الفصل الثالث

5.3K 158 9
                                    

الفصل الثالث
#وهج_نور🌞🌞
...............
جرها برفق الى الحمام يمسح على وجهها عله يخفف من حرارة ما تشعر به ،ثم عاد بها الى غرفة المعيشة يجلسها راكعا امامها ،يتوسلها
"تحدثي وهج،إن قلبي على وشك التوقف "
هتفت بجزع وسط شهقات متقطعة خلفها بكاءها
"لا تقل هذا ،بعيد الشر عنك "
ارتج قلبه في صدره ،لدعائها الصادق ،و هو السبب وراء كل ما حدث لها
"اذن اخبريني ما حدث ،ارجوك "
سقطت دموعها تجتذب الكلمات بصعوبة
"حين اتت يارا....منذ يومين ...لتعد لك الافطار ..انا ..انا اصطدمت بها دون قصد ،
و هي كانت تحمل بيدها غطاء أحدى الأواني المعدنية ،فلطمتني به دون ان تقصد هي الاخرى"
يعلم إنها تكذب ،و يقسم على ذلك ،تلك القاسية ،المتحجرة القلب ضربتها بقصد ،ان الضرر المتخلف عن ضربتها يجعل الأعمى يبصر ،بل و يقسم على تعمدها،
مسح على رأسها برفق ،ممررا كفيه على وجهها يزيل دموعها
"و ذراعك "
شهقة عالية إنفجرت باكية مره اخرى على أثرها ،ألمت قلبه
"لقد نمت ،و استيقظت هكذا ،حتى ...حتى إني لم استطع أن أعد لك طعامك ،أنا أسفة "
إنها تتعمد أن تمزق صدره ،تجمدت الدماء بعروقه من الهلع
"لما لم تخبرني؟؟!!!! لما لم تأتي الي لنذهب الى طبيب؟؟!
ضمت شفتيها الى الأمام كطفل انكسر خاطره
"أنا...أنا..أنا كنت...
ضمها إليه ،يواسيها بفيض عينيه
" خائفة مني ..صحيح؟؟!!! لكنك تعلمين أنا لم أكن لأردك إن جِئت شاكية، أنت تعلمين ذلك، أنا كنت سأصدقك أنت على الرغم من كل شيء…
هزت رأسها بحزن تأمن على حديثه
"إذن لم الخوف!!!!؟؟؟
إنفرجت شفتاها بحزن تخفف عنه
"أنا لا أخاف منك نور، فقط أعلم أني عبء حملته دون إرادتك فلم أود إنهاك عاتقك بالمزيد؟؟
زارد من ضغط ذراعيه حولها 
انا اسف ،اعدك ان ما فعلته بك لن يمر دون حساب"

🍃🍃🍃🍃🍃🍃🍃
"كل الاختبارات العصبية ،و نتائج التحاليل امامي ،تؤكد إن الامر ناتج عن ضغوط نفسية ،لم تستطع مواجهتها ،هو شلل هيستري "
يستجمع ريقه بصعوبة ،مبتلعا غصته
و ما الحل ،هل سنتركها هكذا !!
تأمله الطبيب مليا متسائل
"ما صلة القرابة بينكم ؟
تلجلج... محاولا التهرب
"و هل لهذا علاقة بما نحن به؟؟ "
رفع الطبيب حاجبه بنفاذ صبر
"بالطبع ان الكدمات ، و الجرح المتخلف بوجهها ،الناتج عن سوء المعاملة ،يمنحني هذا الحق ،فيجب علي كطبيب ابلاغ الجهات المختصة "
هتفت بجزع
"ارجوك لا تفعل ،هو ليس له دخل بالأمر ،اقسم انه لم يسيء
معاملتي ابدا ،و لم يرفع اصبع علي، هو صاحب فضل، يأوين....
حسم امره ، يشد عضلات كتفيه بتوتر، يقتطع الحروف اقتطاعا
"انها زوجتي "
صاح الطبيب مستنكرا
"انها طفله ،هذه جريمة اخرى تعاقب عليها ..
قاطعه بنفاذ صبر ،و قد اكتفى مما رأى و سمع
"إنها على أعتاب العشرين ،و نحن عاقدان فقط ،و هذا ليس من شأنك أولا و أخيرا ...
إرتبك و قد بوغت من هجومه ،فتنحنح معتذرا
"انت على حق ،على كل حال ،الحمل الأكبر في شفاءها يقع عليك ،ستزيل تلك الضغوط التي تترنح تحت عبئها ،تزامنا مع بعض الأدوية التي سأدونها لها ، و من جهة اخرى ستحتاج لجلسات علاج طبيعي ،لا حاجة للذهاب لمختص ، هي تمارين بسيطة تساعدها انت عليها ،حتى نقي العضلات و المفاصل من التيبس "
مستفهما ،يتشرب كلمات الطبيب
"هل لمرات محددة في اليوم ؟
"كلما أزداد عدد المرات كان افضل بالطبع ...
اضاف مبتسما ،و قد استشعر قلقه و اضطرابه
"لتجعلها تسلية وقت فراغك ....
"هل سيطول الامر ..ارجوك اصدقني ...
يجيب بعملية يفرضها الامر الواقع
"هذا يتوقف على حالتها النفسية ،و إستجابتها للعلاج ،و عزلها عن كل الضغوط حولها"
🍃🍃🍃🍃🍃🍃🍃
"لقد نطقها لسانه اخيرا ،معترفا إنها زوجته ،ان لها عليه حق ،انه ينتمي لها و لو بورقة قانونية لا تعني شيء ...لكنها زوجته
لقد رُدت الروح اليها ،حمدت الله سرا على ما اصابها ،فقد جنت من وراءه منح لم تمر اصلا على مخيلتها ..
اوقف السيارة ،امرا اياها ان تبقى مكانها لحين عودته ،تبعته عيناها يدخل الى المركز التجاري المجاور لبنايتهم ،ثم عائدا يحمل الكثير من الأغراض ،فتح لها باب السيارة لتترجل ،يسيران معا جنبا الى جنب كما ابدا لم يفعلا .
"ماذا تفعل كل هذا الوقت ؟
تتسأل و قد غاب كثيرا بالمطبخ حتى شعرت بالقلق
" لقد كلفت نفسك كثيرا.من اجلي"
مال فمه بألم
"انا لم ابتاع تلك الفاكهة منذ وفاة امي"
تأهبت للزود عنه  كعادتها
"أنت لم تحرمني من شيء نور
ضمت جفونه عيناه بوجع
"توقفي...أرجوك توقفي عن الدفاع  عني..
رمته بإستنكار و تساؤل
"و لم لا أفعل نور، فأنت صاحب الفضل الأول و الأخير عليَّ
،من أصر على إتمام دراستي الثانوية!!؟ من دفع الكثير مقابل إحضار من يعينني على الإستذكار حين رفضت الإختلاط بأبناء البلدة حتى إنك بعت إحدى الحلى الذهبية لأمنا في حين إنك خسرت حقك و إرثك بسببي ..
قاطعها بقلة حيلة
"ذلك لا يجعل الأمر أفضل..وهج..
نافضا مشاعره المتأرجحة بين ألم و ذنب، يقدم الكوب الصخم الملون بألوان سعادتها إليها
"لقد ابتعت من كل ما وجدت، ثم خفقته لك كما تحبين..
انبسط ثغرها بحلاوة متسائلة
"و هل تعلم ما أحب!!؟؟
تنفس ببطء يميل ليضع حِمله على المنضدة أمامه
"بالطبع.. كنت أعلم ما تحبين لأبغضه "
انزوت ابتسامتها حسيرة.
"أنت تمنحني أعلى من قدري من نور، أنا لست ند لك لتبحث خلفي، و تتحرى عما أحب و أكره"
رفع عويناته على جبهته يعتصر عيناه بتعب
" انا لم أكن أتحرى خلفك، فقد قامت أمي بما يجب نحوك، تخبرني عما فعلته وهج معها في غيابي، و عما تفضله وهج، و عن المشترك بينها و بين وهج..
تبسمت لذكرى والداتهما
"و انت!!؟!؟
"كنت أستمع بالطبع لخاطر أمي، و أبغض و احرم على بيتنا كل ما تحبيه و تفضليه"
ابتسمت بمشاكسة تواري ألمها
"تلك طفولية نور، و أنا الطفلة هنا لا أنت..
تأملها بنظرات تائهة مرتبكة ككل ما يخصهما
"أنا فقط كنت أقطع السبل على أمي، و أخنق أمالها نحونا...
تناول الكوب الملون يقربه من فمها
"هيا تناولي عصيرك…
نور يسقيها هي،  ما تحب بيديه، تلك دعوات والدته بالتأكيد، أن ترى نعيم الدنيا، و على ما يبدو قد اُستجيب لها..
أشارت بعينيها مغيظة لما يفعله
"يبدو إنك عرفت الكثير عما أحب، لكن لم تعلم شيء عما أكره"
يخرج العديد من قطع الشوكولا وغيرها ،ليتقلص وجهها باشمئزاز
" انا اكره الشوكولا ،اشعر بالغثيان بعد تناولها".
عقد حاجبيه باندهاش ، يزيح كل ما اخرجه جانبا
"هذه سابقة ،لم اسمع بها من قبل ...لقد فكرت أن الشوكولا هي عشق النساء..
ابتسمت بحالمية واهنةتعزف حروف الكلمات على اوتار قلبها
"نور...نور يفكر بها هي كامرأة"
اتجه اليها بكامل جسده ،يجتذب إهتمامها إليه ،يحوط كفها العليل بقبضتيه ،و قد كست الجدية نبراته
"انت ستسمعين الأن ،و ستنصتين الي بكل جوارحك ،لن تقاطعيني ،لن تبرري لي ، فقط حين أُنهي حديثي يمكنك الكلام ..
هزت رأسها بطاعة ،سبقتها اليها نظراتها
"منذ وطئت قدمك منزلي ،تجسد فيك كل ما كرهت ،فقد ارتبط وجهك تلقائيا في قلبي و عقلي بتلك الفترة الحالكة من حياتي ،
بعذاب امي و بكاءها ،بذل ابي تجاه امك، و تجبره تجاه امي ،بقسوة امك و فجورها ..
تشنج جسدها تتوه هي الأخرى في تلك الذكريات الضبابية المموهة دائما بسواد حالك ، حين قررت والدتها ان اختها المريضة ،بحاجة اليها ،و قد تكاثرت عليها الأمراض ،حتى اجهز عليها قلبها ،و اضحت طريحة الفراش ...
دهشت يومها بل فعليا سقط فكها ،و أمها تحزم كل ما يخصهما ،و تترك منزلهما المستأجر لصاحبته ،بعد ان اعتصرت المرأة لتمنحها ثمن ترك المنزل الذي سيدر عليها الكثير طبقا لقوانين الإيجارات الجديدة ،بعد ان كانت تستأجره منها برخص التراب ..
كانت تحدثها طوال الطريق، يتلون حديثها بحقد و حسد لم تستطع اخفاءهما ،عن خالتها الثرية ،التي حازت على كل شيء رجل ثري يحبها ،و ما يوفره لها من معيشة تحلم بها اي امرأة ،و عن انجابها لصبي عكسها هي ،ثم طغت الشماتة و التشفي على حديثها ،و هي تخبرها عن مرضها الذي اضحت لا تغادر فراشها و غرفتها بسببه ،بل اصبح الحديث عبء و جهدا زائدا عليها.
ثم ختمت حديثها ،عن دورها الذي حان لتسترد حقها ،و تحوذ ما تستحقه ...
صاغ افكارها لعبارات تقطر الم و قهر
"كنت أراها تتودد لأبي ،تتحين خلواته تسلب عينيه بقطع الملابس التي نسيت ارتدائها ...
"كم من المرات تلوث سمعي لصوتها المغوي ،انت تستحق امرأة بحق ،رجل مثلك يستحق جارية تحقق امانيه ،تكن تحت امرته ،
نبيلة صارت شبح امرأة أنت لن تظلمها ،ستظل في دارك ،لكن هي تظلمك بتمسكها بك...
اسودت نظراته بقسوة اعتادتها لكن بإتهام متواري تلك المرة
"و أنت أيضا لم تكون يدك نظيفة...
كنت أرى عاجزا  خطواتكما نحو ما خططت إليه..
رمت تحذيره جانبا تهمس بوهن تبرر بضعف، تشكو حالها عله يتفهم
"هل تعرف أبي نور؟؟
هز رأسه بنفي صامت لتوصل ما انقطع
"أبي كان مسكين جدا، حنون جدا، مريض جدا،  و فقير جدا،  و الاخيران بالطبع بفضلها...
بكت تنهش ذاكرتها صورة والدها الهزيل، و قد أكله المرض و أجهز عليه عدم الإهتمام، تمنعها أمها من الإقتراب منه خشية العدوى المزعومة، لولا لقيمات كانت تقتطعها هي من طعامها القليل تدسها بفمه في غفلة والدتها لمات جوعا..
لم ترفع يد تمحي قطرات عيناها الملطخة بسواد ذكراها، لم تعتد أن تمحو دموعها تستنكر ذلك متعجبة
" هل يزيل المرء بيديه مصدر راحته!!!
هل تجروء على محو أنقى و أطهر ما تملك!!!؟
دموع نظيفة تماما لم يخالطها فسق و لم تشهد على فجور
"كان يتوسلها شربة يخفف بها من علقم ما تذيقه إياه
.تبرد ما يغلي به جوفه، فتمنحه اياها بأقذر صحن، كانت قد خصصته لإصطياد الفئران و وضع طُعمها المسموم به..
افترش الألم وجهه، و جعل واجهته عيناه التي تلونت بالوجع و شفتاه التي تقوست بإشفاق
التقمت ذراعاه  كتفيها الهزيلة المتراخية مواسية  ، لكنها لم تنتشلها من أمواج حزنها و شقائها و هي تهمس كمن يشكو موضع ألمه
" كانت تدفعه بعصا خشبية رفيعة حتي يصل إلى يداه على فراشه الأرضي، فتمتد أنامله المرتعشة بقهر للصحن يريق أكثر ما فيه حوله و عليه، و لا يصل لحلقه إلا الكفاف...
تبرق عيناها بتشغي و تتمتم شفتاها بغل
"جعلها الله أخر ما تتزود به من دنياك"
فتتوه عليها نظرات أبي التي انهكها إرضائها قبل مرضه
و يسقط ظهره لا يحنو عليه إلا حشوة القش التي حشت بها فراشه، وظلت هي ما تضمه حتى ضمه الموت مواسيا، معتذرا، بعد أن تيمم الحائط المجاور له، لصلاة العصر...
و حينها شيعته بزغاريدها ترد على أعين المشيعين الزاجرة
"أن الموت راح لأمثاله..
رفعت سواد عيناها المماثل للون ما عاشته
"هل تظن أنه كان بإستطاعتي رفض أمر لها،  هذا دون محاربتها نور!!!!
حطام كلمة مبتورة مستنكرة تمردت على صمته
"و أنا!!!!! ما ذنبي؟؟
طافت ذكراه ،امام عينيها منزويا في ركن غرفة مظلمة يبكي ،يبكي و كأن هناك من يهدم دنياه حجرا حجر على رأسه ،يبكي  متواريا ثم يشد عضد نفسه بنفسه ،لمواجهة ابيه
"ابي، اخرج تلك المرأة من بيتنا "
انتفخت اوداجه بغضب ،يحرضه شعوره المتواصل بالذنب
"تلك المرأة هي خالتك ،اخت والدتك ،تحدث عنها باحترام ...
قاطعة و قد انهكه الصمت على ما يرى
"اخت والداتي ،التي كانت تحضك بالأمس ،و هي شبه عارية ،على طلاق امي ،كي تنعم معها بما تريد ...
يردف ساخرا ،و صدى كلماتها يتردد في ذهنه
"فهي لا تستطيع ان تفعل ما يغضب الله ،الطاهرة التقية ،تتسلل في انصاف الليالي الى غرف الرجال خوفا على شرفها ..
كانت صفعة هي ما ناله ،و قد اخذت والده العزة بالأثم....

برقت لها بنصر عينا تلك المتلصصة ،و سقط لها قلب الأخرى ،التي كانت تعلم صدقه ،و تناصره بصمت في حربه ،و لكن قد وضعت الحرب اوزارها ،و اعلن النصر بكلمات مقتضبة مسومة بخذلان و طعنات غدر
"لقد طلقت والدتك صباحا ،و هي على علم بذلك ،و سأعقد على خالتك اليوم ،فقد تكاثر حولنا القيل و القال ،و يجب ان اكفيها هذا ،فهي مشكورة تخلت عن كل شيء لتقوم بخدمتنا ،و العمل على راحتنا ،علاقتي مع امك ستظل كما هي ،فهي ام ولدي ،و اخت زوجتي ....
تلك النظرة الذاهلة المهزومة في عينيه مازالت تؤرق مضجعها حتى الأن ،تلك المحاولات الفاشلة في البحث عن الكلمات ،فتهرب احرفه متفلته لا يستطيع ان يتشبث بمقطع منها ،يده التي رفعت دون قصد و لا هدف ،لترد عن امه ،و لكنها كجميع ما حوله تسقط متخاذلة بجانبه ..
" لقد ذبحتما أمي..خالتك حية..
🌞🌞🌞🌞🌞🌞🌞

وهج نور "كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن