(الفصل الأخير)
عُدنا إلى الكوكب /
إنتهت زمردة من سرد قصة عبدالله ونسرين على مسامع أَجْوَد الذي كان ينظر إليها بملامح غير مقروءة ثم أغلقت الملف قائلة (مش قولتلك الأكلاشيه الأخير هايبهرك؟)
إرتفع جانب وجهه بشبه ابتسامة واثقة قائلاً (أنا بهنيكِ على مجهودك مع الحالات الصعبة بالذات إن نسرين كانت داخلة في مبادئ ذُهان وده علاجه أصعب من الهوس الخفيف بمراحل)
ازداد تعجبها من معلوماته عن الطب النفسي.. فكيف له أن يعرف الفرق بين الهوس الخفيف والذُهان؟ .. تلك الثقافة لا يتمتع بها إلا طبيب مُعالج .. ردت عليه بشك (الغريبة إن عبدالله نفسه ما قدرش يكتشف حقيقة مرضه إلا بعد ما خسرها وزي ما حضرتك عارف مردودات المرض النفسي بتكون مؤثرة)
عقد أَجْوَد ذراعيه قائلاً (الخلل النفسي كان منطقي للحالتين لأن البارانويا من الأعراض المركزية للذُهان)
سألته بمكر (وعرفت منين إن عبدالله بارانويال؟)
ضحك قائلاً (عشان أنا اللي تابعت حالته لحد ما اتعالج)
شهقت قائلة بمفاجئة زائفة (تصدق فاجأتني يادكتور؟)
توقف عن الضحك بشق الأنفس قائلاً بثقة (على فكرة أنا قصدت أرميلك كام كلمة عشان تفهمي إني دكتور)
أمسكت بالقلم الموضوع أمامها توجهه نحوه كالمسدس قائلة بنظرات ضيقة (فهمني إيه الحكاية بالظبط بدل ما احطك على جهاز الصدمات الكهربائية لحد مايبانلك صحاب)
جذب منها القلم ثم صافحها قائلاً بمرح (دكتور أَجْوَد فرحات أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس).. ثم ابتسم متابعاً بترقب (والطبيب المعالج للأزواج الأربعة)
تصلبت أنظار زمردة عليه لثواني قبل أن تسحب كفها من بين يديه متسائلة بعدم فهم (طبيب معالج لمين؟)
تناول الملفات الموضوعة فوق سطح المكتب قائلاً (للأربع الملفات دول)
صكت أسنانها بغيظ (وليه كذبت عليا وقولتلي انك محامي؟)
أجابها بجدية (عشان ماينفعش أجيلك كزميل وأقولك إشرحيلي حالات المرضى بتوعك...)
قاطعته بغضب طفولي (وينفع تخضني الخضة دي؟.. أنا طول القعدة خايفة من موضوع القضايا وبفكر هايسجنوني كام سنة)
لم يستطع أَجْوَد منع نفسه من الضحك مجدداً أمام ردة فعلها اللذيذة قائلاً (ما كانش فيه حل قصادي غير إني أمثل عليكِ)
رمقته بغيظ قائلة (ممثل فاشل)
أرجع ظهره للخلف رافعاً ساقه فوق الأخرى قائلاً (بس دكتور شاطر)
خبطت بكفها على سطح المكتب قائلة بحنق (إنجز وقوللي إيه الحكاية)
انتفض بخضة طفيفة قائلاً (مش أسلوب دكاترة ده على فكرة) .. ضيقت نظراتها بحركة تحذيرية ولم ترد بينما أمسك هو بأحد الملفات ليفتحه متابعاً بجدية (أول حالة جاتلي المركز هو أيمن زوج هالة.. كان بيعاني مبادئ متلازمة cotard delusion أو الجثمان السائر.. طبعاً إنتِ عارفة اللي حصل معاه وللأسف بعد ما مراته سابته وطلبت الطلاق صحته النفسية إتأثرت بشكل كبير جداً).. صمت لثواني يرتب أفكاره وأضاف (صدماته كانت قوية.. أولاً موت بناته وبعد كده موت أخته وإبن أخوه وأخيراً حسم هالة لموقفها إنها خلاص هاتسيبه وهاتروح لغيره.. كل ده خلاه يحس إنه لوحده وبدء ينكر وجوده ويتوهم إنه مات..ولحسن حظه إن أخته الصغيرة زميلة أختي فالجامعة وهي اللي شرحتلي حالته و قدرنا نتجاوز الخطر لأن المتلازمة كانت لسه فأولها) .. عقد ذراعيه مستطرداً (واتحسن بمضادات الإكتئاب وجلسات الاستجواب وحالياً بيمارس حياته بشكل طبيعي إلى حدٍ ما)