شعرت بشعور غريب عندما خرجت من الغرفة، شعرت أنني في مكيدة، وكأنه ينتقم مني لماذا؟ لأنني فقط احتاج لأمارس عملي، لم أفهم نبرة صوته وهو يقول *قمنا بتعينك في قسم 717 وخذي حذرك جيدًا* شعرت كأنه حَولني إلى قسم شديد الخطورة،لا أعلم لماذا ينبذون أي طبيب يريد أن يبدأ رحله عمله، اعلم جيدًا أن الطب نفسي واحد من أشد الأقسام صعوبة، ولكن أحب دراستي في هذا المجال، أحب الاستماع، رُبَّمَا يُحب الإنسان الشيء الذي لم يعشه!
كُنت في طريقي إلى القسم 717 الأجواء كانت غريبة جِدًّا، غريبة لدرجه الهدوء كُلما اقتربت من هذا القسم كلما ازداد الهدوء، هدوء مُريب، ذو حدين، هدوء جميل يجعلك ترتاح وتستكين وتلقى كل ما يشغل عقلك وراء ظهرك، وفي الوقت نفسه هدوء يدل على العجز، هدوء يُشبه صراخ طفل نام بعد أن اكتشف أن لا أحد يهتم لبكائه، فمشكلته لم تتحل وفي نفس الوقت توقف عن التعبير عن مشكلته، هدوء ولكن وراءه أحاديث طويله، هدوء يجعلك تسمع أصوات الجدران، يجعلك تتخيل أن الجُدران تتهامس، تبكي، تتحدث، وتضحك، وكأن الجدران في حاله هستريته، هذا الهدوء الذي يجعلك تنام مغناطيسي دون أن تشعر ليخطفك في بؤره الذكريات المُريبه التي تهرول من أجل نسيانها،
تذكرت اول يوم لي في الثانويه العامه، وانا ارسم حُلمي في الالتحاق بكليه الطب، لا أنسى رفض اهلي واعتقادهم أنني امزح عندما اتحدث معهم عن حُلمي بأن اكون طبيبه نفسيه، مع ذلك لم أبالي ابدًا برفضهم هذا، بل اجتهدت كامل الاجتهاد لاحقق ما أريده، لا أعلم متى بدأ هذا الحلم، اعتقد عندما اتجهت الي ان اسمع بدل من ان اتحدث، لا أقول أنني كنت طفله كتومه ولكن اعتقد أنني لم أجد من يفهمني بقدر كافي،انتهت الثانويه وعندما ظهرت النتيجه كانت فرحتي كبيره، لم اتوقع ان سعادتي ستكون هكذا، سعادتي كانت أكبر من رفض اهلي للتقديم في الكليه التي أريدها، كانت أكبر من جمله ابي التي لم انساها حتى الآن وما هي إلا جهل *طب نفسي؟ كيف؟ هل تحبين ان تكوني في وسط مجموعه من المجانين؟ هل تريدين ان تنتحري؟ القى بنفسك من نافذه غرفتك اذا اردتي الانتحار ولا تفعلي هذا الفعل * برغم ان ابي كان يُحبني كثيرا الا ان حديثه لازال عالق بداخلي، ثمه أحاديث تزال عالقه بداخلنا مهما مرت الايام والشهور بل والسنين، نتذكرها في كل خلاف مع صاحبها ومع كل ود ومع كل رؤيه لصاحب الحديث، رغم ان ابي اعتذر عما صدر منه إلا أنه لازال رافض حتى بعد التحاقي بالجامعه، وبعد تخرجي وحتى بعد أن وجدتُ عمل، لا أهتم فأنا لم اُرغم احد على أي شيئ في حياته لذلك لا احب ان يُرغمني احد على أي شيئ في حياتي، فقط لأنها حياتي! ،
َلكن الاشد سخريه في هذا الموقف ان ابي لازال معتقد انني سأعمل مع ما يُدعي مجانين وهناك فرق بين المرض النفسي والمرض العقلي ، وإذا كان كل طبيب خشي ان يعمل مع المرضى العقليين فسوف نتحول إلى غابة، بها مرضى بلا علاج!
استيقظت من ذكرياتي في هذا القسم الغريب، الأشد غرابة أنني شعرت أنني وصلت إلى مقبرة، لا أحد يتحدث ولا أحد يهمس ولا أحد يتحرك حتى، عَلمت أنني سوف أواجه العديد من الشدائد في هذا القسم، لم أخاف بل زاد شغفي إلى أن اعمل الآن، كانت أرقام الغُرف يجعلني أريد أن افتح الباب الآن لأتحدث معهم، لأخبرهم عن نفسي ويخبرونني عن أنفسهم، لنبدأ رحلتنا سويًا،
أخبرتني الممرضة بأسماد الغرف التي سأعمل مع مرضاها، اعتقد أنها أخبرتني بكل غرف قسم 717، شيء يدعي إلى السخرية، يُريدون ان يكلفوني بالكثير من الأعمال حتى اعترض، لا يعلموا أنني اعمل ما احب، وإن كُنت سهله الاستسلام لكُنت استسلمت لرغبه اهلي!
بعد أن انتهت الجوله دون أن أدخل أي غرفه قُلت في نفسي
" أهلًا يا 717 صديقتك من الان ليلى، سأعيش في هذا القسم الي ان يتعافى ما به أو إلى أن يصبحوا لا يُريدوني، أهلًا يا قسم الغرابه"
أنت تقرأ
قِسم ٧١٧
Short Storyهل فُراق الأحبه يَقتل؟ وهل مصاعب الحياه تؤدي إلى الظلام؟وماذا عن مشقّه الحياه هل ازدادت ام انِنا من أصبحنا ضُعفاء؟، وهل لضعيفٍ ان يضعفُ للاكتئابِ؟ ويترك نفسه حتى يجد انه وصل إلى الحافه؟، وكيف تتركُ نفسك لشبحٍ يدعي الاكتئاب الي ان تصل إلى المصحه الن...