكوتا الجنوبية حيث اكملت دراستها الجامعية الى لويزيانا بحثا عن جذورها في ما اعتقدت انها منطقة اسلافها القدامى ولدى وصولها ومباشرتها البحث عما جاءت من اجله, تفاجئها , في غابة , في...