الثاني "دُعاء"

129 15 6
                                    

استمعت إلى صوت موسيقى هادئة جميلة، جذبتني جِدًّا، شعرت أن الألحان حزينة إلى حد ما، أو أنها بداخلها شيء ما يعبر عن صاحبها، كان الصوت الوحيد الذي يملأ القسم، بكل تلقائية اتجهت نحو الغرفة، حاولت الاستماع إلى الموسيقى، اعشق هذا النوع من الموسيقى الهادئة، تجعلني أصفو، تجعل نفسيتي في تحسن تام، هي خليط بين الحزن والفرح، بين شقاء اَلدُّنْيَا وإنسان يحاول أن يحارب هذا الشقاء، كانت تدل على صراع طويل مع النفس ومع الحياة، جذبتني جِدًّا، فلم أشعر بنفسي إلا وأنا اُصفِّق بحراره لتلك العازفه الماهرة، أو العازف لا ادري كان يجلس بظهره ويردتي قبعه، ولكن كانت قبعه سيدات،

التفتت الي صوت التصفيق فوجدتني انا، نظرت لي بكل ترحيب ثم دعتني الي الجلوس، فدخلت، وجدت انها فتاه، فتاه رقيقه، رقيقه جدًا ،تتعامل بلطف شديد، من رقتها ولطفها نسيت أنني في مصحه نفسيه!، شعرت وكأني في مكان ترفيهي وصادفتها،
لم اتخيل ان هذه تُعاني!، فكم أشخاص تُعاني بداخلها ولكن مظهرها ثابت، نفس الرقه، اللطف، الابتسامه الخافته، المظاهر ليست دليل كافي على الحاله النفسيه، أو إنها ليست دليل من الاساس

نظرت حولي في ارجاء الغرفة، غرفة هادئه تدل على هدوء صديقتها، أوراق كثيرة على الجدران، ولكن لا أفهم المكتوب على هذه الأوراق!، صوره لها وهي في غايه الجمال، والحاسوب على المنضده، كوب القهوه بجانبه، ولكن جو الغرفه يدل على الكثير من الحكايات..
نظرت إليها ثانية وتأملت وجهها، ذات البشرة القمحية الجميلة، عيناها المتسعتان، لون عينها العسلي الجميل،، كانت جميلة برغم ما بها من أسرار..
قاطعني صوتها وهي تقول *أعجبتك المقولات المكتوبة على الورق؟ *
قلت * أنا لا أفهم المكتوب، أرقام، وتحت كل رقم جمله، جمله غير مرتبة، ليست واضحة، ليست مفهومة،*
ابتسمت ابتسامه تدل على سر وراء هذه الوريقات، فهمت أنها لا تريد الإفصاح الآن،
قاطعتُ الصمت قائله*أنا ليلى، صديقتك من الآن *
قالت*لنكن واقعين أنتِ طبيبه جديده؟، *
قلت*نعم أنا طبيبه، ولكن أنا نسيت أنني في مصحة، هذه أول غرفه ادخلها، ولكن لم أشعر أنني في مصحة على الإطلاق*
قالت*أحبُ الموسيقى، وأكره المُجاملات*
قلت* كيف تكرهين المجاملات؟ كُلا منا يحب أن يشعر أنه لازال به أشياء جميلة، يحب أن يسمع بعض الكلمات الجميلة التي تجعله يعود ليثق في نفسه بعد مراحل متعددة مع الحياة، بعد النهوض من السقطات، يحب أن يشعر انه لازال جميل، لازال مرغوب به ولو على سبيل المُجامله*
قالت *لنكن واقعين، ليس من الصحيح ان نعيش في بعض المجاملات الكاذبة، لنستيقظ على الواقع الأليم، ثمه أشخاص كثيره تجعلنا نمسك السماء من احاديثهم الجميله، وفي المواقف الحقيقه لا تجدي الا نفسك وحدها! *
قلت*تتحدين عن الواقع بكثره أيتها الفتاه الجميله*
قالت*نعم، لقد عشت اكثر من خمسة عشر عامًا في الخيال، في المجاملات، في الأكاذيب*
ثم صمتت وكأنها تذكرت شيئ ما تحاول نسيانه، واتجهت الي صورتها وبدأت في التمته
*مرحبًا يا صديقتي الجميله، جاءت اليوم طبيبه توافقك الرأي، انتِ يا من جعلتيني احب نفسي، اتتذكرين كم مرة حدثتيني عن مزاييا؟، اتتذكرين كم مرة حدثتك عن خذلان أقرب الناس اليّ؟ لم أحدثك من أجل أنكِ صديقتي الوحيده فقط، لا كُنت احاول ان اقل لكِ بطريقه غير مباشرة ألا تخذليني، ألا تكوني مثلهم، انا لا أمتلك شخص مثلك، كانت افعالك متناقضه ولكن كنت لا أرى الا الجميل منكِ، كنت امر مرور الكرام على افعالك التي تجعلني اُصدم، الي ان صدمتيني، خذلتيني انتِ، مثلك مثل كُل من شكوت إليكِ منهم، كيف كنتِ تُحادثيني في ظل حُزني، وكيف استطعتي ان تخذليني؟، كيف كنتِ تحاولي إسعادي وكيف ساهمتي في خداعي؟، حذرتك اكثر من مره أنني يمكنني أن اُغادر، ولكنك كنتِ تعلمين أنك ثروتي الوحيده، اشكرك، منذ أن غادرتك وانا في حاله لامبلاه من الجميع، لا أثق في احد، عندما استمع الي كلمات جميله، لا أعلم هي حقيقه ام انها مُجامله مثلما كُنتِ تفعلين، جعلتيني اتحكم جيدًا في مشاعري، لا اهرول وراء قلبي، جميلة تلك الأشخاص التي تعطينا الصدمه التي عندما ننهض منها تجعلنا أشخاص بلا شغف، انقطاع الشغل ليس سيئ فهو يحميك من الألم  الذي يأتي في أي وقت *
صمتت قليلًا ثم نظرت اليّ
قلت*اذا اردتي التكمله فأنا استمع*
قالت* انا دُعاء*
قلت *اسمك في غايه الجمال*
قالت * كُنت اتحدث عن صديقتي بل اختي *
قلت*وماذا بعد؟ *
قالت*عندنا تأتيك الضربة من أقرب الناس إليك.،من أولئك الذين أخبرتهم أن وجودهم مُهم ، تتحول إلى شخص لا تثق، لا تتحدث، لا تُحب، تتحول إلى شخص جديد، لا يبالي بما يحدث، إن وجدت شخص يُحبك ستفرح، وإن غادر فلن تحزن كما حزنت أول مرة، بداخلك شيء فقدته لن يُعوض، إن اقترب منك أحد الأشخاص ستتحدث معه وتحبه، وإن ابتعد بدون أسباب فستكمل مواصلة السير، ستجد نفسك شخص جديد، لا يحزن إلا على أهم الأشياء، والحزن لا يبلغ إلا ساعة، ولا يفرح بسهوله، ولكن لازال عالق بين التعاسة والسعادة، بين الدموع والضحكات، هناك شيء ينقصه، شيء أدى إلى اختلال شعوره *
قلت *حكيمة أنتِ يا دُعاء*
قالت *الحياة هي من تجعلك أحكم الحكماء، كلما ازداد الألم، كلما ازدادت حكمتكِ*
قلت *صحيح*
قالت*تسألين نفسك كيف أتحدث بجمود، ولا تنهار دمعاتي أليس كذلك؟*
قلت *نعم، من الواضح أنكِ ستكونين صديقتي تقرأين أفكاري بسهوله *
قالت*بل يا عزيزتي، لقد انهارت بُكائًا اكثر مما ينبغي، إلى ان جفت دموعي، وهذا أشد ألم لو تعلمين، فليس هناك طريق لتفريغ ما بكِ من حزن، وكأنك كُتب عليكِ، ان تتعايشي مع حزنك،إلى أن فكرت في الانتحار لذلك نُقلِت الي هذا القسم، اذا لم تقرأي فهو قسم الحالات الخطره*
قلت * بما انكِ تتحدثين عن الواقع، فهل من الواقع ان تتركيه وتنتحري؟ او من الواقع ان مُشكله بينك وبين صديقتك تجعلك هُنا؟ في أشد الأقسام خطوره؟ *
قالت* يا عزيزتي لم تفهمي معنى أن يخذلك الجميع، ان تذهبي الي أقاربك فلا تجديهم يفهمون ما بداخلك من الأساس، فتهربين الي أصدقائك فتجديهم هم الآخرون في عالم آخر، وهل يكفي هذا؟ بلى تجديهم يبتعدون عنكِ كالجرثومه، او يخدعونكِ،، يا صديقتي الخذلان من أشد الآلام التي يمكن أن تواجهيها، ليس هذا فقط هل تعلمين كم شخص انتحر من اَلْخِذْلَان؟، هل تعلمين ما هو؟ ببساطه الخذلان كأنك في حاجة إلى شخص واحد فقط ليساعدك وأنت تثقين أنه سيقف بجانبك فَأَنْتَ لم تخذليه في يومٍ، وعندما تذهبي تجدي الباب مفتوح، وعندما تُقرري الدخول، تجدي أنه أُغلق الباب في وجهك.،*
قلت*أعلم أن الخذلان ألمه شديد، ولكن هل تعلمين كم شخص تعرض إلى خذلان من أقرب الناس إليه؟، إذا اتجه كل شخص إلى الانتحار، فسنتحول إلى مقبرة
قالت* وما الفرق بينك وبين من كنت أذهب إليهم فيقولون لي إن شكواي بسيطه ولا تحتاج إلى كل هذا وإنني دائمًا أعطى الموضوع أكبر من حجمه؟، ما الفرق بينك وبينهم؟، لم يكن الألم فيما أعاني، كان الألم الحقيقي في أنني عندما احتجت أن اشتكى لم أجد من اشتكى له، وعندما وجدت سخروا من شكواي*
قلت*أعلم جيدًا أن كل إنسان يحتاج إلى التحدث *
قالت*وهل تعلمين أنني حتى أصبحت لا أرغب في التحدث؟ أصبحت حُطام أشخاص آخر لا أعرفه، لا أبالي، أشعر وكأن غاب عقلي، فأنا لا أحزن مثلما كنت أحزن، ولا أريد أن اتحدث مع احد مثلما كنت افعل، اعلم انه في نظرك تعافى، ولكن في نظري هذا بؤره الاكتئاب *
قلت * حتى تكوني طبيعيه لا بد من أن تعودي لتحزني، ان تعودي للبكاء، ان تعودي لشغفك ولو بسيط*
قالت*اتريدين ان تجعليني اتعافى ام تريدين ان تجعليني أعود لمعاناتي؟ *
قلت *لابد أن تعاني لأنك انسان لكِ شعور لا بد من أن تحزني، تفرحي، تبكي، إلى آخره *
لم تبالي بما قولت ونهضت واتجهت الي الوريقات التي لم أفهمها وقالت بسخريه *هل لا بد من أن اعاني لاكون انسان؟ اريد ان اكون حيوان اذا*
قلت وانا لا ابالي*ألم تخبريني بسر هذه الوريقات؟ *

قِسم ٧١٧حيث تعيش القصص. اكتشف الآن