9

50 8 4
                                    

9 September 1944

" فاجأني إيرنست بدخوله للخيمة حامِلًا الرسالة، مع تعابير لطيفة بشكلٍ قاتل، بيد أنه فقدَ ذراعه بسببي إلا أن ذلك لم يضع بيننا حاجزًا أبدًا، في البداية لم أعلم ما الذي يجب عليّ التفوّه به، لكن عندما بلغت الحرب ضراوتها، وقُتل العديد والعديد، قررت ألّا أخسره أكثر من ذلك وتحدّثت معه في نهاية ذلك اليوم، كان يومًا قاسيًا بصراحة، حيث أننا فقدنا زمام الأمور أكثر مما حدث بعد سحب اليابان لكم، واستحلّ الأمريكان القذرين باريس كاملة فلم نستطع التصدّي لهم كثيرًا، وبالرغم من اننا قتلنا العديد منهم إلا أن خسائِرنَا كانت تفوقهم بمئات المرّات، لم يتبقى يومها سواي وإيرنست، وفرقة الدبّابات، أمّا البقية فإمّا ماتوا، وإمّا انسحبوا مع الجينرال، كانت الخطة أن يذهب فريقٌ ثم الآخر، حيث يجب علينا نحن الفريق الثاني أن نحمي ظهر الفريق الأول، والذي يحمل بداخله الجينرال..

بقينا يومها في كنيسةٍ مُهترِئة، أجساد رفاقنا كانت على بعد خطواتٍ منا، ولم تُغطّهم، أو بالأصح، لم تُغطِّ بقاياهم سِوى أقمشة مهترِئة ومُضرَّجَة بالدماء وجدناها في زوايا الكنيسة قبل ان تتدمّر، كنت أشعر بالغثيان حين تحطُّ عيناي عليهم، وفي النهاية بلغ بي الأمر مكانًا عظيمًا من الحُزن عندما رأيتُ الدموع تترقرق في عينيّ إيرنست، لقد عهدته دومًا قويًا، ولم أرَهُ مُدمّرًا كهذا سوى في آخر مرَة فقد فيها فريقه قبل أعوامٍ كثيرة من الآن، وعندما تكرر الأمر مجددًا، الآن، شجاني الأمر ولم يسعني سوى إحتضانه،

أخبرت فتية الدبابات أن يرتاحوا وسأتكفّل وإيرنست بحمايتهم، لأنهم كانوا قَد كابدوا مشقةً كاد بؤسها لايحتمل اليوم، فسلّموا أمرهم لي وخلدوا للنوم الرحيم، وبعدها أنا استطعت وبطريقةٍ ما أن أقضي الوقت في الحديث مع إيرنست الذي لم يبكِ بالمناسبة ! كان قويًا جدًا، وفي خضم إخباري لفتية الدبابات بأن يرتاحوا، كان هو قد استعاد رباطة جأشه. لقد أبهرَني بحقّ! هو عظيم وحصيف الفكر، وفقط، كالملاك!
لا أعلم كيف استطاع مواجهة كل هذه الأمور السيئة وحده..

لاحقًا وبعد ملايين الأحاديث السخيفة التي ساعدتنا في نسيان واقعنا البائس قليلًا، أمرته بأن ينام، وبعد محاولاتٍ كثيرة، انقاد لأمري وخلدَ للنوم، انتظرتُ بجانبه حتى نام، وبطريقةٍ ما شعرتُ وكأنه فاقِدٌ للوعي وليس نائِمًا فقط! أشفقتُ عليه كثيرًا، لكنني بعدها استقمتُ وحملت سلاحي لأُلقي نظرةً على الكنيسة من الخارج، كنت انتظر بزوغ الفجر وفي نفس الوقت، أتأكد من عدم وجود أعداء، أولئك الأمريكان لعنة حقيقية، أما البريطانيين فكانوا أقل قوّةً منهم، ولم نقاتلهم كثيرًا أصلًا، فقد افترقوا عن الأمريكان فلم يبقى سواهم الملاعين..

على كُلٍ، هذا كل ما حصل ليلتها.

بعدها عدنا لبرلين وانتقلنا من هناك برفقة فريقٍ آخر إلى سلوفاكيا، فيرماخت قامت بإحتلالها ووارسو، وعندها حاول الجيش السرّي البولندي ومنظمات المقاومة القومية السولفاكية الثوران ضد رجالنا هُناك، لذلك دعتنا فيرماخت وقدِمنا نحن للدعم.
لا أخفي عنك ذلك، لقد كان مُريعًا، أُمِرنَا جميعًا بقتل الكل، كِبارًا وشبابًا.
كُل من تصدّى لنا قمنا بقتله ومع الإصابات البليغة التي حدثت لرجالنا إلا أن ذلك لم يكُن أمرًا كافيًا لتراجع أوامر القائد الأعلى، وبعد هذا قُمنا بقمع الثورتين.

لأكون صريحة، لستُ أشعر بشيءٍ أكثر من هذا، كُل مايدور بي هو الإستغراب، لقد قمعت تلك الحرب مشاعري لدرجة أنني لا أعرف ماهو شعوري تجاه القائد الأعلى، وماهو شعوري تجاه من أقتلهم من شباب ورجال؟

لا أعلم شيئًا، أنا ضائعة، لكن كُل ما يهمني الآن هو حياتي، سأُبقي عليها وعلى أرواح إخوتي بكُل ما أملك من قوة،
هذه هي جميع أخباري على أيّ حال، وسأوافيك بأيّة أخبارٍ قد تحدُث لي لاحقًا،
لا تنسَ أيضًا أنِّي ضريت بحُبك، ولستُ أستطيع الإبتعاد عنك أيضًا، ويؤسفُني واللهِ أن بيني وبينك كل تلك الأشياء، لكن ما يُطمئِنُنِي هو أنّي أستحوذُ على روحك وقلبك وأنفاسك، كما تفعلُ تمامًا.
كُن بإنتظار رسالتي المُتأخِرة، وسأكون بإنتظار خاصتك،
و ابقَ بخيرٍ فلا أحدَ لي بعدك، ولم يكُن لي من قبلك .. "

- من جارڤيس شنايدر،
إلى الأوّل والأخير، ورقيق الجانب ، هاروكو موراي .

Kamikaze حيث تعيش القصص. اكتشف الآن