الثامن "رساله"

19 8 6
                                    


                                          
  من اعتاد علي مجيئك للاعتذار في كل خلاف فلن يحاول أبدا أن يأتي إليك مُعتذرًا في أي خلاف  سيصبح ذهابك إليه حق مُكتسب  هذا ما دونته عندما رأيت تغريد تجاوزت الأمر بمنتهى السهولة، دون أن تُعاتِب ،دون أن تأخذ موقف، أنا لا ألوم تلك الفتاة ولا ألوم أي شخص يُسامِح ولكن أكاد أموت غيظًا من هؤلاء الذين يقررون الرحيل فجأة دون سابق إنذار، دون تلميح، كالبائس الذي استسلم من أول جولة، لم ينهض ليحاول ثانية، كُلًّا منا لديه ما يكفيه من متاعب ولكن لا أحد يعلم ما الذي يعاني منه الآخر، نبدأ في معارك بشكل يومي في مختلف المجالات ولا أحد يدري، ننتصر، ونُهزَم، ونيأس ،ونحاول، ولازال وجهُنا صامد، لا أحد يدري ما بداخلك، وكأنك تجلس بجانب شخص تعرفه جيدًا ولكن ما أن تُجرب أن تقرأ ما بداخله لتجد أنك تجلس مع غريب،،  كل هذا الشرود وأنا ابحث في وجهه فاطمه، هذا الوجه ليس غريبًا عليّ، وتلك العيون ايضًا، حاولت مرارًا وتكرارًا ان اجلس معاها ولكن هي دائمًا مشغوله أو هي تهرب مني بشكل أوضح، لا أعرف لما تهرب من الجلوس معي، ومن حيث أتت هي تباشر عملها القديم، اما انا اجلس لاشاهد مثل الأطفال،، 
وعندما جلست بجانبي قاطعت أي تفكير لها للهروب
  وقلت "من انتِ" 
قالت بتوتر" هل عملك هُنا أثر على خلايا مُخك؟" 
 قلت "انتِ من للمره الثانيه، انا اشعر وكأني رأيتك"  
قالت "عندما تتذكرين ما تتخيلينه بلغيني"  
قلت "رحمه؟" 
 اصفر وجهها من الخوف وقالت وهي تحاول الهروب" من؟"  

قلت "انتِ رحمه لا تحاولي الهروب"  
قالت" انا لستُ رحمه، انا فاطمه، وأنصحك ان تذهبي للراحه"      
قلت" عندما رأيت عيناكي الزرقاء شعرت بالشك، ولكن عندما يدك ارتعشت من التوتر الان تذكرت الفتاه المسكينه التي كانت تخاف كُل شيئ، حتي الإفصاح عن هوايتها، ولكن لم تقل لي رحمه ابدًا انها بتلك الانانيه، وانها تركت حياتها الشخصيه تُؤثر على عملها، والان فهمت كيف استاطعتي التجاوز، وفهمت كل شيئ لم أكن أفهمه، خشيتي ان تفصحي بفشلك"  
قالت" انتِ لا تعرفين شيء، نعم انا رحمه، ولكنك لازلتي لا تعرفين شيء، وانتِ ايضًا لم تخبريني أنكِ تحملين كل هذا الحقد، الحقد الذي يجعلك تهاجمين كل الناس، فقط الناس التي تعمل معكي، وكأنكي تريدين ان تكوني الطبيبه الوحيدة هُنا"  

قلت" لا أنا لستُ الطبيبة الوحيدة، ولكني على الأقل أواجه حياتي الشخصية بعيدًا عن عملي، مهما ازدادت الأمور تعقيدًا فأنا لا اُدخل الأمور في بعضها"  
قالت" لكنكِ تحبين دور البطولة،جيدة في جعل نفسك بطله، أنتِ البطلة المسكينة، التي تواجه مشاكلها بقوة، ومع ذلك تأتي لتباشر عملها هُنا، أنتِ البطلة التي لا تُخطأ أبدا 
  قلت وأنا أكاد انهار من البكاء "حسنًا، هل لديكي سبب واحد قوي يجعلك تتركي كل هؤلاء الذين كانوا في حاجة إليك وتركتيهم، وحتى لم تخبري من يريد علاجهم عن حالتهم، فكيف  تصرفتي معهم لأتعامل انا الأخرى، وكيف جعلتي الفتاه الصامته تتحدث بمنتهى السهوله، وقبل كل ذلك اخبريني بسبب واحد قوي جعلك تهربين، ام انها الأسباب التي حدثتني عنها رحمه فقط؟"  
قالت" انا هُنا منذ سنوات، شركتهم جميعًا حُزنهم، حاولت مرارًا ان اُخفف عنهم، انا معهم في أدق التفاصيل، وأيضًا لم يكن سهلًا ان أجعل تغريد تتحدث بتلك السهوله، بل انا عانيت كثيرًا، سنوات اعاني، ولم اتحدث اما انتِ تريدين كل الحلول بمنتهى السهوله، كيف؟ كيف يا ليلي تريدين من أشخاص لازلات تعاني لسنوات من الخذلان والأشخاص ان تطمئن لأي شخص بذلك السهوله؟، إن تحدثوا معكي عن آلامهم فهم لم يتحدثوا معكي عن الكل بل عن البعض، لانكِ لازلتِ شخص غير موثوق به" 
قلت ولم اتمالك دموعي" حسنًا، الان لماذا اختفيتِ وهم في حاجه إليكي؟ هل لتلك الأسباب القديمه فقط؟"
   قبل أن تجاوبني كان هناك صوت الانذار يملك القسم، وكأن هناك مصيبه، لم اسمع ذلك الصوت ولا اعرف انه صوت الانذار  الي ان ابلغتي فاطمه انه صوت الانذار، وأنه هناك مصيبه بالتأكيد،، هرونا الي الخارج فكان كل من يعمل في المصحه في حاله هستريه، يهتفون بأعلى صوت فتاه مفقوده، فتاه مفقوده،  ما علمته ان هُنا افتقاد احد كارثه حاولنا ان نعرف من هي تلك الفتاه الي ان جاء سامر يخبرنا "لا نجد دعاء" ،  كانت هي فعلًا كارثه، لأنها إن هربت فهذه مصيبه، حاولنا تفتيش غرفتها فلم نجد أي شيئ، واثناء البحث وجدنا ورقه على السرير
"كان ب ودي ان احاول، ولكنِ اخاف، كُنت احاول دائمًا الاقتراب منكم، ولكن هناك شيء غريب كان يمنعني، لقد عانيت كثيرًا، واعلم أنني لست على صواب ولكنِ لا أعلم ما أفعل، لقد تعرضت للكثير من الصعاب، وكنت دائمًا اثق بأن كل شيء سينتهي يومًا ما، وأن الحياه ستعود جميله مره اخرى، ولكن وجدت انني انا من انتهيت، أعلم إنني اهرب مجددًا ولكنِ لا أمتلك أي قوة للمواجهه، أحيانًا تكون الحياه قاسيه بشكلٍ غير عادي، انا لم يكن لي أصدقاء، فإن ظهر لي الآن أصدقاء، فأنا لا اعرفهم، بلغوهم انهم تركوني في أشد الاوقات حاجه لهم، فليس للندم مكان، حاولت أن اتعافى كثيرًا، ولكن عندما تأملت لم أجد شخصًا واحدًا اتعافى لأجله، انا اعلم أنني مُخطأه، ولكنِ الان تحت تأثير المُخدر، سأفتقدكم.. "
قرأتها فاطمه بصوت عالي جعلنا جميعًا منهار بَكَّاءَا،  أما   أنا فكنتُ في حاله لا يَرْثِي لها من حزن، حزن على دعاء، وحزن على فشلي الجديد، أصعب ما يواجهه الإنسان أن يفشل، يقف بعد فشله بعض الدقائق ليعي ما حدث، خطأ إنسان عادي، يمكن أن يُعوض أما خطأ طبيب، فلن يُعوض، يلوم نفسه قبل نومه، وحين يستيقظ وعندما يرى كل مريض جديد يتذكر فشله في علاج مريض ما، أبدا ليس سهلًا أن تكون طبيب، بل وإن تكون طبيب نفسي، الخطأ ليس خطئي علنًا أنه خطأ من يراقب القسم، إنما سِرًّا أنه فشلي في الاهتمام بمريض،،  شعر بحالتي فاطمة فطلبت من الجميع أن يذهب ويتركوني بمفردي، استمرأت في حالتي هذه أيام لم أعدها، وَلَكِنَّ أشعر أنني في نفس. اليوم وفي نفس الساعة ولازالت نفس الدقيقة،، وَلَكِنَّ كان لابد عليّ أن أواجهه، فخرجت من الغرفة وكتبت ورقه لكل مريض لأنهي تلك الفوضى..

قِسم ٧١٧حيث تعيش القصص. اكتشف الآن