الفصل الرابع

1.3K 54 15
                                    

الفصل الرابع :
منذُ أن علمت بالحقيقة وهي مازالت تقف بمكانها تنظر لبدر والدموع تفر هاربة من عينيها وأنين نبضات قلبها يتعالى  لقد أخذ حق أخيها أشعل النيران بمن هدر دمائه وعرض نفسه لخطر من المُمكن أن يؤدي بحياته كما يقول أخيها،  هل ظلمته حقاً رباه لقد ذهبت إليه ونظرت بعينه و قالت ما قالت لقد قتلت فرحته و تعمدت وجيعته  هل حقًا هي لم تعرف شاهين حتي الأن وهي من عاشت معه كل تلك الأيام ، ولكن حين سمعت بدر يتكلم مع عمران ويأمره أن يرسل لشاهين بعض الرجال حتى يقوموا بحمايته دار كل شيء من حولها وشعرت أن أنفاسها تخرج بصعوبة وكادت أن تسقط فاقدة لوعيها ، ولكن أسرع بدر حين لاحظ شحوب وجهها ليسندها بيديه وهو يقول باضطراب : " واه وحدي الله يا نچاة،  فيك إيه يا بنت أبوي "
أسرع عمران إلي المطبخ ليجلب كوب ماء يساعدها، فأخذته منه بيد مرتعشة و ارتشفت منه القليل ثم أعطته لأخيها وهي تنظر لكبيرها وتهتف بهمس " شاهين يا بدر..  أنا هموت لو حصله حاجه "
رفع بدر يده ليربت علي رأسها بحنان وقال " إيه الفال العفش ده يا نچاة متخفيش "
بكت بخوف وهي تمسد بطنها أمام أخويها و شهقاتها تتعالي " أنا فرحتي عمرها ما بيتكتب ليها الكمال...  أنا خايفة يكون هو المرة دي ويهملني لحالى أنا وحتة منيه "
نجاة عندما يكون الأمر متعلق بزوجها تفقد تلك الهالة من القوة تفقد ثباتها وينهال حصونها وتصبح أضعف المستضعفين  هو يعلم أخته جيداً و بثقة جمعها بكلماته لتكون لها عون تشتد به
" بلاش كلامك ده يا نچاة طول ما أنا عايش مفيش حاجه هتمسكم واصل فداكم دمي يا بنت أبوي "
و تلك المرة هتف عمران بغضب كبير عليهم وهو يهتف
" بكفياك أنت وهي حديت عن الدم والموت محدش هيموت ناجص عمر وكله هيجابل وجه كريم "
نقلت نجاة نظراتها بين أخويها ومازال دمع عينيها علي حاله و عندما ثبتت نظراتها علي بدر هتفت بثقة وصلت إليه
" عاوزه أعود بيتى يا بدر،  عاوزه أروح لشاهين أنا جيت أهنه بنفسي وعاوزه أعاود بنفسي "
وكأنه كان يحتاج أن تقولها  فيقسم أنه لمحها بعينيها عندما كانت تنظر لشاهين وهو راحل ، وبدون كلمه نظر لأخيه " روح وصل أختك بيتها يا عمران وخد معاك عوض وهمام "
ابتسم عمران بمحبه  وهتف " حاضر يا أخوي الست نچاة تأمر أمر معندناش أعز منيها "
ابتسمت نجاة بمحبة ثم استطاعت أن تقف بمساعدة عمران الذي التفت إلي بدر ثم قال " متنساش تشوف مُهرة يا بدر "
وبسرعة قاطعته نجاة وهي تنظر لبدر " لاه يا بدر أنت عارف مُهرة هي صحيح كانت واقفه تتسمع علي حديتك بس هي كانت هتدخل علي طول فضلت واجفه بس بأمر مني عشان نيران ك......."
أشار لها بدر بالفهم ثم قال " أنا هشوف الموضوع ده "
عدلت نجاة حجابها كما اتفق ظل بدر يتابعهم حتي غابوا عن أنظاره قبل أن يرفع رأسه إلي أعلي بيته حيث تقبع زوجته وصعد الدرج يتمتم ببعض الكلمات
..............................................
وقف في منتصف  تلك الغرفة ينظر إلي ذلك الفراش الصغير الذي يرقد به توأميه بعد أن هدأت ثورة بكائهم مطالبين بأمهم بدون تلبيه للنداء لأول مرة يشعر بذلك العجز القاتل بعد أن منعه جده من الذهاب إلي بيت نعمان وأخذ امرأته كيف لأبيها أن يتحكم فيها بعد أن أصبحت حقه هو وحده هو رجل لا يتشارك حقوقه مع أحد ونعمة أصبحت منذُ زواجهم امرأته أي هو الأمر الناهي في أمرها لا يعرف ما به فجزء منه قانت علي حق له قد سُلب منه و جزء أخر خائف  لا يريد الاعتراف به  ، وللعجب هو خائف علي ذلك الاستقرار الذي يشعر به في وجودها ، وتلك السَكينة التي يطمئن إليها عندما تكون هي وصغاره أمام عينه داخل بيته فمن ذا الذي  يُخيل له أن يهز حياته ، سوف ينتظر  لحين يستفيق جدها كما قال جده وبعدها سيذهب ليأتي بها داخل بيته و ليفعلها  أحدهم ويقف أمامه  يقسم سيقتل كل من تصور له نفسه  بلا جدال .
...........................................
في تلك البقعة التي يعم بها الظلام علي أطراف البحيرة التي تصل  بين أراضي ثلاث عائلات من أكبر العائلات وأعرقها تلك البحيرة التي امتزجت مياها بدم  عائلتين منهم وهما عائلة النعمان و الأنصاري علي رقعت الأرض التي تفصل حدود أرضهم فكانت أراضي عائلة الأنصاري و بيوتهم بطرف البلدة الكبيرة وسميت بنجع الأنصاري علي اسم كبيرهم ، وبجانبه كانت أرض عائلة النعمان وبيوت أهلها وسميت تلك المنطقة بالبساتين وبالطرف الأخر كان نجع الرفاعية من قديم الأزل  على قرون أول عقود لا نعرف متي نشبت تلك العداوة علي تلك الأرض بين عائلتي الأنصاري و النعمان  قتل من قتل و بتر من بتر و عجز من عجز بعد تلك المعارك الطويلة وبعد كل ذلك الوقت بقيت العداوة ساكن داخل القلوب ومحرم علي أهل العائلتين التعامل فيما بينهم بعد أن انتهت تلك الحرب لصالح أولاد الأنصاري ،  ولكن تلك الحادثة التي أدت بنسب آل الأنصاري مع آل الرفاعية قد بددت كل شيء فلقد انزلق الجميع للسلم ، بعدما كانت الأفراح تقام في عائلة النعمان  علي مساعدته لعائلة الرفاعي والوقوف بجانبها لإنهاء أولاد الأنصاري نهائياً ولكن بدر نصار أبّى كل  الدم و نزع الفرصة من بين يديهم و راح يطلب النسب من الرفاعية ومن  من .... ابنه كبيرهم أي ستتساوى الرؤوس معهم  في كل شيء بل سيصبحون الأقوى فبعض منهم فكر في إنهاء ذلك النسب والارتياح من ذلك البدر الذي يفسد عليهم كل شيء  ، ولكن جاء هذا عليهم بدمار حين نشبت النيران بكل شيء لتأكله أكلا  وتترك كل ما لديهم رماد محترق  ، وهنا علي تلك الأرض وقف  حفيد النعمان الأكبر ينظر إلي من يقف أمامه ببرود بينما الأخر غاضب ناقم وبشدة وبنبرة غاضبه هتف " مكنش ده اتفجنا يا غسان " وبنفس تلك النظرات الباردة هتف غسان " أنا مليش صالح يا ناصف باللي بيفكر فيه أبوي وأعمامي "
" لا ليك  وأنا جولتلك من الأول يوم ما حد يمس ولاد عمي  هيكون حسابه عندي الدم والخراب " هتف بها ناصف بنبرة قاتمه غاضبة لا يدري  هل هي علي من أمامه أم علي نفسه هو حين سلم لأعدائه
" ليه وأنتم مخربتوش وحرجتم كل شيء  يا ناصف "
هتف بها غسان بغضب شديد ونيران حقد تخرج من داخله وهو ينظر لذلك المغرور أمامه،  لكن الرد من الأخر كان قاتل حين هتف " والله لو مكنتش جولتلي ولحجت ولد المحروج ده  وخليت نشانه يفلت وكان ولد عمي جراله حاجه مكان هيكفيني  ولاد النعمان كلالتهم "
رسم البرود علي محياه وهو يهتف " اللي بينا ملوش دعوه بالعداوة دي وأنا چيت عرفتك لجل تلحج ولد عمك بس أنت معرفتنيش باللي كنت ناوين تعملوه "
تذكر ناصف شاهين ،  وما فعل بدون أن يخبر أحداً منهم   وتذكر كلماته له و بنبرة مُتزنة قال " مكنتش أعرف باللي هيحصل  وبعدين أنا چيبك أهنه عشان أجولك إنى عاوز ننهي الشراكة دي معدش ينفع بعد كل اللي حصل ده "
وبحنق هتف غسان صائحاً " مكنش ده اتفجنا يا ناصف "
و ببرود كان رد الأخر " مكتش اعرف اللي بيدبرة ليا أعمامك وأبوك يا غسان " 
نظر غسان إلي ناصف بنظرات ساخطة تلقاها الأخر ببرود قبل أن يلتف بجسده ليرحل ولكنه تذكر شيء  فوقف يقول " ذي ما كانت الشراكة دي في السر تتفض في السر وإسمي محدش يعرفه يا غسان "  ورحل وهو غافل عن نظرات الآخر التي تتبعه  بنظرات متعطشة للفتك بأحدهم قبل أن يتمتم بخفوت " في أحلامك يا ولد الأنصاري "
............................................
وقفت أمام المرآة  تنظر إلي نفسها بفخر فلقد تفننت نعمه حقًا في شراء تلك  الملابس الحريرية الناعمة   بجميع ألوانها الجميلة الزاهية ما يعيبها حقًا أنها تكشف بعض مفاتنها  ولكن تستطيع أن ترتديها  و تجربها كلّها  ضحكت وهي ترفع شعرها بيديها وتستدير أمام المرآة   و تهتف بفرح :
"  أحلي حاجه في الجوازة دي إن بجي عندي كل اللبس ده   شكل نعمة وأحلي منها كمان "
كانت نيران ترتدي فستان بيتي قصير يصل بالكاد إلي أول وركيها من اللون الكحلي وتنتشر عليه نقشات صغير باللون الأحمر ذات حمالة رفيعة يضيق من الأعلى ليظهر أنوثتها وينساب علي جسدها  بينما كان شعرها ينسدل علي ظهرها كانت كلوحة مبهجة  ألوانها زاهية  كانت نيران تقف وسط غرفتها وبدون سابق إنذار أو كما فعل أمس بطلب الأذن قبل الدخول كان يفتح ذلك الباب و لحظة وكان في وسط الغرفة  شهقت   بفزع  وهي تنظر إليه ثم جرت بسرعة باتجاه  حمام الغرفة لتقوم بغلق ذلك الباب و تستند عليه  وهي تحاول أن تتنفس بشكل طبيعي بينما كان بدر يقف ينظر لأثرها .
لم يتوقع أن يراها هكذا فهو جاء إليها ليتحدث معها عن فعلتها ولكن لم يتوقع ما رأي  هل كان عليه أن يستأذن منها قبل  دلوفه إلي هنا ولكن  نهر نفسة بشدة فهي زوجته وله الحق أن يدخل تلك الغرفة متي يريد  و شيء  بداخله لم يقبل فعلتها فكيف لها أن تفر من أمامه هاربة ؟ هل هي لا تعلم ما يعني أنه أصبحت زوجته وبسرعة كان يقف أمام ذلك الباب ليقول " افتحي يا نيران و اخرجي من عندك حالا "
اتسعت عينيها باضطراب  بينما  رفعت يدها لتضعها أمام صدرها علها تشعر بانتظام أنفسها قبل أن تسمعه يهتف مرة أخري بنبرة أكثر حده " أنا ما بعدش كلامي مره تانية يا بنت الرفاعية " لحظات عدت وهي علي حالها لا تعرف ماذا تفعل وبيد مرتعشة خائفة وبنفس متسارع  قامت بالضغط علي المفتاح ليصدر ذلك الصوت الذي أيقظها ولكن كان الوقت فات و هو يضغط علي المقبض لتظهر أمامه ترتجف وبشدة  تحدق في كل شيء إلا هو و بشرتها امتزجت بلون وردي محبب  فعلم بما تشعر به ، فاستدار يتقدم إلي الفراش وهو يقول بنبرة خلت من الغضب
" تعالي سعديني اغير علي الجرح و أجلع الحامل اللي خدل دراعي ده "
ابتلعت لعابها برهبه وهي تراه يحاول خلع عباءته فلم يستطيع بسبب  ذلك الحامل فالتفت لها فكانت مازالت تقف بمكانها لا تتحرك فرفع حاجبه بعدم فهم ثم هتف " كنك مسمعتيش عاد "  بخطوات مضربة تقدمت بدون كلمه ثم لفت يدها  حول عنقه لكي  تحول فك ذلك الحامل الذي يحمل ذراعة المصاب ، فحرر يديه ثم انحني يخلع عباءته بدون أن ينظر إليها و ببعض خطوات تسطح علي الفراش بجزعة العالي ويرتدي ذلك السروال فقط ينظر لوقفتها أما عنها كادت تبكي وهي تفرق كفيها ببعضهم بتوتر ؛ ماذا تفعل فهي أول مرة في حياتها تقف أمام أحدهم بهذا المنظر جسدها يرتجف فالملابس لا تستر و هو ..هو بوضعه هذا ماذا عليها أن تفعل ولكن  كما هو معتاد استطاعت أن تهدأ من تلك الانفعالات وهي تذكر نفسها أنه زوجها كما أخبرتها نعمة وأم السعد يحق له ما لا يحق لغيره انتفضت علي صوته مرة أخرى وهو يهتف بهمس وهو يغلق عينيه ،

ابنه نيرن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن