10- حريق في البحيرة

859 22 0
                                    

سأل ستيف جولي بعدما عبرا الجسر الصغير فوق الرافد ودفعا الرسوم المقرره:
- بما انك اصلا من الشمال فلا اعتقد انك لاحظت استواء الارض الواضح هنا في جنوب لويزيانا.
- نعم ولا . فقد لا حظت ذلك لكنني اعتقد انك تسأل : هل لفت ذلك انتباهي بشكل غريب ؟
وأومأ ستيف بالايجاب وعندئذ علقت :
- اذا لا .
- التلال غير منتشرة هنا حتى انها تعتبر شيئا نادرا. وفي حديقة الاوديون في نيوأورليانز تجدين التل الوحيد, في العالم على الارجح الذي صنعه الانسان ويسمى تل القرود فلقد تكدست النفايات الى ارتفاع وصل الى حوالي 40 قدما في الثلاثينات واصبح بأمكان الاطفال في لويزيانا ان يشاهدوا منظرا مثل التل .
وضحكت جولي وقالت :
- لا انها الحقيقة, وهذا هو السبب في ان جزيرة افري اصبحت من الغرائب منذ زمن بعيد. واعلى نقطة فيها تصل الى حوالي 170 قدما فوق سطح المياه التي تحيط بها, وهذا ما يجعلها تتمتع بمركز فريد وان لم يكن قد اكسبها قيمة .
- ما الذي جعلها كذلك ؟
- الملح وهو اكتشف لأول مرة في ينبوع في احد الوديان الضيقة الشديدة الانحدار, يتحول بالغليان الى اشكال بلورية. ورغم ذلك فقد كان استيراد الملح في اوربا في القرن 19 اقل كلفة. وعندما قامت الحرب 1812 وحاصرت انكلترا الولايات المتحده كان من الضروري الحصول على الملح بكميات كبيرة بطرق اوليه للغاية عن طريق الغليان والتبخر . وقد اقتضت الحرب الاهلية والحصار التحادي فيما بعد ان يعتمد الجنوب على مصادره الخاصة للحصول على الملح. وعندما حاولوا تعميق الينبوع المالح اكتشفوا كمية كبيرة من الملح الصخري مترسبة مسافة اميال والى اعماق لم يكن التكهن بها ممكنا . واصبحت هذه مناجم الملح منذ ذلك العهد. وسنقوم بجوله في منجم الملح اولا .
وتجاهل ستيف اللافته التي تشير الى الحدائق الكائنه في الغابة وتابع :
- والملح لا يكتمل دون الفلفل. وجزيرة افري هي منبع صلصلة خاصة تصنع في الجزيرة كلها.
واكتشفت جولي ان المنجم مثير وباعث للاهتمام. كانت السقوف مرتفعه 60 قدما وكأنها تستند الى اعمده بلورية.
ولم تنس جولي ان السطح كان على مسافة تصل الى ما يقارب من 500 قدم. وبدا شعور بالخوف من الاماكن المغلقة يراودها عندما استأنفا العوده الى السطح.
ثوسألها ستيف وهي تستنشق انفاسها بعدما خرجا :
- هل انت في حال افضل ؟
ونظرت اليه في دهشة وتنشقت الهواء وقالت :
- وكيف عرفت ؟
وابتسم وقال :
- بدا عليك الشحوب قليلا. سوف اتذكر في المرة المقبلة ان الاماكن التي تقع تحت سطح الارض لا تنسبك .
كانت جولي قد احست بسحر الكلمات ولم تعد قادره على تثبيت قدميها وشعرت انها تسبح وهي تعود الى السيارة مع ستيف.
وكانا على مسافة قريبة من المنحنئ المودي الى حدائق الغابة ومدينة الطيور . واشار ستيف الى قصر كائن على الطريق المقابل لبوابة الدخول وقال :
- ذلك هو تل ماي وارد انه صرت الحديقة وكان يخص المتوفى ادوارد افري الذي ينسب اليه انشاء حدائق الغابة ومدينة الطيور. هل انت مستعده للمشي ؟.
ونظر اليها في ابتسامه تدفعها الى الاستسلام وعلقت عندما توقف بالسيارة في احد الاركان:
- ولكن الطريق لا ينتهي هنا .
- نعم ولكن لكي نجد الفرصة للاستمتاع الحقيقي بجمال المكان, ينبقي ان نسير على الاقدام, فضلا عن ان هذه هي الوسيلة الوحيده للوصول الى مدينة الطيور .
وتبعته وهي تقول :
- المشي متعتي .
- حسنا. ومع ذلك فلن نستطيع ان نقطع الحدائق بأكملها. فالمساحه تزيد على 250 فدان .
وقادها الممر الذي سلكاه الى احواض نمو الخيزران المستورد, تنتهي برصيف وبرج للمشاهده يمتد عبر بركة تسبح فيها الطيور المائية باعداد متفاوته.
كان المكان ينعم بهدوء جميل جعل جولي تفضل البقاء فيه. ولكن ستيف اقنعها بأن امامها الكثير من المناظر التي تستحق المشاهده. وشقا طريقهما من جديد بالسيارة .
كان الطريق ينحني ويستدير في تلك المنطقه وبدت اشجار الماجنوليا جميلة الاوراق والزهر, كذلك اشجار البلوط الضخمة على الجانبين تليها احواض الخيزران العالية او الخفيضة وبعض الاشجار المزهرة.
وتوقفا ثم سارا خلال الارض المنخفضة وبين زهور الكاميليا البيضاء والحمراء وشاهدا الشلالات الصناعية.
وعادا الى السيارة ليستأنفا جولتهما بمحاذاة رافد الانسو الصغير للانتظار, ووجدا لافته جذبت انتباههما الى شجرة كليفلاند الشهيرة التي كانت تستخدم منذ سنوات كنقطه يتم منها منح المنطقة الاصلية. ولم يحتج الامر هذه المرة ان يطلب ستيف من جولي السير على الممر المؤدي الى الشجرة فخرجت من السيارة في حماسة لتطل عن كثب على ذلك القسم من الحدائق .
ووقفا تحت الشجرة العملاقة يأملان فعل الطبيعة واثر الزمن في الاغصان المتكسرة والشقوق الغابرة في جذعها الاخضر. ومع ذلك بدت الشجرة قوية تستطيع ان تصمد مئات السنين وعليها مجموعات من الطحالب الاسبانية تبدو وكأنها لحية رجل متقدم في العمر .
ولكن الممر لم ينته عند الشجرة بل كان يمتد فيما يشبه غابة كثيفة.
وسألت جولي في استغراب :
- اين يتجه الممر بعد ذلك .
- سوف نستكشف .
واشار اليها بأن تسبقه قائلا :
- انتبهي فالممر لا يستخدم كثيرا وقد يكون لزجا .
كانت العروض الخرسانية مغطاة بالطحالب في بعض الاجزاء وكانت قد تكسرت قطعا صغيرة في اجزاء اخرى. وساعدتها يد ستيف التي كانت تسند مرفقها على اجتياز الطريق رغم ان ملمسه كان يثير فيها بعض الاضطراب ..
وبدا على احد حافتي الممر مستنقع مائي يشبه مجرى صغير بينما ارتفع قصب الخيزران على الحافة الاخرى. وعند ثنية منحنى في الممر ظهرت بجعتان بيضاوان تسبحان في بطء على الماء. واحسا بوقع الخطى فبدأتا تتحركان في مشهد رائع واحدثتا بعض التموجات الطفيفة على سطح الماء الرائق كالمرأة .
كانت جولي قد سحرت بمظر الطائرين البديعين حتى انها لم تنتبه الى الارض غير المستوية امامها واصطدمت قدمها بقطعه من الخرسانه
كادت تسقط معها الى الامام ولكن ذراع ستيف حمتها من السقوط, واحمرت وجنتاها من الاضطراب وتلعثمت وهي تشكره .
وحاولت ان تتخلص من ذراعه المحيطه بخصرها والتي كانت تشدها لتلتصق به , ولكنه رفض ان يرخي قبضته وهمس برقة في اذنها قائلا :
- لم يكن من السهل ان نتجنب ذلك. كان من اللازم ان ينتهي بك الامر بين ذراعي بطريقة او بأخرى .
وقبل ان تتمكن جولي من ان تستدير لمواجهته كان بينهما عناق مسيطر .
وجاءت قهقه من الاطفال على مسافة قصيرة لتهدئ من هذا الوضع قبل ان يتطور ما بينهما الى مرحلة اخرى .
ورغم ذلك لم يسمح لها بأن تبتعد عنه بل احتفظ بها بين ذراعيه ورأسها يستند الى صدره حتى هدأت دقات قلبها واستقرت انفاسها بعض الشيء.
وايقنت جولي التي كانت تتطلع الى مزيد من العناق انه لولا اصوات الاخرين لربما قادها العناق الى نقطه لا تؤتمن. كان عمق حبها له يمنحها السيطره عليها .
وتحركت يد ستيف نحوها وترك اصابعه تعبث في شعرها وتحرك ابهامه ليرفع ذقنها الى اعلى .
ولم تحاول جولي ان تجفي اشعاعات الحب من عينيها اذ ما جدوى ان تخفي عنه ماكان قد ادركه تماما, وتمتم في صوت اجش :
- لقد بدأ وهجك يلفحني كيف نجحت في اخفاء هذا الجانب العاطفي من طبيعتك؟ كان اولى بأحد الفرسان ان يقطفك للزواج منذ زمن بعيد .
وهمست جولي وهي تحس بأنها تغرق في نظراته قائلة :
- ينبغي للمرأة ان تبدي موافقتها على الزواج .
وتنشقت نفسا عميقا بينما كان ستيف يحاول ان يقرأ مابين الكلمات التي نطقت بها. واحكم ذراعيه حولها. وتوقفت جولي فجأة حتى ان ستيف كان يصطدم بها .
كانت يداه تستندان الى اسفل ظهرها بخفة. وحدق اليها في تجهم قائلا :
- هلا كففت عن النظر الي بعينيك البنيتين ؟
كانت جولي تستطيع ان تتبين ان رقة صوته مفتعله . وتابع هو :
- لا اعتقد ان هذا هو المكان الذي نستطيع فيه ان نحقق مشهدا عاطفيا متقدا بينما بوذا يطل علينا .
ونظرت جولي عبر كتفيها وعلى تل صغير في معبد زجاجي معلق كان هناك تمثال ضخم من الذهب لبوذا يحيط به تلاله السبع
يحدق في بركة صغيرة تعكس صورته على الماء في شمس المساء المتأخر. وبدفعه رقيقة من ستيف واصلت السير على الممر الذي ادى بهما الى قاعه المعبد .
كانت الحديقه الصينيه موضع اهتمام الزوار يتوقفون للاستماع بمنظرها الجميل.
ولم يعد هناك مجال ليتمتع ستيف وجولي بخلوة التي كانا منفردين بها وهما يتجولان في اقسام اخرى من الحديقة.
وبعدما تسلقا الدرج المؤدي الى المعبد استطاعا ان يلقيا نظرة اقرب على بوذا الذي كان منذ اكثر من 8 قرون مضت يجلس في معبد شونقا بالقرب من بايينغ في الصين.
وقفلا راجعين الى السيارة وسلكا الطريق العام الضيق الآهل بالمارة بدلا من الذي كان يتيح لهما الاستمتاع بالخلوة بينهما .
واتجها بالسيارة الى بوابة الخروج مارين تحت ظلال كروم الفستيريا ذات الزهر العنقودي الازرق والابيض وتحت زهور الكاميليا, بعدما اجتازا المنعطف الواقع عند تل ماء وارد.
كانت الشمس تميل الى المغيب بأشعة ذهبية برتقالية حجبت مؤقتا اطياف الغروب القرمزية . وتنهدت جولي في عمق وهما يجتازان البوابات الحجرية التي كانت تعلن نهاية اليوم الذي قضته جولي مع ستيف وحان الوقت ليصطحبها الى البيت الذي تقيم فيه.
اما هي فكانت تتمنى ان يطول اليوم الى الابد .
وسألها في لهجة امرة :
- هل تتناولين العشاء معي ؟
واجابت في حماسه :
- اتمنى ذلك .
وتوقفت بعض الوقت لتضيف شيء من التردد :
- ولكنني لست بالزي الذي يسمح لي بذلك .
وضحك وهو ينظر الى قميص البولو الذي تلبسه والى البنطلون المخطط بالابيض والاسود وقال :
- ولا انا ولكن المطاعم هنا لاتصر على الرسميات .
ومد يده الطليقة عبر المقعد لتمسك بيديها وقال :
- اين تتناولين العشاء ؟
- لا اعرف شيئا عن المطاعم هنا .
- هل تفضلين الاسماك ؟
- لم اكلها منذ زمن طويل, وان كنت قد تناولت بعض القريدس وجراد البحر عندما كنت مع اسرتي .
- هذا يحسم الموضوع. اذن ستكون وجبتنا بحرية .
كان منظر المطعم يصلح ماده لصورة جميلة. وكان يلاصق رافدا مائيا ويقوم على ركائز ترفعه حوالي 3 اقدام فوق الارض .
اما الطريق المؤدي اليه فكان اشبه برصيف بحري تنتشر عليه شباك الصيد وفوانيس الاضاءه المستخدمة في البحر تتدلى على واجهة المبنى التي فعل فيها الطقس فعله .
اما في الداخل فقد بدت مناظر السفن الشراعيه في البحار الهائجة. ومناظر المرافئ الهادئة تزين الجدران جنبا الى جنب مع بقايا تذكارية من سمك السيوف وغيره من عينات اخرى .
اما الجدران فقد غطت برقائق خشبية بأعمدته الخشبية بعض النجف لينسجم مع المنظر العام.
كان كل شيء يعبر عن البساطه في حياة البحر .
واستأذن ستيف بعدما جلسا الى المائدة مباشرة ليجري اتصالا هاتفيا وراحت جولي تتفحص الطعام بعناية .
ولم يذكر ستيف شيئا عمن اتصل بهم ولم ترغب جولي ان تتدخل فيما لايعنيها وان عبرت ملامح وجهها عن التساؤل دون ان تنطق به وابتسم ستيف وقال :
- لقد اتصلت بعائلة لوبلان حتى لا تنتظرك على العشاء .
- كان ينبغي ان افكر في ذلك خاصة انني لم اترك أي اشارة عن وجهتي اليوم .
وحول ستيف الحديث بمهارة عندما وجد الفتاة التي تقدم الطعام آتية نحوهما فقال:
- ما الذي استقر عليه رأيك من قائمة الطعام ؟
- لا استطيع ان اتخذ قرارا ما اذا كنت اطلب شيئا اعرفه او اجرب اشياء قد لا تعجبني . من الافضل ان اختار منتصف الطريق قريدس مسلوق مثلا ؟
- جربي طبق طعام البحر ففيه قليل من كل شيء اذا كان لديك استعداد للتجريب .
ووافقت جولي وسرعان مابدأت تشك في قرارها عندما قدم اليها فيما بعد طبق مكدس لم تر فيه شيئا تعرفه سوى القريدس المقلي.
وبرز احد الاصناف على الطبق على شكل جسم مستدير تخرج منه ارجل في سائر الاتجاهات حسبته نوعا من العناكب مما اثار احساسها بالغثيان.
وكان ستيف طلب لنفسه الطبق ذاته وادرك على الفور ما اصابها من الاضطراب. واشار الى 3قطع ذات لون بني غامق على طبقها وقال :
- هذا محار مقلي .
واشار الى قطعتين مستديرتين قائلا :
- وهذا قريدس محشو اما الاخر فهو كابوريا محشوة وهنا تجدين القريدس المسلوق وستجدين كذلك المقلي منه .
وبدأت جولي وجبتها بالاصناف التي اعتادتها القريدس المقلي وانتقلت الى المحار ولم يكن له المذاق الذي لنظيره من يخنة المحار.
وكان القريدس المحشو والبكتريا مذا لذيذ. اما المسلوق فكان متبلا تتبيلا جيدا. وبقي الشي الوحيد الي لم تأكله هو الكابوريا ذات الصدقه الهشة.
واخذت بالشوكه قطعه من لحمها الطري ورفعته في تردد الى فمها . وبعد دقيقه نسيت فيها تماما أي لحم هو . وجدته لذيذ المذاق وكانت القضمة الثانية افضل من الاولى وشعرت بالزهو تماما الى ان تحدث ستيف قائلا :
- بالنسبة الى الكابوريا ذات الصدفة الهشة يأكل الانسان منها كل شيء.
ونظرت اليه في شك وقالت :
- انك تمزح .
- لا امزح بل تأكلين كل شيء
ولكي يبرهن صحة كلامه نزع واحده من الارجل الكبيرة للكابوريا من طبقه ودفعها الى فمه. وكادت عيناها تخرجان من مكانهما وهي ترقبه يمضقها بأسنانه ويبتلعها.
وانطلقت من فمها قهقة قصيرة عندما ادركت انها لم تكن خدعه وان رجل الكابوريا لن تعود للظهور مرة اخرى .
وقال يؤكد لها :
- انها لذيذة المذاق حقا جربي واحده .
ولم تدع رغبتها في تجريب الطعامتخذلها هذه المرة وخاصة ان ستيف كان ينتظر .. واستجمعت شجاعتها ونزعت احدى الارجل الصغيرة ورفعتها في خوف الى فمها ولم تسمح لنفسها بالتردد وبدأت تقضمها .
وكانت مثل كل شيء لذيذة هي الاخرى .
وابتسم ستيف وقال :
- الواقع ان الارجل الاكبر والاذرع الامامية اطيب مذاقا .
وعندما جاءت الفتاة تقدم الحلوى, لم يكن في طبق جولي شيء كثير من البقايا. وكان ستيف قد احسن الاختيار بأن طلب خليط فواكه طازجه .
ولم تكن جولي تظن ان بوسعها ان تتناول شيئا اكثر من ذلك ولكن الخليط كان مفاجأة اخرى, فلم يكن مذاق أي من انواع الفاكهة ينسجم مع مذاق نوع اخر.
كانت هناك كرات من البطيخ لا تنسجم مع مذاق نوع كور من العسل. ولم يكن طعم الاناناس يتمشى مع طعم الكريب فروت.
اما الفراولة فكان لها طعمها الخاص بها. واخيرا استرخت في كرسيها وقد شعرت بالامتلاء وتنهدت وقالت وهي ترى ستيف يشعل سيجارة :
- كان كل شيء لذيذا .
- يسرني ان الطعام اعجبك انه لشيء جميل ان يأكل الرجل مع امرأة لا تمتعض خلال الطعام .
- لن تحتاجي الى اقناعي بأن اكل كثيرا . فقد نشأت في مزرعه وبالمناسبة فلقد بدا انك تعرف جميع انواع النباتات هنا .
وعندما احست بشيء من التردد شجعها ستيف قائلا :
- نعم وماذا في ذلك ؟
- لقد امضيت وقتا طويلا في البحر وكنت افكر الآن كيف تسنى لك ان تجمع كل هذه الخبرة عن النباتات وعن المحاصيل مثل السكر وغيره, مما رأيته في مستعمرتك؟
وابتسم قائلا :
- لم يمض علي وقت طويل في البحر حتى اكتشفت القارءة. وربما كان ذلك بسبب الوقت الطويل الذي يجده الانسان عندما لا يستطيع ان يرى أي اثر للأرض. ولقد اصبحت هاويا للزراعه وللبستنه والجيلوجيا. بل اصبح كل شيء يرتبط بالارض يستهويني. ولذلك فعندما قررت ان اشتري المستعمره لم يزد الامر بالنسبة الي عن توظيف ماتعلمته بنفسي مع شيء من التفكير بالاضافه الى بعض المحاولة والخطأ. حتى وصلت الى ما انا عليه .
- اليست الفلاحه عملا صعبا ؟
وضحك وقال:
- ولكن الا تثقين في قدرتي على الاعمال الصعبة ؟!
وابتسمت بطريقه خبيثه وقالت :
- لقد تذكرت اول مره تقابلنا فيها واخبرتني انك ممن يتحمسون بشكل كبير لفلسفة اللامبالاة التي يعتنقها الكاجون.
- ان لها مزايا, فبعض الناس يأخذون الحياة بطريقة جدية اكثر مما ينبغي. والتوصل الى المتوسط في الامور يكون صعبا في بعض الاحيان انني اعجب بحماستهم وتقبلهم للأمور التي لا يستطيعون تغيرها .
- لقد نسيت خيالهم, وقد قصصت علي حكاية جراد البحر .
واومأ ستيف موافقا وقال :
- ان لهم قصصا خيالية اخرى كثيرة لا تقل شاعرية وعلى سبيل المثال هناك قصة عن ماري انطوانيت بعدما قتلت على المفصلة, كان ابنها الدوفين وريثها على العرش قد تم تهريبه الى خارج فرنسا بواسطة انصار الملكية من سكان لويزيانا واستقر بهم في النهاية في الولايات المتحده واصبح مواطنيها الذائعي الصيت .
وخمنت قائلة :
- جان لافيت على ما اظن ؟
- لا وانما جون جيمس أوديون. رسام الطيور المشهور .
ولهثت جولي قائلة :
- الم يكن ذلك ابنا بالتبني ؟
يذكر التاريخ انه ولد من زوج غير شرعي رغم ان اباه قد تبناه قانونا ولكن الاكاديون يقولون انها قصه مختلفة لحماية الدوفين من انتقام الثوار .
ونفض ستيف الغبار عن سيكارته وتابع :
- انهم يقنعونك بأن السجلات التي تقر بوجود اوديون قبل اختفاء الدوفين هي مزورة كليا لإخفاء شخصيته الحقيقية حتى لا تعرف .
كانت اصابعها تتجول حول فنجان القهوة وقالت :
- انه من نوع الاثارة لو كانت قصه حقيقية .
وعندما ساد الصمت المائده وعاودت جولي التحديق في فنجانها سألها :
- فيم تفكرين الآن ؟
كان هناك شيء من الخبث في الابتسامة التي ارتسمت على فمها وقالت :
- كان هذا اليوم شيئا اكثر احب ان اعيشه دائما .
- ورفيقك في هذا اليوم هل كان هو الاخر شيئا اكثر كذلك ؟
كانت سحابه من دخان السيجاره غطت ملامحه بحيث لم يكن في وسعها ان ترى وجهه بوضوح . وقالت بهدف اغاظته:
- ذلك البربري ! في امكانه ان تطلق عليه ذلك .
وابتسم ابتسامه عريضه وسحق سيكارته في المنفضه قبل ان تحمل نظرته لهيب شوقه اليها عبر المائده التي تفصل بينهما وقال :
- من حسن حظك اننا في مطعم عام وان هناك مائده تفصل بيننا .
وتقوس فمه داعما التهديد الساخر الذي كان ينطق به . واسرعت دقات قلبها وهي تتخيل ستيف يمطرها بالعناق ومد يده لتحكم القبض على اصابعها التي كانت تعبث بفنجان القهوة الفارغ.
واحست من خلال قبضته الرقيقة التي كانت تجمع بين الخشونة والعناق في آن واحد بتيار كهربائي عال ينطق خلالها مشعلا طاقه مختزنه في داخلها وهو يقول :
- هل قلت لك اليوم كم تبدين جميلة ؟!
وعلقت وهي تضحك:
- بما فيّ من نمش وسواه ؟
كانت مقتنعه بأنها جذابه الى درجه عاليه لا تستحق ذلك الاطراء الكبير .
- لقد رأيت العديد من النساء الجميلات ممن لهن نمش ولا استطيع ان اعفيك من الاطراء الذي اوجهه اليك بصدق كامل, انني احسد الشمس التي طبعت على وجهك تلك القبلات العديده وجعلتك دائما تشرقين في هذا القدر من الاشعاع .
- وهل في وسع أي فتاه ان تعرض نفسها للشمس لتحظي بمثل هذا الاطراء؟!
وهزت رأسها لتتحرر من سحره الذي كان يسيطر على كل حركة وسكنه منها وسحب يده برفق وهو يقول :
- اراك تجدين ان تغير الموضوع هو انسب رد .
واشار الى فتاة المطعم لتحضر قائمة الحساب وسألته :
- ماذا تعني ؟
- اعني ان عليّ دائكا ان اطفئ النيران التي تشعلينها وكأنك لاتحسين ما بي !
وكانت نظرته تشعل النار فيها. وتتركها وهي تعرف تماما ماكان يعنيه .

سيدة القصر الجنوبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن