«الفصل الأول»
الـمـقـدمـة:
أهلًا ومرحبًا بِكُم في جحيمِ الماضي، أهلًا بِهلاكِ المستقبلِ، في عالمي لا يوجد غير المُعاناة، تلكَ الرسائل لِمَن رغِبَ وجُودي في الدَّركِ الأسفلِ، هذا أنا وها أنا أتمسك بحبالِ الماضي؛ لأكتب جُمل المستقبلِ.
____________________________الإهـداء:
لِكلِّ مَن ظنَّ أنَّ وجودِهم بناءٌ فتساقط كَالحطامِ لِفراقهِم.__________________________
«الـعــنان الـشـارد»
«يا ابني إصحى؛ هتتأخر على مدرستك، أنت لازم تفضل طول عـمرك كده؟ مش بتعرف تعمل حاجة في حياتك أبدًا؟ أنت يا تِنام يا تِمسك الزفت إللي في إيدك دا؟ طول ما أنت ماسكُه كده عمرك ما هتنفع!»
كلماتُ تعنيفٍ اعتدتُ على سماعِها، ليست المرة الأولى ولا أعتقد ستكون الأخيرة، بدأت في النهوض..
_ يلا بينا يا بطل عشان خلاص دا يوم جديد، يمكن ألاقي حد يوَنِسني في دنيتي دي، ما أنا طول عمري لوحدي مش معايا غير اليوتيوب والفيسبوك، أكيد هلاقي حد يغنيني، وبما إنه أول يوم فأكيد زي أي مدرسة رُحتها قبل كده؛ هتعرض للتنمر وهسمع الكلمتين المعتدين: «المتوحد راح، المتوحد جِه» واللّٰه ما حد متوحد غيرهم.ارتديت ملابسي وأخذت حقيبتي للخارج لانتظار حافلة المدرسة، مرت دقيقة ثُمَّ الأخرى؛ صعدت درجات سلم ثم جلست بجوار النافذة رُبَّما يحدث شيء يُدهشني لمرةٍ واحدةٍ في تلك الحياةِ البائسةِ.
أسندت رأسي للوراءِ وأطلقتُ العنان لمُخيلتي: أكيد دلوقتي ماما بتقول لبابا: ما أنتَ السبب يا عبده! ما أنت لو كنت خليته راجل مِن الأول مَكنش دا هيبقى حاله، إنما أنت سيبتُه.
وطبعًا بابا هيرد عليها بصوته الخشن: طيب يا إيمان، أنا إللي بوظتُه، صلحيه أنتِ بقا، ولا أنتِ بتعرفي تقولي بس بتبوظ ومبتعرفيش تصلحي؟ ولا أنتِ ملكيش غير في النكد بس؟توقفت الحافلة وأنا على يقين أنَّ أحدهِم قتل الآخر وغرق في دمائِه حتى عودتي.
بدأت الحصة الأولى وبدأت الأستاذة فاطمة في شرح أهمية اللغة العربية، وقالت: زي ما أنتُم عارفين إن اللغة العربية لغة القرآن، وإن العرب كانوا معروفين بفصاحتهم وبلاغتهم، ووقتها كانت بتتعمل أسواق الشعراء بيقدموا فيها موهبتهم مقابل المال.
ولكن على الصعيد الآخر لم تكن الأستاذة فاطمة الوحيدة التي تتحدث، فـصوت عقلي كان يعلو أرجاء رأسي وقلبي: ويا ترى أنا بقا أنهي ناس فيهم؟ هبقى الشاعر إللي كل الناس دلوقتي مش بتسمع غير أغاني شعبية؟ ولا هبقى الهويس التاني؟ ما أنا أكيد حد ناجح بس مش لاقي الطريق، أكيد في حاجة تانية أحسن!انتهت الحصص الأربعة الأولى وكل معلمٍ يدخل ويخرج وكأن كلماته تخرج معه فور خروجه مِن الباب، دقَّ جرس الاستراحة لألتقط أنفاسي للمرةِ الأولى بعد تشرد عقلي لساعاتٍ كثيرة، لَم تمر غير دقيقة وبدأت بتشرد العقل مرة أخرى، ربما أنا مصاب بِمرضِ التشرد!
_ ما أنت لازم تفوق يا إياد! لازم تفوق لأنك مش هتفضل تقول إياد عبدالحميد الفاشل، إياد عبدالحميد المتوحد، ما أنا مش هفضل قاعد في دوامة إني حتى مش عارف أحب، دايمًا مش بشوف حد حابب يبقى جمبي، ما أنا مش وحش للدرجة دي، أكيد ليا حاجة أكبر مِن دا، ربنا مش بينسى حد، فوق يا إياد.
