عدنا إلى الكوكب /أغلقت زمردة ملف بدر ثم وضعته أمامها قائلة (حالة تغريد كانت واصلة لدرجة سيئة جداً)
عقد أَجْوَد ذراعيه قائلاً (أعتقد إنها كانت بتعاني اضطراب ما بعد الصدمة أو بالمسمى العلمي post traumatic stress disorder )
سألته زمردة بنظرات ضيقة (أعتبر تشخيصك للمرض ثقافة برضه؟)
ضحك أَجْوَد على حركاتها اللطيفة يجيب سؤالها بسؤال (هو الطب النفسي حِكر عالدكاترة بس؟)
أرجعت زمردة ظهرها للخلف قائلة بشك (لا مش حِكر ولا حاجة بس حضرتك معلوماتك معلومات دكتور)
تحكم أَجْوَد في ابتسامته قائلاً بجدية (أنا درست علم نفس في كلية الحقوق)
تحدثت رافعة حاجبها بمكر (اللي أعرفه إن الكليات المرتبطة باحتكاك مباشر مع فئات معينة من المجتمع بيكون فيها مواد علم نفس تصنيفي يعني حضرتك درست علم نفس المجرمين)
حاول أَجْوَد التهرب من أسئلتها قائلاً بتذمر (هو فيه قانون بيمنع القراءة عن الأمراض النفسية؟)
تناولت زمردة أحد أقلامها و وضعته بين أسنانها قائلة وهي تضغط عليه (إنت أدرى بالقانون يا مِتر)
إلتقط أَجْوَد القلم من فمها يقول بغيظ طفيف (هاتكسري سنانك).. صمت لثواني ثم تابع باستفهام (إحكيلي عالجتِ تغريد إزاي؟)
أجابته بثبات رغم توترها (لحسن حظها إن أهل جوزها ساعدوها تغير نمط حياتها.. الشغل نفعها جداً لكن الصدمة أثرت على صحتها الجسدية فاضطريت أستخدم الإرتجاع البيولوچي فالأول وبعد كده عملت معاها جلسات استجواب نفسي وحالياً بتاخد أدوية لتحسين النوم وتقليل الكوابيس.. وحالتها مع الوقت استقرت واستجابت للعلاج)
فغر أَجْوَد فاهه قائلاً بانبهار (والله براڤو .. حقيقي إنتِ بتدهشيني)
رفعت زمردة رأسها مبتسمة بغرور (طبعاً يا أستاذ علم النفس فن مش عن عن)
هتف باستنكار مصطنع (عن عن؟!)
تنحنحت بإحراج ثم استعادت جديتها قائلة (صدمة تغريد كانت double edged ..خيانة الزوج والصديقة المقربة)
مط أَجْوَد شفتيه قائلاً بتملل (أكلاشيه مستهلك برضه)
فتحت زمردة الملف الأخير قائلة (الحياة الزوجية كلها أكلاشيهات بس الأكلاشيه الجاي هايبهرك)
ألقى نظرة سريعة على ما بيدها متسائلاً بعدم فهم (اشمعنى؟)
أجابته زمردة بثقة (لأن الطرفين مرضى نفسيين)
****************
(هيپومانيا)
من أجمل معطيات الحياة أن يهبك الله الحب.. ذلك الشعور السامي الذي ينير عقول البشر ويرشدهم إلى استكشاف أنفسهم ويمنحهم الكمال فالمرء تكتمل إنسانيته بجوار من يحب لكن ماذا إذا كان الشريك يستهلك آدميتك ويستنزف روحك ويهدر كرامتك متستراً خلف قناع هذا (الحب)؟.......عبدالله شاب وسيم في آواخر العقد الثالث من عمره.. متدين.. خلوق.. دوماً يسعى للخير ومساعدة الآخرين.. رومانسي .. يحب زوجته ويغار عليها بجنون لدرجة أنه لو أُتيحت له الفرصة سيخبئها داخل مصباح سحري كمصباح علاء الدين لكنه إكتفى بفرض ارتداء النقاب عليها كي لا يراها مخلوق غيره.. لا توجد مشكلة في ذلك بالأخير هو رجل مسلم والزي الشرعي ليس بشئ سيئ (اللهم جملنا بالستر).. عبدالله نزعته الشرقية متضخمة على الدوام ومعروف عن ذكرنا الشرقي الجميل أنه ذو حمية عالية ودمه حر وحرائره خط أحمر ولذلك وضع قائمة محظورات لزوجته حتى تسير الحياة بينهما كما يريد.. أولاً ممنوع مشاهدة التلفاز تجنباً للشبهات فما العمل إذا وقعت عينيها الجميلتين على أحد الممثلين الأوسم منه؟.. بالتأكيد سيفقأهما بإصبعيه لتتعلم غض البصر .. ثانياً الأغاني أيضاً ممنوعة فماذا إذا أعجبها صوت مطرب ما؟.. في تلك الحالة سيضع (السيخ المحمي فصرصور ودنها) كي لا يصل لخلايا دماغها ذبذبات صوتية تصدر من أي كائن حي غيره.. ثالثاً لا إنترنت وبالتالي وسائل التواصل الإجتماعي بكل أشكالها وألوانها تدخل في قائمة الممنوعات لأنها كما يعتقد ذلك الذي ينتمي لفصيلة نادرة من (جراء البحر الشرقية الأصيلة) مدخل من مداخل إبليس والعياذ بالله.. الشئ الوحيد المسموح به في تلك العلاقة غريبة الشكل والمعنى هاتف صغير يمكنه من الوصول إليها أثناء تواجدها في محيط خالي من طلته البهية وبالطبع بعض العمليات الحيوية الضرورية لتبقيها على قيد الحياة كالأكل والشرب والإخراج.. حاشا لله الرجل مَرّ من فوقه العيب وانطلق .. ولا ضرر طالما الزوجة تقبل وتعيش سعيدة.. عبدالله إنسان فضولي وكثير الأسئلة .. عاشق للتفاصيل.. يتغذى عليها ويأكلها أكل وأسئلته من النوع البسيط الذي لا يتطلب إجابات مطولة مثلاً أين ذهبتِ؟ .. ومن قابلتِ؟ ..ومع من تحدثتِ؟ ..بماذا همس لكِ البائع؟ .. من زارك اليوم في غيابي؟ .. ولماذا؟... وكيف؟... وأين؟ .. وكأنه يجسد ملكي القبر بالنسبة لها على أرض الواقع.. لكن ماذا لو لم يتوقف الأمر عند طرح الاسئلة فقط؟.. حينما يلجأ ذكرنا العزيز إلى البحث والتفتيش في المتعلقات الشخصية لزوجته (عذراً لم أقل رجل لأن تلك التصرفات لا تصدر من رجل أبداً)..فيكون "المانشيت" العريض بالمحصلة إعتذاراً بعد جولة شاقة من الإرهاق ..ويعد بأنها "الأخيرة" إلا أن حليمة تحن لعادتها القديمة وتبقى سهام الشك مصوبة نحو جسد العلاقة الزوجية وتهددها بالإنهيار في أي لحظة .. وبالطبع لن تتكيف مع كل هذا الهراء إلا أنثى بلهاء.. (نسرين).. زوجة عبدالله المصونة وجوهرته المكنونة.. فتاة جميلة.. طيبة.. مطيعة.. لا تقول سوى حسناً و أوافق.. تتحرك بجهاز التحكم عن بعد كالماكينة.. لا تمتلك رد فعل تجاه أي شئ.. كل ما تفكر به هو إرضاء زوجها ولو على حساب نفسها وكرامتها والعجيب أنها متعلمة والسؤال الذي يلح على عقلي وعقل القرّاء الأعزاء هو كيف لها ألا تنتبه أن عبدالله يحتاج زيارة ضرورية لطبيب نفسي يفحص قواه العقلية؟.. لِمَ الدهشة؟.. الرجل يعاني حالة بارانويا واضحة أو ما يسمى بجنون الارتياب أو بمعنى أسهل الشك المرضي .. فهل يا تُرى ستسير الحياة بينهما بهذا الشكل الغير صحي؟..