أجفلت زمردة مما سمعته على لسانه وتناولت الملفات تفتحها واحداً تلو الآخر وحدقتيها تتسع بمفاجئة قائلة (مش معقول... أربع قضايا مرة واحدة)
قاطعها أَجْوَد بترقب (الأربعة بيتهموكِ إنك السبب في تمرد زوجاتهم ومساعدتهم على طلب الطلاق)
أكملت زمردة مطالعة الأوراق متسائلة بحيرة ( يعني القاضي هايحاكمني بتهمة إيه مش فاهمة؟)
ارتفع جانب وجه أَجْوَد بشبه ابتسامة حاول اخفائها قائلاً (النصب والتحريض على نشوذ الزوجات)
رمشت زمردة قليلاً ثم سألته بعدم فهم (نصب؟!)
أجابها أَجْوَد بإقرار (هم مصرين إنك نصبتِ على ستاتهم وأخدتِ منهم فلوس مقابل جلسات تأهيل نفسي كانت نتيجتها خراب بيوتهم)
أرجعت زمردة ظهرها للوراء قائلة بثقة (أولاً المركز مُرَخَص وأنا طبيبة حاصلة على دكتوراة وماچستير في التأهيل النفسي.. ثانياً زوجاتهم دفعوا فلوس مقابل خدمة طلبوها وقراراتهم بالإنفصال ماليش دخل فيها)
تلفت أَجْوَد حوله يدقق النظر في تفاصيل المكان ثم قال (مش ملاحظة إن ألوان وديكورات المركز طفولية شوية؟)
ردت عليه زمردة ضاحكة بتهكم (وهو فيه قانون بيمنع استخدام اللون البينك في الديكورات لا سمح الله؟)
ضحك أَجْوَد رغماً عنه قائلاً (لا مفيش بس انا حاسس إني واقع في باكو لبان)
رمقته زمردة مبتسمة بسخافة قائلة (قديمة أوي القلشة دي.. فيه جديد نزل السوق ابقى إسأل بدل ما انت نرم أوي كده)
تعالت ضحكات أَجْوَد قائلاً (أنا مش نرم والله بس الجو هنا ريحته زبادي بالفراولة جداً)
ضغطت زمردة بإصبعي السبابة والإبهام أعلى أنفها لتضبط انفعالاتها حتى لا تقذفه بحافظة الأقلام الموضوعة أمامها قائلة بثبات منافي للموقف ( مش المفروض إنذارات القضايا دي تتبعت عن طريق مُحضر .. غريبة يعني ان محامي الخصم يجيبها بنفسه)
توقف أَجْوَد عن الضحك بشق الأنفس فتلك الجميلة المشاكسة تستحضر روح الدعابة بخفة ظلها يقول بهدوء (عايز أعرف ليه الستات دي طلبوا الطلاق وإيه الدوافع اللي تخليهم يقرروا يهدوا بيوتهم بالشكل ده.. ويمكن دي محاولة مني لحل الأمور بعيد عن المحاكم والقضايا)
عقدت زمردة ذراعيها قائلة بثقة (كل ملف من الملفات دول جواه حكاية مختلفة).. أمسكت واحداً منهم بشكل عشوائي وفتحته ثم قالت (عندك مثلاً أستاذ أيمن ..راجل ربنا كرمه بزوجة محترمة وجميلة .. ست بيت شاطرة وبنت أصول.. للأسف وصلت لحالة نفسية صعبة جداً أنا سميتها " متلازمة بيت العيلة")
*****************
أمام إحدى قاعات الأفراح متوسطة الحال كانت تقف السيارة المزينة بالورود في انتظار خروج العروسين بعد انتهاء حفل زفافهما الذي انتظراه طويلاً بعد قصة حب دامت لأعوام.. وأخيراً ظهرت العروس بفستانها الأبيض الضخم وحجابها الأنيق المُرَصَع بحبات اللؤلؤ الصغيرة اللامعة تتأبط ذراع زوجها بملامح واجمة.. يجاورها من ناحيتها شقيقة العريس تزغرط بشكل مبالغ فيه ومن الجهة الأخرى تقف حماتها راسمة ابتسامة غامضة فوق وجهها تخفي وراءها الكثير أما عن ذويها وعائلتها فيأتون في المؤخرة وكأنها سُلِبَت منهم وبدت كمن تُساق لمصير مجهول.. وبعد توديع العروس لأهلها انطلقت الزفة نحو (بيت العائلة) الذي يحتوي على عشهما الزوجي.. وبالطبع أصرت والدة العريس أن تركب بجوار ولدها مصطحبة ابنتها الصغرى المُدللة لتحتل الكرسي بجوار السائق في مشهد زاد من اختناق الأجواء التي بالكاد مرت بسلام .. وبعد وقت ليس بقليل وقفت سيارة العروسين أمام منزل كبير بإحدى القرى التابعة لمركز من مراكز الجمهورية مكون من أربع طوابق.. الأول للأب والأم والشقيقات الإناث.. والثاني لشقيق الزوج وزوجته.. والثالث للإبن الأصغر وعروسه المنتظرة أما الرابع فكان غير مُجهز وتستغله الأسرة في تربية كافة أنواع الطيور كحال معظم بيوتنا المصرية.. ترجلت هالة بخطوات حذرة تنظر حولها بخوف طغي على فرحتها بتحقيق حلمها بالزواج من حب عمرها (أيمن) .. زميل الدراسة الذي لطالما كافح ليتوج علاقتهما بالزواج وتصبح حلاله أمام الله والجميع.. سبقهم الأهل للداخل مابين متذمر وحاقد ومتعرج في خطواته أثراً لألبسة السهرة الضيقة والأحذية المرتفعة وقبل دخول العروسين اتجهت والدة أيمن نحو شقتهما لتفتحها وتقف أمامها راسمة ابتسامة غريبة فوق وجهها.. أسندت ظهرها على إطار الباب رافعة ساقها الآخر بمحاذاة جسدها بزاوية (90) درجة تقول بلهجة آمرة للعروس (عدي يامرات ابني عشان تفضلي تحت طوعي).. نظرت هالة إليها بتعجب ثم نقلت عينيها لزوجها الذي بدا عليه عدم الرضا عن تصرف والدته الغير لائق لكنه كعادته لا يستطيع معارضتها وحث زوجته على طاعتها لينتهي هذا اليوم ويستطيع الانفراد بها.. ابتلعت هالة ريقها الجاف وانحنت بجسدها لتمر من تحت ساق تلك المرأة غريبة الأطوار .. اعتدلت الحماة تمسك ظهرها متأوهة بألم زائف (يالهوي وسطي اتقطم).. وجهت نظراتها نحو ابنها ومالت عليه هامسة بصوت تعمدت وصوله لزوجته كنوع من فرض السيطرة مبدأياً (زي ماوصيتك بالراحة على نفسك الحاجات دي عايزة تأني .. بلاش غشومية عشان صحتك ياضنايا) .. ابتعد أيمن عنها بتوتر ينظر لهالة التي تتابع الموقف بخجل وغيظ.. تتسائل بنفسها كيف لها أن تتدخل في شئ خاص كهذا؟.. وأخيراً وبعد عناء انصرفت الأم نحو شقتها على مضض بينما أغلق الزوجين بابهما عليهما وكلاً منهما في نفسه أمنية يرجو الله أن تتحقق.. هالة تتمنى مرور أمورها بسلام وتكوِّن أسرة هادئة مستقرة في ظل زوجها الذي تراه شيئاً كبيراً رغم خضوعه الواضح لتحكمات والدته متأملة النجاح في تغيير كل تلك الأوضاع المؤرقة مع مضي الأيام.. أما هو فكان يتمنى مثلها وأكثر بل يريد وضعها داخل عينيه فهي حبيبته وحلم عمره الذي عاش لسنوات يسعى لتحقيقه.. لاحظ أيمن وجومها فاقترب منها يسألها بابتسامة عذبة (حبيبي مكشر ليه؟)