الفصل الرابع

5.3K 174 7
                                    


تنفس يكتم بصدره كل ما هاج بخاطره من ألم وعذاب، يغلهم بقيود الذنب تجاهها و الألم لما وقع لها من تحت رأسه
"أنا لست ملاك وهج، لقد حاك فعل أمك الكثير من الوساوس،  و البغض،  اصابني بالمرض،  اصبحت اتحسس حتى من رؤيتك، فكلما رأيتك طفح ذاك السواد بقلبي،  لكني لم أظلمك
يشهد الله أني حاولت،  مراعاتك أولا لرحمنا و ثانيا لأمي
قاطعته بائسة تتلمس عذرا أو مواساة له
"أنت لم تظلمني، لم....
قاطعها تبرق نبراته بحقد قد تناسه و ردم عليه بتوبة
"لقد إقتات ما فعلته بك على ضميري و قلبي،حتى كدت أضحي بحياتي في سبيل التكفير عنه، لولا عودتك التي كرهتها، لألتف حبل الذنب حول عنقي حتى ألفظ أخر أنفاسي..
احتضن نحولة وجهها بين أصابعه
"سأمنح نفسي السلام، و أمنحك الغفران وهج، لن أعدك بشيء سوى، أني سأقتنص فرصتي الثالثة التي منحني إياها القدر، علها تشفع فيما سببته لك"
ابتسمت فكانت بسمتها في عينيه بعذوبة الماء الطهور
"و تقول أنك لست ملاك؟!!
مالت شفتيه بسخرية
"انت تظنين ذلك فقط، كونك لم تعاشري سوى الشياطين،
و الأن سنترك كل ما سبق بجانب ما مضى، أنت لم تفكري سوى بشفائك،و تعافيك..
ابتلعت ريقها بمشقة تجاهد لتشق عما بصدرها
" إذن لنتحدث عن كل شيء،  و أخبرك عما حدث تلك الليلة..
اشتدت قبضته حول وجهها و أظلمت عيناها
"لااااااا،  اتركي الأمر على ما عليه،  أرجوك"
أرادت أن تقاوم، أن تدافع عن نفسها و شرفها
"لكن نور...
أراح ذراعيه على ركبتيه
"دون لكن وهج..... امنحيني المزيد من الوقت أرجوك، فقط المزيد من مسامحة النفس... لأتحمل عبء ما ستلقيه على كاهلي"
صمتت توازن ما تشاء، و ما يريد، خوفها من رد فعله، من تكذيبه لها، رجح كفته، فهزت رأسها بموافقة مشروطة إلى حين...
ٍ●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●
"لم أنت صامتة؟؟
رفعت وجهها إليه تجيبه ببساطة
"لا أعلم، لقد أعتدت الصمت، يبدو إنه يناسبني أكثر من الكلام
"
لامس الذنب قلبه،منذ محنتهما الأخيرة لم يتبادلا الكثير ثلاثة أشهر يحاول أن يخفف من تلك الهالة السوداء المحيطة بعلاقتهما، أن يداوي الندوب الحية، لكن خوفها أم أعتيادها إقتصاره و الإبتعاد عنه يقيد ما يقوم به  ، قطعت سبيله بسؤالها
"نور لمَ تصر عليَّ أن أبقى بغرفتك؟؟
إرتبك يبحث عما يجيبها، هل ستتهمه بالصبيانية كما فعلت
من قبل، هل لو أخبرها أنه بات يخشى أن يصيبها مكروة و هي بعيدة عن عينيه، أنها أحكمت الوثاق بمرضها حول ضميره حتى بات يحرمه النوم، يصور له أنها ستغادره نائمة مثل أمه بعد أن يمزق حزنها و بؤسها نياط قلبها..
"فقط لأطمئن عليك، قد تحتاجين لأي شيء ليلا، ثم إن هذا هو الصحيح على كل حال"
رفعت حاجبيها توافقه بعدم إقتناع
"كما ترى..
أضافت تمازحه و قد كدرت مزاجه بسؤالها
"يبدو أن شخيري لا يزعجك"
ابتسم يتذكر معاناته الليلية مع جيوبها الأنفية
"لا... أنه مهدأ فعال لأعصابي يخبرني إنك بخير"
همهمت تعي ما يحاول مداراته
"نور أنت تبالغ قليلا، أنا بخير، لن يصيبني شيء أثناء نومي كأمي"
سبقت كلماته حكمته
"و ما أدراك؟؟؟ لقد مرض ذراعك أثناء نومك؟؟
أجابته ساخرة
"شكرا لك، تفاؤلك مثير للإعجاب يا دكتور"
"أنا لم أقصد، فقط ليطمئن قلبي، ثم....
قطع حديثه خجلا لتحثه على الأستمراى بعلامات الإستفهام المرتسمة على وجهها
"أنا أعلم إنك تكرهين تلك الغرفة، و أن كل ما جدار يربطك بذكرى من أمك..
لم تسأله عن مصدر علمه، فهي تعلم أن لا أحد كان يستمع إليها و يهتم بما تقول إلا والدته.....
...............................
تنهدت تعود لما يؤرق عقلها
"ماذا عليها أن تفعل؟؟؟
تعلم دافعه جيدا، وسوس لها هواها
'لكن ربما دفعة صغيرة من جهتك، جهد للتقرب منه قد يغير الموازين.. 
لتنفض خواطرها فهي ببساطة
"لن تفعل شيء ، ستترك له ذمام المبادرة كعادتها ،هو لن يظلمها هي تعلم ذلك، حتى لو كان ما سيفعله بدافع الشفقة ،فهي اكثر من راضية ..
ظلال ابتسامة تمددت على شفتيها، لتتذكر مقدمة البرنامج الذائع السيط التي تتابعه ، لو علمت بقرارها و رضاها لما يحدث لأصيبت بالفالج ،و لحرضتها على الطلاق ،و لكن أي نصيحة تنتظرها من من لا يعلم عن ملابسات حياتها شيء ،عن معاناتها ،فقط ستنصحها بالإبتعاد و التظاهر انها صلبة قوية ،أن تذهب الى عملها و تظهر لا مبالاتها ،لتلتقي مساء بصديقاتها ترسم إبتسامة واثقة على شفتيها، تتخلى عن حياة بأكملها ،دون محاولة لترميمها ،و بث الامل بها ،و لمام شتاتها فقط لتتظاهر بالقوة و ترسم إبتسامة .....
"ما سر هذه الابتسامة صباحا!!؟
التفتت اليه بدهشة تتسأل
"آلم تذهب الى عملك ؟لقد تأخرت كثيرا...
"ذهبت باكرا و حصلت على إجازة طويلة سنقضيها معا"
عقدت حاجبيها بدهشة
"نقضيها معا ...
"ما رأيك ان نسافر عدة أيام خارج البلدة؟؟ "
تطالعه و قد اضحت معالم الدهشة معلم من قسماتها
"نسافر!!!!!!!! لماذا ؟
رفع حاجبيه باستفزاز
"لماذا يسافر الناس؟؟؟ لتغيير الجو ،للاصطياف ،للنظر الى البحر "
رفضت بنبرة قاطعة
"لا انا أكره السفر ،و لا أريد النظر الى البحر ،أنا سعيدة هنا جداا معك في بيتنا "
هي خائفة يعلم انها خائفة ،و هو اكثر قلقا و حيرة
"لما لم تتحسن حتى الأن، هل مازالت تخشاه؟ هل مازال هناك ما يؤرقها؟ هل قصر تجاهها ؟
لقد داوم على تلك التمارين العضلية البسيطة معها، رغم تذمرها، بحث جيدا و قرأ عن طبيعة الأمراض الهيسترية، و إن العقل الباطن و اللاوعي قد يحرضهما الدلال دون قصد على التمادي، لكنه لا يملك من الأمر شيء، لقد ظلمها كثيرا، عاقبها على جرم لم تقم ، و أخيرا تسبب فيما تعانيه، فكيف يظهر اللامبالاة او التعامل الاعتيادي!!!!.
،تلك الخصلات الحريرية المتدلية على جانبي وجهها النحيل ، تلك العينان الاكثر سوادا و عمقا تأسر في عمقها بؤس و جرح يتخطى سنوات عمرها بكثير ،ضغط على شفتيه بندم ،هو جزء أصيل من ذلك البؤس ،هو سبب رئيسي في ذلك الجرح ،هذا البيت هو أمانها ،هو ملجأها ،حطت تلك الذكرى السوداء على مخيلته
حين طردها بعد موت والدتها من المنزل ،لتعود إليهم بعدة عدة أشهر قبيل الفجر و قد....
هز رأسه منتفضا ،ينحي تلك الظلال الحالكة جانبا ،لقد كفر عن خطيئته، لقد حماها و حافظ عليها على الرغم من بغضه لوجودها ،على الرغم انها جزء من قهره و ألمه و عذاب أمه ،فقد كفى معها و وفى ،هكذا كان يظن ،هكذا كان يريح ضميره ،حتى حدث ما حدث ،لقد قسم وجعها ظهره ،هي وصية أمه ،هي تلك الروح المواسية لوحدته ،كان يخرج إلى عمله، يعلم أنه سيعود ليجدها بانتظاره متوارية ،أعدت طعامه ، هيأت أسباب راحته ،هي دائما موجودة ،أنفاسها مختلطة بأنفاسه ،كل ما يملك يحمل لمساتها ،هكذا تعود ،و تأقلمت روحه .
  "كما تحبي ،أنا أيضا أُفضل ذلك ، فقط سأذهب الى المكتب مساء لبعض الوقت ،ثم أعود إتفقنا "
هزت رأسها بموافقة حائرة، نعم عمله بالجامعة لا يدر عليه ما يكفي، لكنه إعتياد و تمرس كما علمت، لحين إنتهاءه من رسالته، ثلاث سنوات مرت على رنين الفخر بصوت والدته   و هي تتعجب متسائلة أن هناك ما يستحق كل هذا الوقت و العناء
"ماذا يعمل نور يا أمي ؟
لتجيبها بفخر
"هو معيد بالجامعة ،قريبا سيحصل على الدكتوراه و يصبح دكتورا جامعيا ....
لتتسع عيناها بدهشة
"هل سيعالج المرضى في الجامعة فقط ؟
لتمسح على رأسها بمحبة ضاحكة
"لا بل سيدرس لهم في الجامعة "
مزق حبال أفكارها، حين همس باشتياق مزج بندم
"لقد اشتقت لطعامك كثيرا، لم أشعر بالشبع منذ توقفت عن تناول ما تصنعه يداك ...
بهتت من تلك النبرة الصادقة التي دغدغت أحاسيسها
"انا لم أعلم أبدا أن طعامي يروق لك، كنت أظن إنك فقط تسد رمقك بما يتوفر ..
التوى ثغره بسخرية مريرة
"و أنا كنت أظن ذلك، حتى حرمت منه، حتى طعامك ممزوج برائحة أمي، لقد ذقت الحرمان مرتان مرة حين مَرِضَت أمي و عجزت عن القيام بالأمر ،فاعتدنا و أبي طعام المطاعم ،كانت تبكي كلما اشتهينا صنع يديها تواسينا
"على عيني، حين يكتب لي الشفاء سأعوض عليكما، أنا أعلم أن  أطعمة  الخارج لا تشبع جوع و لا تقيم صلب، إسألا الله لي العافية..
كانت تتلوى أحشائي لحزنها علينا، و ها أنا أذق مرارة الأمر مرة اخرى على يداك أنت ..
رفعت أهداب تعلقت بهما دمعات لم تستطع ردعها
"انا أسفه، اعدك أنه حين يمن الله علي بالشفاء، سأطهو لك كل ما تحب .....
بحنان يحتوي قسماتها
"أنا الأسف صغيرتي، أنا الأسف صدقيني...
صاح بحماسة، ينحي تلك الاجواء المحبطة جانبا
"و الأن ما رأيك ان نتناول طعامنا بالخارج ، ثم نذهب لشراء ملابس العيد..
إتسعت عيناها لا تصدق إقتراحه
"حقا، هل سنذهب معا، و سأنتقي ثياب العيد..
موافقة بالطبع، لكن لنتناول الطعام هنا، انا سأشعر بالحرج حين تساعدني في تناول الطعام بالخارج..
●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●
طفلة ،طفلة أبصرت الدنيا حديثا ،فراحت تزوغ ببصرها هنا و هناك ،تختزن تلك المشاهد الملونة المبهرجة ،تشير بإنبهار إلى اللافتات المضيئة ،يسقط فكها لرؤية الاجساد الملتفة بأبهظ العلامات التجارية ،الأحذية العالية الكعب التي تجعل صاحبتها تتمايل و كأنها على ساحة رقص ،تلك الخصور العارية ،متى أصبح العري اناقة لا تعلم!!؟ فتحت عيناها على اتساعها
ليلتقط ذهولها متسائل
"ماذا هناك ؟
اشارت بدهشة
"تلك الفتاة لا ترتدي سوى بلوزة فقط....
إلتقط إصبعها ينحيه جانبا بخجل
"توقفي وهج .... ما شأننا نحن ؟ ثم انها ترتدي هوت شورت هو قصير جدا ،لذلك اختلط عليك الامر
رفعت حاجبيها بغيظ
"ما شاء الله ،نظرك ثاقب ،التقط الشورت القصير جدا ،من اسفل البلوزة ..
أجاب ضاحكا
" أنت من لفت انتباهي ....
وقفت و قد اشتد سخطها
"إذا كنت أنا لفت انتباهك ،فيجب عليك ،أن تغض بصرك ،لا أن تمشطها من أعلى و أسفل ...
هاتفا باستنكار
"انا مشطها ،وهج ،مرري يومك ،ثم و ما شأنك انت مشط ام دققت ،ما دخلك؟؟؟؟
جزت على أسنانها بغل
"دخلي اني هنا لاختيار ملابس العيد الخاصة بي ،إنك اصطحبتن الى هذا المكان ،لأكون مسرورة ،لا لتحرق دمي بنظرك الى النساء اللاتي نسين إرتداء ملابسهن"
أشارت إلى إحداهن
"ثم بالله عليك كيف استطاعت هذه ،أن تدخل هذا البنطال في ساقها ،ان الخياطة على جانبيه تصرخ مستغيثة ..
"ها قد عدت ،و إذا نظرت أنا ،اصبح متحرش ،ذو عين زائغة ...
أحمر وجهها لكلماته
"هل أتيت بي الى هنا ،لأنتقي ثياب العيد!!؟؟ أم ثياب داخلية؟؟ ....
اتسعت عيناه ملتفتا إلى جانبيه
"سأقطع لسانك إن لم تخرسي الأن ،أمشي صامتة تماما أمامي "
التفتت أمامها على مضض ،تدمدم بعض الكلمات ،التي لا يستطيع التقاطها ترجو من ورائها فقط تكديره .
●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●
ولجت إلي غرفة المعيشة ترمي بنفسها الى اقرب مقعد إليها  تخلع حجابها ، ليعقبها ينظر إليها شزرا ،على وشك خنقها.
"هل أنت صغيره ،لما حدث بالخارج ؟؟! ما هذه الفضائح ؟
ها قد ذهبت السكرة ،و حضرت الفكرة ،أدارت عينيها ،تلتقط شفتيها بين أسنانها تبحث عن مخرج ،فبالطبع لن تقول له
"أسفه نور ان قلبي كاد ان يتمزق من الغيرة ،و كنت على وشك الفتك بك ،و فقأ عينيك فقط حتى لا ترى اطباق المهلبية ،و الارز باللبن التي كانت تغدو و تروح أمامك "
همست و هي تزوي بين حاجبيها
"اسفة "
ألقى مفاتيح سيارته بحدة  صائحا
"اسفه ،على ماذا بالضبط ،على تطاولك علي ،ام صياحك وسط المجمع التجاري ....
ابتسامة حاولت التملص بين شفتيها ،تصارع لابتلاعها
تتذكر تلك الممثلة الكوميدية و جملتها الشهيرة
"ما قولنا سوري بقى متقرفوناش في عيشتنا "
احمرت أذناه وقد استشاط غضبا، يرى أثر الضحك على وجهها
"هل أقول ما يضحك!!!؟؟ هل تسخرين مني؟؟!! ...
اصطنعت الجدية ترسم الحزن على وجهها
"أنا فقط تذكرت خوفك علي ،و محاولتك التخفيف عني ،حتى اشفى سريعا ،فابتسمت "
وقع نظره على ذراعها بجانبها ، فانحسر غضبه ،يلوم تسرعه في السخط عليها ،و قد كان كل ما يصبو اليه الترفيه عنها .

علمت إنها نجحت في تشتيت سخطه ،فاستغلت فرصتها كاملة و هي تحاول خلع بلوزتها الطويلة ،في محاولات ارادتها يائسة ،فأسرع اليها يمد يد العون ،التي التقطها هي سريعا ،فاقتربت منه تهمس بدلال
"انا اسفة "
ارتبكت نظراته ،و تبعثرت كلماته ، و هي تواجهه بهذا القرب لأول مره ،يتطلع الى تلك العينان التي تبثان إليه حديث لم يحسن فك شفراته ،الى ذلك الثغر الممتلئ الذي يغويه بدعوة لا يعلم فحواها .
انتشت انوثتها ،و قد وجدت مرد تأثيرها به ،غنت حواسها ألحان النصر ،و هي تشعر باستجابته لها .
دفعها ببطء مرتبك
"فقط لا تكرري ذلك مرة أخرى، و الأن الى غرفتك..
تشعر بالخيبة، هزت رأسها مبتعدة، غافلة عن التخبط والقلق الذي وضعت بذورهما بقلب و عقل من خلفته وراءها ....

وهج نور "كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن