لست وحدك

168 14 35
                                    


جلست هى مى مرتعبة فى حجرتها الصغيرة القابعة بسطح إحدى بنايات سيئول ، لقد مر أكثر من ثلاثة أعوام منذ انتقالها من قريتها البسيطة إلى سيئول الكبيرة لتدرس فى أعرق جامعاتها . اخذت هى مى تحدق فى الكتاب الموجود أمامها وهمست تشجع نفسها : لا بد اننى اتخيل . نعم انها مجرد تخيلات ؛ هذا بسبب عدم حصولى على قدر كافٍ من النوم لإنشغالى بالدراسة وأعمالى الجزئية .
ثم اخذت تصفع وجهها بصفعات خفيفة متتالية وحدثت نفسها قائلة : هيا هى مى ركزى فى دروسك ..
لم تكمل هى مى جملتها إلا وشعرت بتلك الأنفاس الساخنة تلفح عنقها مجددا وشعرت بوجود كيان غريب معها بالمكان .

صرخت هى مى فزعة وخرجت مسرعة من الغرفة وأغلقت الباب وراءها ووقفت بالخارج تراقب ما حولها بخوف . عادت هى مى بذاكرتها إلى الوراء إلى الوقت الذى بدأت فيه كل تلك الأحداث الغامضة فى الحدوث . لقد مر شهر منذ أن تعرضت هى مى لحادث طريق بشع راح ضحيته العديد من الأشخاص . فقد انقلبت الحافلة التى كانت تقلها إلى جامعتها اثر اصطدامها بشاحنة نقل كبيرة ، اخذت هى مى تتذكر كيف نجت بأعجوبة وقتها فهى الناجية الوحيدة التى تمكنت من تخطى الموت .

كانت هى مى تظن انها سعيدة الحظ ولكنها لم تكن تعلم أن معاناتها قد بدأت للتو ؛ فمنذ عودتها إلى غرفتها ، أخذت أمور عجيبة تستمر فى الحدوث . كانت هى مى تشعر وكأن هناك رفيق للسكن أتى معها من هذا الحادث فقد كانت تستشعر أنفاسه وحركاته وكانت تشعر به يراقبها من بعيد ويتأهب الفرصة للإنقضاض عليها . كانت تخرج فى الصباح إلى جامعتها وعند عودتها فى المساء ، تجد الغرفة قد انقلبت رأسا على عقب . لا يوجد شيء فى مكانه الصحيح ، أدواتها الشخصية قد تم إستخدامها حتى كتابها ترى فيه كتابات وعلامات لم تضعها قط . مر شهر واخذ الوضع يصبح جنونيا يوما بعد يوم وصارت هى مى تشعر أن هذا الشخص أو هذا الشيء يسعى لطردها من المكان والإستيلاء عليه وحده .

عادت هى مى من شرودها وهمست لنفسها : لا يمكننى ترك المكان ، لقد وجدته بصعوبة ولن أجد مكانا رخيصا مثله وقريبا من جامعتى ومحل عملى أيضا . لن أرحل ! هذا الشيء عليه أن يرحل .

استجمعت هى مى شجاعتها ودخلت إلى الحجرة مجددا وأخرجت من درج مكتبها تعويذة كانت والدتها قد أعطتها لها سابقا وأخبرتها أن تعلقها فى الغرفة لتحميها من أى مكروه . هى مى التى استهزأت بكلام والدتها سابقا ، احتضنت التعويذة بقوة ثم قامت بتعليقها وأخذت تتضرع إلى الله أن يحميها .

كان للتعويذة فعل السحر فبعد أن علقتها هى مى مرت الليلة بسلام ولم يعد هذا الكيان الغريب لمضايقتها . بعد إستيقاظها فكرت هى مى بالإتصال بوالدتها وشكرها ، حدثت هى مى نفسها : ياه لقد مر وقت طويل منذ أن حدثت أمى ، أنا آسفة أمى لإنشغالى عنكِ .
أمسكت هى مى بالهاتف وطلبت رقم أمها بحماس ، رن الهاتف طويلا لكن دون إجابة .
همست هى مى : ربما لم تستيقظ بعد . علىّ الذهاب إلى الجامعة الآن ، سأتصل بها بعد عودتى .

فى المساء عادت هى مى إلى غرفتها وبمجرد دخولها وجدت غرفتها مقلوبة رأسا على عقب ووجدت ان التعويذة قد انتزعت من مكانها فأنقبض قلبها واخذ جسدها يرتعد واقتربت من حاسبها الآلى بحذر ! هذا الحاسب الذى اغلقته بنفسها فى الصباح وجدته مفتوحا الآن وقد استخدمه أحدهم للولوج إلى الإنترنت ، جلست هى مى على الكرسى وأخذت تقرأ ما كُتب على شاشة حاسبها الآلى وهى مستغرقة فى القراءة ، لمحت خيالا غريبا يمر خلفها فاستدارت مسرعة لتتلاقى عينيها بعينى فتاة فى مثل سنها والتى بمجرد تلاقى أعينهما صرخت فى فزع وحدثت هى مى وهى ترتعد قائلة : من فضلك ارحلى ، هذا منزلى .
احمرت عينا هى مى بشدة وضحكت ضحكة شيطانية وصرخت فى الفتاة : كنت هنا قبلك ، لن أرحل أبدا . هذا ليس عادلا ! لمَ علىّ أن أغادر الدنيا هكذا بينما لا زلت فى مقتبل عمرى وأمامى الكثير لتحقيقه . صحيح أن الحياة لم تبتسم يوما لى ولكن الموت سينحنى من أجلى .
ثم صرخت هى مى فى الفتاة بقوة : ارحلى .

خرجت الفتاة هاربة من الغرفة ، بينما همست هى مى تشجع نفسها : انه وقت الإستذكار . هيا هى مى ابذلى ما بوسعك . عليكِ أن تجعلى والدتك فخورة بكِ .

أمسكت هى مى كتابها وارتمت على فراشها وبدأت فى المذاكرة فيما تألقت شاشة الحاسوب التى تحمل صورتها وبجوارها كُتب بالخط العريض : وفاة فتاة جامعية فى حادث حافلة ايتوان ونجاة باقى الركاب .

اساطير مرعبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن