الفصل الثاني

1.3K 52 16
                                    

الفصل الثاني ..
كانت تنظر إلي قصر عمها من شرفة منزلهم تريد أن تذهب إلي هناك لتري ابن عمها يُزف علي تلك الدخيلة التي ستأخذ ما كان يوماً لأختها وبينما كان صوت شهقات أمها يتعالى من خلفها وهي تهتف بأصوات متقطعة بحزن " توحشتك يا فرحة اتوحشتك يا نضري اليوم جوزك بيتزف علي وحده تانيه غيرك يا نضري  كلهم فرحنين وعم يطبلوا ويزغرتوا و أنا جلبي موجوع عليك يا حبيبتي "
استدارت  لتواجه أمها ثم هتفت بنفاذ صبر " بكفياك يامه كن العديد والنواح ده هيرجعها  "
تعالت شهقات المرأة من جديد  ومن يعلم  ما تشعر به فهي أم منكوبة علي فراق ابنتها التي لم تري من عمرها إلا القليل وفارقتها.
تشعر بقلبها ينفطر فهتفت وهي علي حالها " بكفياني إيه يا صباح أنا هحزن علي أختك العمر كلّه دي فرحة داري  اه يابنتي "
تأففت بضجر ثم استدارت   ذاهبه إلي غرفتها وهي تتمتم بجمود " احزني كَن الحزن والنواح والصراخ هيرجعها  "
****************************
وجاء اليوم الموعود يوم  زفافها ، هي ستذهب لبيت جديد لا تعرف فيه أحد،  وستترك منزل أبيها ، المنزل الذي شهد علي  ميلادها وطفولتها وصباها وأخيراً زواجها ، ستترك أبيها وجدها،  وأخويها عبد الرحمن ومنذر،  ستترك نعمة وتوأمها الحبيبان،  ستترك الخالة أم السعد و زوجة عمها سكينه الجميع يبكي، وهي يخنقها هذا البكاء و وأمام  جدها استطاعت أن تهوي لتجلس أمامه لتقبل يداه ، نظر إليها بحب شديد نيران أصبحت عروس  وستذهب إلي بيت زوجها ، زهرة البيت ترتدي فستانها الأبيض لتذهب مع زوجها،  ربت هو علي رأسها بحنو ثم رفع رأسها ونظر إليها وقال بحنان :
" يوم ما اتولدتي كانوا خايفين  لزعل إنك بنت ، وچاتني أم السعد بيكِ وحطيتك بين يدي  ، حسيت إنك أخدتي جلبى فرحت بيك ، وسميتك علي اسم سيتك لأنك كنتِ نسخة منيها ، رفعتك جدام أهل البلد كلتها وجولت چاتنا اللي هتعمر بيتنا بالفرحة، چاتنا اللي هتخلي أيامنا كلها عيد،  وكنتِ إجده طول عمرك، أوعي تكوني فاكرة إن چدك ضحى بيكى لاه دا إنتِ روح چدك أنا أخترت اللي هيكون ليك عون وسند وظهر تتحامي فيه راچل صُح ، عوزك تعمري بيت چوزك،  عوزك ليه عون في الدنيا تكوني رفيقة دربه وسكن ليه في وچعه،  عوزك تكوني بنت صالح الرفاعي صُح وترفعي رأس أبوك وجدك "
ثم قبل رأسها بحنان، وبدون تفكير ارتمت داخل أحضانه تبكي بشدة وتعالت شهقاتها للجميع بينما أخذ الجد يهمس لها بحب :
"واه بتبكي يا جلب چدك،  لاه عاوزك فرحانة وسعيدة "
ثم نظر إلي ذلك الوقف بدون علمها يتابعها منذُ دلوفها لكي تسلم علي جدها  فهتف الجد بصوته الواثق :
" نيران أمانتي يا بدر ،  إنت أخدت أغلي ما عندي فرحة داري فحافظ عليها يا ولدي "
انتفضت واقفة أمام جدها خائفة نعم تخاف منه تخاف من ملاقاته
وللعجب فهو زوجها منذُ أربع أيام ولم تعرفه حتي الأن  نظرت إلي جدها الذي أكمل كلماته وقال :
" و يوم يا ولدي ما هتهمل أمانتي ردها ليا ولأهلها ، وصدقني إنت مكانتك عندي زي عبد الرحمن ومنذر وأنا حلفت الرفاعية إن يكونوا ليك ولناسك سند وظهر ويبجوا جوة وحدة،  خد مرتك يا بدر  ، وإبدأ من چديد وخلي بالك يا ولدي من سم النفوس وحقدها و هارجع وأقولك نيران يا بدر "
" في عيوني يا حاچ "
انتفضت حين استمعت إلي صوته خلفها ، ولم تقوي علي الالتفات والنظر إليه فظلت علي حالها و الفضول سيقتلها فجدها يردد ولدي ، والصوت الذي استمعت إليه صوت قوي شديد الحدة، فاقت من أفكارها علي صوت جدها وهو يأمرهم بالرحيل ويدعوا لهم بالسعادة والفرحة،  فتقدمت لتقبل يده وحين ألتفت مرة أخري كان بدأ الرجال بالحركة للخارج ولم تستطيع رؤيته من جديد،  وأمام الجميع كنت تودع بيتها بحب شديدة و بدأت تلك الشهقات تتعالي،  فنيران حقاً يحبها الجميع ، حين تقدم  الحاج صالح ليقبل رأسها ثم يقوم بتوصيلها إلي ذلك الهودج الذي سينقلها إلى منزل زوجها بينما أخذت نعمة تبكي في أحضان الخالة أم السعد ، وما هي إلا لحظات وتحرك  الجميع  خلف نيران ليقوموا بتوصيلها إلي منزل زوجها بدر نصار .
وأمام بوابة هذا القصر المهيب ، وقفت جميع النساء تغني والأطفال ترقص ، و هي في هودجها تنظر من خلف تلك الستارة الشفافة تتابع الطريق خائفة هي حقاً خائفة تذهب لمجهول لا تعلمة زوج لم تراه إلي الأن،  ولكن بعد كلام جدها طمئنها بعض الشيء ، ووجود أم السعد معها سيجعلها تشعر بالراحة فهي علمت من نعمة أن الجد أمر أن تظل معها ، وما هي إلا لحظات حتي استمعت إلي أخيها منذر يأمرها بالخروج من الهودج، فهبطت بإضراب ولكن حين حطت قدمها علي الأرض شعرت بمن يحملها فاتسعت عينيها وهي تراه من جديد ذلك الرجل الذي رأت ليلة عقد القران هل هذا زوجها ، هل هذا بدر نصار والإجابة كانت صوت أخيها حين هتف بفرحة :
"مبارك يا بدر ، موصكش علي نيران ثم هتف ضاحكاً وربنا معاك يا خوي "
تعالت ضربات قلبها بشدة وهي ترفع نظراتها إليه ثم بيدها تعلقت به فشعر باضطرابها  فهمس بصوت واثق :
"الله يبارك فيك يا منذر عجبالك عن قريب،  ومتخافش نيران في عيوني "
خجلت بشدة من نظراته و ازداد اضرابها عندما شعرت به يهمس بجانب أذنيها ساخراً :
"كيف وجعتك يا نيران ؟"
اتسعت عينيها وكادت أن تبكي من توترها  وخجلها ، أخذت تحمد ربها أن تلك الطرحة الشفافة تغطي وجهها ، بينما ارتسمت تلك الابتسامة علي وجه بدر  وهو يشعر بها،  ليسير وهو يحملها إلي داخل القصر وخلفه زهرة ونجاة وأم السعد ومُهرة و علي بعد يقف أخيه يحمل الصغير ويرحب بالرجال ولكن ما هي إلا لحظة حتي توقف كل شيء  وتعالى صوت طلقات النار فأخذت النساء تصرخ والرجال تسرع والأطفال يهلهلون،  الجميع مطرب وبشدة وصوت نجاة و صرخات زهرة اخترق السكون ، ففستان العروس تلطخ بالدماء، وهي بأحضان زوجها الذي مازال يحتضنها بشدة ،هذه الأن أمانته وزوجته عرضة وشرفة  ، وهي بين أحضانه مُستكنه تغمض عينها تشعر بشيء ثقيل يكتم أنفسها و شيء أخر لزج يسيل علي يديها وصوته الهامس بنبرة حانية بجانب أذنيها :
" متخافيش إنتِ كويسة "
وصرخة نجاة القوية اخترقت مسامعها :
" بدر أنت اتصبت،  يوالي يا أخوي "
ففتحت عينيها بسرعة، لتراه يحاوطها  بيده، والدماء تغطي جلبابه الأبيض وفستانها هل سيموت زوجها وبصوت خائف مرتجف هتفت اسمهُ ولأول مرة :
" بدر"
نظر إليها بوهن ثم هتف بحنان ليطمئنها :
" متخافيش "
ثم أعتدل بوقفته  ومازال يحملها بين يديه ورفض أن يحررها ثم ألتفت للجميع ليسرع له  أخوه عمران  من قبلة كان أخيها منذر ليقف أمام أخيه ثم قال بخوف  وهو لا يعرف مصدر تلك النيران :
"بدر "
" أنا بخير الرصاصة جت في كتفي "
أسرع عمران وأعطي الصغير لزوجته التي كانت تبكي بخوف ثم توجه لأخيه ليحثه علي ترك نيران ولكنه نظر له برفض في حين قال مُنذر وهو يتقدم إليه :
" تعالي يا نيران "
" لا يا مُنذر أنا اللي هطلع نيران مجعدها "
و برفض قاطع قالها فهتف عمران معاتباً :
" بس إنت متصاب يا بدر وچرحك بينزف "
لم يرد علي أخيه فهو حقًا يشعر بوجع شديد  فاستدار ليدلف بها إلي المنزل وهي تبكي وترتجف بين يديه وخلفه تحرك الجميع ولكنه توقف في ردهة المنزل وهو يستمع إلي صوت عبد الرحمن الأخ الأكبر لنيران وهو يقول :
" بدر...  نيران لازم تعاود معانا كدة ......"
" نيران مرتي يا عبد الرحمن مرت بدر الأنصاري وفي دارها روح لجدك وأبوك طمنهم علي خيتك وقولهم بدر محافظ علي الأمانة ويفدي مرته بروحه "
وقالها وهو يتحرك ليصعد بها إلي غرفتها ... وحين دلف بها إلي الداخل وضعها علي الفراش ثم نظر إلي عينيها وما هي إلا ثواني وفقد وعيه بالكامل ليتسطح جوارها ..هرولت هي خائفة تهتف باسمة بخوف :
" بدر .. بدر "
لا رد وشعرت بالخوف والخواء اختنقت وهي تنظر إلي ذلك الجرح الدامي ثم صرخت ليهرول لها الجميع
.....................................................
كانت زهرة تحتضن نيران العروس التي  صُبغ دم زوجها ردائها الأبيض و يبكيان بصمت،  بينما كانت نجاة  هي وأم السعد ينظفون جرح بدر و كان هو يتصبب عرقاً  و النزيف لا يقف فهتفت نجاة بخوف علي حال أخيها :
" واه وينه عمران، اتأخروا بالحكيم ليه "
" اهدي يا ست نچاة  ربنا هيعدها علي خير ببركة سيّدنا النبي"
قالتها أم السعد لتهدأ من روعها فهتفت الأخرى بنفاذ صبر :
" عليه الصلاة والسلام،  بس اهدي لحد ما دمه يتصفى ويموت جدامي "
" أنا عندي الحل يا ستي "
هتفت بها أم السعد في حين أسرعت نجاة تقول :
" انجديني بيه يا خالة "
" نكوي الجرح يا بنتي ده الحل الوحيد"
قالتها العجوز بترقب في حين شهقت نيران بخوف،  ونظرت إلي نجاة، التي نظرت إلي أخيها  لتسقط منها دمعه خائنه علي حالة فكيف لها أن تره هكذا  مغرق بالدماء هتفت بثقة وكأنها حسمت أمرها :
"  جومي يا أم السعد أعملي اللازم "
وأمام نظراتهم كانت تمسك ذلك السكين المتلهب  كالجمر المشتعل في حين شقت نجاة جلبابة ليبقي أمامهم بالسروال ثم تحركت أم السعد ببطئ أمام أعين نيران لتضع تلك السكين علي جرحة النزف وتقوم بغرزها لتنتفض تلك الرصاصة ولكن قبل كل هذا سمعت صوته  الصارخ بوجع يعلو ويردد :
"  فرحة "
وهذا كل ما وعت عليه قبل أن تسقط بحضن زهرة فاقدة لوعيها فكل ما مرت به أكبر من تحملها فهي مازالت صغيرة علي كل هذا
.................................................
" أنا عاوز اللي عمل العملة دي جدامي يا صالح، حتي لو مين كان . "
قالها الحاج محمود بغضب ، حين أخبره حفيده بتلك الحادثة فثار بغضب ، من ذلك المعتوه الذي قام بها ، هل واحداً من الرفاعية،  أم هو من المعارضين في عائلة نصار ، ومن سيكون ،  من ذلك الذي يريد لأجيجُ النَّارِ أن يشتعل من جديد ،  و من المقصود وأمامه وقف ابنه البكر مضطرباً :
"أمرك يا كبير ، بس نيران..... "
هو يخاف علي صغيرته لم يعارض أبيه علي موافقته بقبول تلك الزيجة لأنه يعلم معدن ابن
عبد الرحيم الأنصاري ولكن خوفه الأن لا يحتمل فصغيرته ما زالت لا تعي الكثير والكثير بتلك الحياة ويخاف ضياعها انصت إلي كلمات والده حين هتف :
" مالها نيران يا صالح ، نيران في بيت چوزها عمره ما هيفرط فيها يا ولدي، أنت مدي بنتك لراچل ولا كل الرچال  ، روح يا ولدي ومعك أخوك وولادك ، وخليكم مع عمران يدكم بيده لحد ما يجوم منها بدر ، عاوزكم يد واحدة.  "
نظر صالح لأبيه بتقدير شديد ثم تقدم بسنوات عمرة المهيبة و انحني يقبل يده بحب ثم هتف :
"ربنا يخليك لينا يا كبير "

ابنه نيرن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن