12 - كان العذاب

865 20 0
                                    

" أين كنت ؟ "
كانت جولي قد أسرعت الى داخل المنزل و صعدت الى قرب منتصف الدرج عندما فاجأها سؤال كلودين وجعلها تتوقف فجأة
. كان كل ما يريده أن تلوذ بحجرتها لتذرف الدموع التي تحرق مقلتيها .
وأجابت
: " في مهمة .. ماذا كان امرا يعنيك ! "
وسخرت كلودين قائلة
: "لابد أنها كانت مهمة مناسبة مكنتك من جعل ستيف يعيدك الى هنا "
كانت جولي على وشك ان تكمل صعود الدرج ، ولكن الفتاة ذات الشعر الأسود في لون الغراب ، واصلت وعينناها تلمعان مثل الفحم المتقد
: " من المؤسف أنك لم توجهي اليه الدعوة للدخول . كان يودي أن تحدث اليه في أمر ما . ولكن يبدو أن ذلك سوف يتاجل الى الغد "
" سيكون عليك الانتظار مدة اطول "
أجابت جولي بطريقة تشبه الطريقة التي بها كلودين ، رغم أنها لم تكن قادرة على مواجهة عينى المرأة الأكبر سنا وواصلت
: " إن ستيف ذاهب إذا الى نيوأورليايز وسيمكث هناك حوالي يومين "
وانطلقت جولي تصعد الدرج بينما واصلت كلودين تقول
: " يالحسن الحظ ! "
كانت رقة العبارة الى اطلقتها أكثر إغاظة من ألفاظ السخرية التي تحديث بها فيما سبق
كانت الفولكس واغن الحمراء تقف في مكانها السابق خلف المنزل في الصباح التالي عندما هضت جولي من الفراش وكانت قد نامت نوما متقطعا وبدا ذلك في النظرة المقطبة على وجهها وفي الدوائر السوداء تحت عينيها
فكم حاولت أن تجعل نفسها تدرك كيف تصرفت بطريقة غير منطقية ، ولكن لم يكن في قلبها مكان للمنطق
. كان هناك ستيف فقط وحاولت أن تلوم نفسها لأنها عرفته مدة لا تقل عن أسوعين ولكن كم من عاشقين وقعا في الحب ساعات قليلة ، ولم يكن حبهما أقل قوة أو اقل دواما .
وتساءلت عما يشدها اليه
: هل الجاذبيه الجسدية أم الافتتان أم الاعجاب برجل أكبر سنا وأكثر خبرة ؟ لعل كل صفة من هذه جميعا ، تماما كما عرفت من قبل انها لم تحب جون بالطريقة التي ينبغي ان تحب بها المرأة زوجها .
لو انها فقط فهمت ستيف
! كانت تحس بيه و هو مشدود ا اليها وهو يعانقها ، بل لعلها أحست بشي اكبر من ذلك ، ربما كان يحبها بالفعل ، ولكنه زئبقية يعلن أنه لا يؤمن بالحب و انه لن يتزوج ابدا . هل كان يخشى الحب ؟ لو يكن تصدق أن ستيف يمكن ان يخشى شيئا وعلى الاخص ما لايؤدي مثل الحب .
لايؤدي تلك أضحوكة
. لتنظر ماذا يفعل بها . لقد تلتوى الى عقد تحتاج الى بحار خبير ليحلها . كان ستيف بحارا ! هل خطر لها هذا التشابه لأن ستيف كان سبب عذابها .
وبدا الموقف كله يائسا في نظرها
وطال اليوم في غيبة ستيف الذي كان في نيوأورلياتز
. وأحست بفراغ يكاد لا يصدق . وحتي لو كان هنا فلم يكن ذلك ليغير شيئا من الاحباط الذي تحس به . وتذكرت جولي المأساة التي كانت تعيشها قبل ان تحضر الى لويزيانا . وبدت تلك المشكلة صغيرة الان امام حبها الأزلي لستيف .
كانت جولي تعرف انها لا يمكن أن تبقي حبيسة المنزل طول النهار ، وقد أبدت السيدة لوبلان اهتماما بألكابة البادية على وجهها وهي تتناول طعام لافطار
ولم تكن تحس برغبة جادة في زيارة أي بقعة من المناطق السياحية ، وتركز اهتمامها في شيئ واحد أردات ان تنجزه وهو أن تلتقط مجموعة من الصور لكاميرون هول حتي اذا عادت الى داكوتا الجنوبية استطاعت ان تعرض على الأسرة صورا عن بيت أسلافهم .
ولكن ان تعود الى مسقط راسها ولاترى ستيف ثانية جعلها تهوى الى أعماق من الأسى مرة أخرى
و أخذت تتجول في الأراضي المستعمرة وكلب الرعي الألماني اليقظ دائما يسير في أعماقها . ولكن ذلك لم ينجح في رفع معنوياتها . كان ذلك رمزا للنهاية وهي تلتقط الصور كما لو كانت سترحل في اليوم التالي بينما كان لايزال امامها أسبوع من أجارتها لم يبدأ بعد .
وكانت تعرف كذلك أنها لن تستطيع ان تنظر الى الصور دون أن تفكر في مالك المستعمرة الحالي ، ودون أن تتخيل منظره ووراءه زهور الأراليا الحمراء في لون اللهيب والاعمدة الضخمة المستديرة .
وعادت جولي الى بيت آل لوبلان في وقت متقدم بعد ظهيرة ذلك اليوم .
وكان وصولها في الوقت الذي رجعت فيه ميشيل وغي . ورغم انها كانت تحس بالحاجة الى الاسترخاء في حنجرتها فقد احست أنه لا يليق ترك ميشيل وغي حدهما وجهت اليها دعوة ودية للمشاركة ي احتساء شراب مثلج . ولسوء الحظ اضطرت ميشيل الى الانسحاب لتجيب على مكالمة هاتفية وبقيت جولي وغي وحدهما . رغم حرصها لى تجنب ذلك .
و نظرت اليها غي في ابتسامة قصد بها اللهو من جهة و التمويه عليها من جهة أخرى : قال : " لا تبتشي يا جولي ! "
وسألته في عنف : " ماذا تعني ؟ "
" أرى وجهك يكتسى باكتئاب مستمر وكأنك لم تسمعي من قبل تحذيرا بأن هذا قد يحدث ! "
" لا أستطيع أن أفهم ما تعنيه . ما الذي يمكن أن يحدث ؟ "
ونهضت على قدميها في تأهب للدفاع عن النفس . و اتجهت لتطل من النافذة ولم يكن ترى العصفور الأحمر لمغرد يرفرف بجناحيه حول شجرة المجنوليا .
" كلودين وستيف الطبع ! "
وقالت بلا شعور : " ستيف في نيوأورليانز .. أليس كذلك ؟ "
وهز رأسه في حيرة وقال : " إنك حقا لا تعرفين ... هل تعرفين ؟ "
وأحست بهاجس غريب يتسلل الى صدرها وسألت : " أعرف ماذا ؟ ؟ "
" لقد ذهبت كلودين مع ستيف الى نيوأورليانز "
" لا ! "
وشهقت نفسا واخذت تهز رأسها في شك وهي تقول : " لا . هذا غير صحيح "
وحاصر حلقها بكاء هستيري كتمته جولي بيد منقبضة وضعها على فمها لقد فهمت الآن الاسباب التي وراء ما قاله ستيف الليلة السابقة . كان يحاولبلباقة أن يخبرها أنه لا يجعلها تدرك أن مشاعره ليست بالدرجة ذاته . بل لقد ألمح الى أنه قد يستخدم كلودين لينسى جولي و كأنه يهيؤها للخبر الذي ألقى به غي الآن . كان غي قد اقتراب خلفها ووضع يديه برقة على كتفيها وهو يقول : " إنك وقعت في حبه حقا ....أليس كذلك ؟ "
لم يكن جولي تثق في مقدرتها على الكلام دون أن تتهدج صوتها بالبكاء ، واكتفت بان أومات بالموافقة وواصل يقول : " أنت أيتها المجنونة الصغيرة "
وراح يهزها قبل أن يحتويها بين ذراعيه وتابع : " لقد أخبرتك أن كلودين سوف تنتصر "
وأجابت جولي بصوت مرتجف بعدما رفعت اليه عينيها الملليئتين بالدموع : " إنها لم ينتصر ! الأ تفهم ؟ إن ستيف يهتم بأي منا . حاول أن تقول لي ذلك الليلة الماضية "
" هل رأيته الليلة الماضية "
" نعم رأيتة فترة وجيزة ."
لم تكن جولي لتخبر غي أن ستيف حاول أن يغتصبها . وواصلت : " ماذا أفعل يا غي ؟ لا أستطيع أن اواجهه مرة أخرى . لا استطيع "
وعلق غي وهو يضغط على اسنانه : " لم يكن من حقه أن يلهو بك "
" لم يعد ناك وقت لتفكير في ذلك الآن . فضلا عن انها ليست غلطة ستيف . إنني وثقت به "
وأضافت في زاوية بعدما زال أثر الصدمة الأولي : " أعتقد ان الوقت حان لكي أعود "
" الى داكوتا الجنوبية ؟ "
" نعم ، لقد اتنهيت من المشكلة هناك لأقع في مشكلة أخرى هنا "
ومسحت الدموع عن عينيها و رفعت كتفيها وتابعت تقول : " لقد كان التغير هو العلاج انذاك ، واعتقد أنه العلاج القعال الان "
" ولكن مازال أمامك أسبوع آخر وفقا للبرنامج ولقد أخبرت أمي بذلك "
" أعرف خطتي . ولكن اعتقد من الأفضل ان اعدل هذه الخطة الآن "
وفي المساء على مائدة العشاء . أعلنت جولي لأسرة لوبلان عن اعتزامها الرحيل . و انتحلت عذرا لذلك انها تلقت خطابا من والديها ينبئانها عن مرض احدى قريباتها رغم أن لذلك لم يكن صحيحا مما جعلها تتخذ قرارها المفاجئ ورأت انها اذا حزمت أمتعتها الليلة وحملتها الى السيارة في الصباح فسوف يكون بامكانها أن تتخذ طريقها طريق العودة قبل رجوع ستيف وكلودين من نيوأورليانز . ولم تكن جولي وضعت في تقديرها حسابا للأعتراضات التي أثارها أميل لوبلان الذي صمم على انها تبغي ألا تبدا الرحلة الطويلة دون أن يتم فحص سيارتها في أحد الكاراجات المحلية . وحاولت يائسة أن تقنعه بانها سبق ان فعلت ذلك بعناية قبل رحلة القدوم من داكوتا الجنوبية ، و انه لا داعي اطلاقا لتكراره ثانية . ولكنه كان صلبا عنيدا وصمم على ان جولي التي أصبحت مثابة عضو في اسرته خلال إقامتها القصيرة ، ينبغي ألا تقوم بتلك الرحلة الطويلة في ظل احتمال حدوث أي خلل آلي في سيارتها . وعززت السيدة لوبلان كلامه بأن الغذ يوم السبت وان عطلة الأسبوع ليست الوقت الملائم للقيادة ثانية ، ولكنها رفضت الانتظار حتى يوم الاثنين . وقررت أن تبدأ تبدأ رحلة العوده يوم الأحد بغض النظر عن ازدحام المرور .
وعندما حان عصر السبت كانت جولي قد اتمت حزم أمتعتها وكانت على استعداد لوضعها في السيارة . وأوصلها غي بسيارته لى كاراج المحلي لتأخذ الفولكس واغن التي لم تحتج إلا لبعض الاصلاحات البسيطة . وحدقت جولي نحو الشاب الصغير الذي اصبح سندا لها في صمت وهي تدفع فاتورة اصلاح السيارة سألته في صوت هاديء : " متى تظن أنهما ستعودان ؟ "
ولم تكن بحاجة الى أن توضح له أن من تقصدهما هما كلودين وستيف وأجاب : " أظن أنه لا يفضل القيادة في الظلام بسبب الضباب، و أعتقد أنهما قد يصلان في أي وقت من الآن حتى الغروب "
وعندما عاد غي وجولي الى بيت لوبلان علما ان ستيف حضر منذ قليل لإيصال كلودين وقفل راجعا . و أحست الأتيارح لأنها لم تضطر الى مقابلته بالصدفة . وشعرت بتعاطف الاقدار معها لأنها كانت في الكاراج تتسلم سيارتها عندما خضر ، وبذلك وفر عليها مزيدا من الارتباك . حتى كلودين لم تكن موجودة . اذ كانت دخلت الحمام بعد رحلة في الجو الرطب الحار من نيوأورليانز . وأحست جولي بالسعادة لأنها لن تضطر الى مواجهة الابتسامة المصطنعة من الفتاة الاكبر .
كانت جولي وغي في الخارج يرتبان الامتعة في الفولكس اغن الصغيرة عندما جاءت ميشيل الى الباب الخلفي و أخبرت جولي أنها مطلوية على الهاتف . وسألت جولي وهي تنظر في توجس الى غي : " من المتكلم ؟ "
واجابت ميشيل : " لم اساله ، ولكنني اظن أنه ستيف
وتحدث اليها غي قائلا : " هل تريدين أن تقولي له أنك مشغولة ولا تستطيعين الحضور للرد على الهاتف ؟ "
واستخدمت جولي الفرشاة في تمشيط شعرها وتنشقت نفسا عميقا وقالت " لا..... لن يحاول زن يثيني عن رأيي "
كان صوت كلماتها يدل على شجاعة كبيرة ، ولكنها كانت تحس برغبة في الهرب وهي تمسك السماعة الموضوعة على المنضدة في الصالة . وحدثت نفسها : تشجعي !
ثم قالت في السماعة : " نعم ؟ "
وكان في صوتها شيء من البرود وكأنه صوت من يتحدث حول العمل ، ولكن ركبتيها كانتا ترتعدان كأنهما خليط هلامي .
" آلو ستيف يتكلم . لم يكن سيارتك هناك سيارتك عندما احضرت كلودين "
وتعجبت جولي من طريقته اذ كيف يجرؤ على أن يتحدث بلا مبالاة . وأجابته بما لا يدل على شيء : " لقد سمعت انك رجعت من نيوأورليانز "
" كانت هناك مباراة كرة القدم وكان المرورمزدحما ... وإلا عدنا في وقت مبكر "
وأحست جولي أنه ليس في وسعها أن تحتمل ذلك الحديث فقالت : " إنني سعيدة لأنك اتصلت هاتفيا . وكان في نيتي أن أتصل بك فيما بعد لأخبرك اني عائدة غدا الى داكوتا الجنوبية "
واجاب في صوت خفيض لم تكد تسمعه :" ماذا ؟ "
" نعم ، إن إحدى خالاتي في المستشفي وقد كتب لي أهلي يقترحون عودتي ولقد حدث ذلك فجاة على ما أعتقد ، وهي تحتاج الى هذه العملية "
وخطر لها أنها تكرر الكلام وكأنها تحاول أن تقنعه بصحة أسباب عودتها . وعلق في جفاف : "ولكن ذلك جاء بطريقة مفاجئة للغاية "
" نعم . حسنا . لقد أردات أن اقول أن أرحل . وهذا هو السبب الذي كنت ساطلبك من أجله فيما بعد "
و تحدث في بطء وبوضوح تام : " أريد أن أتحدث اليك يا جولي "
" أسفة ، فلدي الكثير من العمل قبل الرحيل . حزم الأمتعة وسواء . بحيث يبدو من المستحيل حقا بالنسبة الي "
وجاء صوت كلودين يقول : " هل ستيف على الهاتف ؟ "
وضعت جولي يدها على السماعة حتى لا يصل الصوت الى ستيف . كانت كلودين تنظر اليها عبر حاجز الدرج وكانت ترتدي فستانا أخضر من نسيج وبري يصل الى ركبتيها .
و اجابتها جولي : " نعم ، إنه ستيف "
وطلبت جولي الى ستيف ان يبقي على الخط لحظة قبل ان تستدير الى كلودين تسألها : " هل هناك شيء تريدين أن تحديثه عنه ؟ "
وأجابت كلودين : " نعم ، إنني لا أجد قميص النوم الأخضر ولقد بحثت عنه في كل مكان ولكن يبدو أنني قد وضعته دون قصد في حقائب ستيف . هل تسأليه ؟ "
و تذكرت جولي في شيء من الغضب و الحقد ذلك الرداء الاخضر المزرق الذي يشف عما تحته الذي كان يذكرها بريش الطاووس . وهزت كلودين كتفتها عندما لاحظت مشاعر الغضب تبدو على وجه جولي ، و أخدت لسماعة في هدوء وقالت : " ستيف أنا كلودين "
ونظرت الى جولي التي تسمرت قدماها على الارض بابتسامة عذبة قائلة : " انت تذكر قميص نومي الأخضر المزرق . أنا لا أجده و أحسبه قد اختلط مع حاجياتك ؟ هل وجدته ؟ لا .... ليس من الضرورى ... يمكنني أن أحضر لآخذه غذا . جولي ؟ "
و ارتسمت على وجهها علامة استفهام كبيرة . وعنذئذ استدارت جولي خرجت في بطء و تعال من الصالة لى الخارج .
لم يحاول غي أن يثر أية استفسارات حول المكالمة فقد لاحظ تعبيرا مكتوما على وجه جولي التي واصلت العمل في حزم الآمتعة في شيء من الآنتقام .
واتمت وضع كل شيء داخل السيارة بما في ذلك الخرائط التي تحدد لها الطريق في اقل من نصف ساعة . و عندما اغلقت أبواب السيارة كان الغسق الأرجواني يتصارع مع ظلمة الليل . وقد أمسي كل شيء على أتم استعداد لرحلة الصباح . ودخل غي المنزل قبل ذلك بدقائق قليلة ليعد بعض المرطبات .
ومسحت جولي قطرات العرق عن جبهتها واستدارت متجهة الى الباب الداخلي لتلحق به . ولم يكد تخطو خطوتين حتي انغلق الباب الداخلي ووجدت أمامها شبحا عالي القامة يقف في طريقها . وتوقفت لحظة وفكرت في الهرب لكنها لم تستطيع . وارتسم على فمها خط من الكأبة وهي تسير نحو ستيف .
وكان في وسعها وهي تقترب منه أن ترى أثار التعب على وجهه ولكنها رفضت أن تجعل لشفقة تضعف من تصميمها أو من ضربات قلبها لمنكوب .
وبدت عيناه في الضوء المعتم في زرقة أكثر قتامة وهما تلاحظات اقترابها منه .
" ما كنت بحاجة الى أن كلف نفسها عناد الحضور "
قالتها في شيء من البرود ، وتوقفت على بعد خطوات منه سخر منها قائل : " صحيح ؟ ! "
وقالت وقد جعلها الكبرياء ترفع ذقنها بدرجة أعلى قليلا مما اعتادت : " لقد تبادلنا كلمات الوداع عبر الهاتف "
ولم يكن بحاجة الى أن يذكرها : " ولكن محادثتن الهاتفية قطعت "
" غير أننا كنا قد قلنا كل ما هو مهم قبل ذلك . وكانت كلودين قلقة تريد التحدث اليك "
كانت نظرته تحوم مستفسرة عبر وجهها وهو يقول :" لقد اعدت اليها رداءها المفقود "
وواصلت تجيبه في هدوء : " كان ذلك احتراما منك لمشاعرها . وأظن أنها ستقدر لك ذلك ، فقد كانت قلقة لهذا السبب "
" ما الذي جعلك تقررين الرحيل بهذه الطريقة المفاجئة ؟ "
" لقد شرحت لك . إن خالتي مريضة "
" أنا لا اصدقك هل يعقل أن يسبب لك مرض الخالة مثل هذا القلق ؟ "
و انتهزت جولي الفرصة لتعزز اسباب الرحيل فقالت : " إن الخالة بريجيت لها مكانة خاصة فهي التي زودتني بالمال للحضور الى هنا . وصلتي بها القوية للغاية ولذلك فمن الطبيعي عندما تمرض ألا أكتفي بهز كتفي كما لو كان الأمر بهذه البساطة "
وبدأ يستسلم لصديقها رغم أنها كانت تري آثار الشك على وجهه تصارع لإقناعه بعدم تصديقها . كانت هذه فرصتها للرحيل لعلها تنقذ كرامتها دون أن تخدش .
وأوشكت على الحركة ولكن صوته أوقفها وهو يقول : " لدي شعور بأن هناك شيئا لا تريدى ان تصرحي به "
وبلعت ريقها قالت : " لا أدري ما هو ؟ "
واخذت تجهد عقلها كي تكتشف ما اذا كانت هناك ثغرة في قصتها .
وواصلت تقول : " أنا ... لم ... لم أشكرك لأنك اتحت لي فرصة التعرف على الملامح المحلية مما جعل لرحلتي مغزي خاصا "
وارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة متسائلة ، حبست أنفاسها ، وقال : " شيء أكثر "
شيء أكثر . العبارة ذاتها التي قالتها في مناسبة سابقة ربطتها به وواصل يقول : " لقد حاولت ان أجعل لويزيانا تتجسد في صورة حية أمامك "
لم يكن باستطاعتها أن تقول له أن قد جعلها هي تستمع بالحياة وانها قد أدركت في النهاية مدى قوة أنفعالاتها كأمرأة . وأكتفت بأن اصطنعت ابتسامة من أعماق الآمها ، وقالت وهي تحاول ان تسير على رجليها المرتعشتين الى أول عتبة للدرج في البيت : " لقد أتحت لى فرصة سعدت فيها برفقة شاعرية "
وقال في شيء من السخرية : " رفقة شاعرية ممتازة كما يحدث على ظهر السفن "
وأجابت بسرعة وهي تحاول ان تزيح عن كاهلها أثر كلماته الخبيثة : " نعم ، إنه غريب حقا كيف أن العودة الى الوطن تجعل الفتاة تعود الى عالم الواقع
وبدت في عينيه نظرة احتقار جعلتها تشعر بالسعادة وهو يقول : " بلا مشهد يثير الاتبارك .... وبلا وعود بالحب الذي لا يبلي ... لعله أفضل كثيرا هكذا .. وأعتقد أنك سعيدة الآن كون عواطفك لم تؤد بك الى ارتكاب غلطة كنت ستعيشين نادمة بسببها "
كان ستيف يشير الى لقائهما السابق ليلة الضباب . ولكن جولي كانت تقابل كلماته بالصمت الذي لاذت به حتي لا تصرح بحبها له . ولم يكن في وسعها ان تتحمل الشفاقة عليها فقالت هامسة و الدموع تتجمع وتومض في عينيها : " نعم "
" والآن سوف يكون في وسعك ان تتحدثي الى صديقاتك عن الرجل الذي قابلته بجانب الرافد "
وأدارت جولي رأسها بعيدا عن لهب الثقاب وهو يشتعل سيجارته وقالت : " لقد كانت حقا مطابقة كاملة . كيف اتضح إنك أتيان ، ثم كيف اتضح أن اتيان هو ستيف مالك كاميرون هول ! "
ووافقت صوت متزمت ، فقد كانت تعرف تماما انها لا يمكن ان تحكى لأي شخص القصة الكاملة ولو على سبيل الثرثرة .
وبدأ ستيف يتحدث وكانه يخاطب نفسه قائلا : " أعتقد أنك كنت على حق عندما قلت أنه لا يوجد شيء آخر يمكن ان يستمر الحديث بيننا حوله .
ولقد بدات أفكر في أنني ينبغي أن اندم على اليوم الذي دعوت فيه نفسي الى مشاركتك الوجبة التي كنت تاكلينها يوم الرحلة "
وكانت رغم الظلام تستطيع ان تتبين أنه كان ينظر اليها ومضي يقول : " أعتقد ان هذا هو الوداع اذا "
ومد يده نحوها ، وترددت في ان تمد يدها اليه ، فقد كانت تعرف أن ملمس يده لن يزيدها إلا رغبة متأججة في أن تلقي نفسها بين ذراعيه .
ولكنها استطاعت السيطرة على نفسها و هى تصافحه ، وقد شعرت بدفء قبضته القوية يسري الى أعلى ذراعها وخلال جسدها . وإن كانت لم تخف الألم الباردالذي يخفق في قلبها و الذي جعلها صدرها يحس كما لو كان على وشك أن ينفجر . وقالت ي رقة : " وداعا ستيف "
و أحست بأن لفظة الوداع حكم قد صدر عليها بأن تعيش وحيدة طوال حياتها . وتمتم ستيف في سخرية قبل أن يطلق يدها : " ايتها العصفوره ... ايتها العصفورة ...طيري وعودى الى وطنك البعيد . رحلة موفقة يا جولي "
منتديات ليلاس
كان الضوء المنبعث من المنزل يجعل كل شيء في الخارج يبدو أكثر قتامة وبدت الأشجار كنسيج العنكبوت أمام أول نجوم بدات تتلألأ . وبدا ستيف كشبح قاتم قبل أن يبتلعه الظلام ويختفي عن الانظار .
كان في وسع جولي أن تعرف الآن لماذا لم يتحطم قلبها كليا . لقد تصورت أن ستيف سوف يصر على عدم تصديق قصتها الهزليه ويضمها بين ذراعيه بقوة ليخبرها أنه يحبها لدرجة تجعله يمنعها عن الرحيل . ولكنه بدلا من ذلك اكتفي بأن قال لها . رحلة موفقة .
لقد كان سعيدا بذهابها . وأراد أن تصدق قصتها . وكان سعيدا كذلك عندما اعتبرته مغامرا رومنطيقيا . كانت تلك هي الحقيقة ، بغض النظر عن النتائج بالنسبة الى قلب تحطم . وارتعدت جولي و أحست فجاة بيرودة قاسية ومخيفة . وبالوحدة و الفزع .

سيدة القصر الجنوبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن