7:00 صباحًا ، كان عليّ الذهاب إلى المصحة، فهناك أمور كثيرة لابد العمل عليها جيدًا، عندما كُنت في طريقي، تذكرت سامر ودعاء، الاثنان لم يسقط لهما نقطة دمع واحدة من عيناهم، الاثنان يتعاملان بمنتهى الجمود، كانت هُنا الكارثة، في بداية طريقك مع الحياة إن حدث لك أمرًا ما مهما كان هو ومهما كانت صعوبته ثم انهرت بُكائًا فهذا يدل على إنك شخص طبيعي جدًا، يعبر عن حزنه، أما إذا تكرر الأمر فستحزن قليلًا، ستبكي أقل، إلى أن تصل إلى المرحلة الأصعب وهي جفاف عيناك، أو الهروب من حزنك، وهُنا الكارثة الكبرى،
*ليتني بَكيت في الوقت الذي كان لابد فيه أن أبكي، ليتني انهرت وصِحت بأعلى صوتي أنني في مشكلة، في أزمة، ليتني عبرت عن حزني بشكلً كافٍ في الموقف نفسه، لن أكون الآن بمنتهى التعقيد، لن أكون بهذه الامبالاه، لامبالاة القلب خطيرة جدًا، التراكمات أخطر، كان عليّ أن أعطي لكل موقف حقه، ليس عليّ أبدًا أن أتظاهر بالجمود في أشد الأوقات لي ضعف، إن كنت فعلت هذا في وقت وقوع الحدث لكنت بخيرٍ الآن،ولكنِ لم أدري أنني سأصل إلى الهاوية، إلى القاع*
كانت رسالة مريض لي انتحر، هي فعلًا ما تعبر عن ما بداخلي أمام جمود كل من سامر ودعاء، هذا الجمود خطير، ومن الممكن أن يؤدي إلى الإنتحار،
لم أكن أدري أن باب الذكريات سيُفتح، لا أعلم هل هذا فشل مني لإنتحار مريض لي؟،
تنهدت ودخلت إلى المصحة وإتجهت إلى حيث الغرابة والعجائب، إلى 717..بالتحديد إلى غرفة مراقبة القسم، حاولت أن أعرف من الذي كان يتحرك أمس، خطوات إنسان، ليست قطة أو ما شابه، واستطعت أن أرى شريط تصوير أمس، فتى يرتدي قناع ويغطي رأسه بقبعة ملابسه، كان يحاول التلصص علينا، كان الأمر غريبًا ، لما؟ لما يحاول التلصص؟ بالطبع ليس لمراقبة سامر، لا أعلم..
تركت غرفة المراقبة وأنا أفكر في هذا الفتى المُلثم، ذهبت إلى غرفتي فوجدت ورقة،
* أنا انتظرك في مقهى المصحة، لا أريد أن أكون في وسط الجميع، أرجوكي أن تلحقي بي قبل أن أهرب*،
ازدادت الغرابة ، ذهبت مهرولة إلى المقهى، لم أجد أحد، اندهشت فأنا لا أفهم شيء، كيف يحتاجني وكيف يهرب من لقائي؟،
سمعت أحد ما ينادي بإسمي من جانب المقهى، هو، هي القبعة التي كان يرتديها في شريط التصوير، هرولت إليه،
كان الأمر غريب ،صوته غريب، دعوته للجلوس، فنحن خلف مبنى المقهي حيث بقية الحديقة ولكن لا يأتي أحد هُنا باستثناء عُمال المقهى.
نظرت في وجهه لا يظهر إلا عيناه، كانت زرقاء جميلة للغاية، أعتقد أنها فتاة وليست فتى، إلى أن تأكدت من صوتها الرقيق،
قُلت* لما تفعلين هذا؟ لما؟*
قالت بخوف شديد وتوتر * لا أريد أن يعرفني أحد، لا أريد أن يعرف أحد قصتي أو إن عرف قصتي لا يعرف صاحب القصة*
قُلت * أنتِ من؟، لماذا تتلصصين؟ *
قالت* أنا رَحمة، ليس اسمي الحقيقي، ولكن هذا إسم أُحبه، كان يطلقه عليّ صديقي والشخص الوحيد الذي أحببته، كان يردد أنني رحيمة جدًا فأطلق علىّ هذا الإسم *
قُلت* رائع ،وماذا بعد؟ *
قالت وحالة الخوف بداخلها تزداد والذي يظهر بوضوح على يديها التي ترتعش* أنا لا أحتاج إلى التلصص أنا أعرف قصة كل واحد هُنا، أعرف سامر ودعاء وغيرهم، أعرف كل شخص،*
قُلت *ولما تُراقبي من بعيد؟ *
قالت * أخاف *
قلت *مما؟ *
قالت بخوف * إن شعور الخوف ليس له سبب إلا عدم الأمان، مُنذ طفولتي وأنا انطوائية جدًا، أخشي أن أكون لست شخصًا مُرحبًا به، أميل إلى الإبتسامة، إلى البُعد، أميل إلى الصمت، الخوف جعلني شخص لا يثق، شخص قبل أن يتحدث ينظر حوله، *
قلت * ما الذي جعلك هكذا؟ *
قالت* الحياة، جميع من حولي، في سن العشرين كانت المرة الأولى التي أُحب بها شاب، فَهِمَ من أنا، فهم أنني أخشي أن أتحدث، فهم أنني أخاف أن أجرح أحد بحديثي هذا، أحببته جدًا، كُنت أعتقد أنه شيء ما ملك لي فقط، *
قلت * وماذا بعد؟ *
قالت* عندها توفت أمي، بدأت الأمور تتغير، لم أتوقع غياب أمي أبدًا، أبي توفى مُنذ ثلاثة سنوات، فكانت أمي الأب والأم والأخ والأخت، كنت أرى أن الله رحيم بي ولن يأخذها مني الآن، ونزلت علىّ الصاعقة بخبر وفاتها، الفراق يا عزيزتي الفراق، الفراق يُدمر، الفراق يقتل، لا ترى الناس إلا المظاهر، لا أحد يعلم ما مدى قسوة أن يفارقك أحد، لم أحزن قط على فراق أحد في الدنيا لأنني أُؤمن أن الصدف ستجمعنا يومًا، ولكن فراق الموت أين يجمعنا؟، لم يفهم الناس إن بعض الجروح لن نُشفى منها أبدًا، مهما مر من شهور وسنوات، بعض الجروح تزال في قلوبنا مهما مر عليها لحظات أشد صعوبة، مهما مر عليها لحظات سعيدة ، مهما تظاهرت بالسعادة ، يبقى أثر الجرح كما هو، عندما ألمسهُ أتذكر ما حدث فأعود إلى نقطة البداية، الجروح لا تُشفي وإن تظاهرنا بالعكس، يبقى ذكراها معنا كلما خطونا، وبلغنا من العمر، تبقى..*
قلت * الله رحيم بكِ يا صديقتي ،لا تري هذه قسوة بل هذه سُنة، بل خير لها من دار الدنيا،*
قالت* أعلم، ولكن شعور الخوف لم يتركني لحظة ، كنت أشعر دائمًا بالأمان أن أمي لن تتركني، كانت هي من جعلتني أشعر بأمان، أصبحت خائفة من الكل، أنتظر الأسوأ حتى لا أُصدم، لم يتفهم هو معنى أن تكون حزين من الداخل، أن ترتعش يديك من الخوف والتوتر، معنى أن تخاف من الغد، تركني.. *
قلت * خيرًا لكِ حتى و إن رأيتي روحك عالقة بروحه *
قالت* أنا لم أُشفي يا عزيزتي، بل زاد شعوري بعدم الامان، الأمر مثير للسخرية، هل تعلمي أنني كلما خشيت شيء حدث؟، خشيت الفراق و غادرني، خشيت الفشل وفشلت في عملي، خشيت المرض فمرضت *
قلت * هذا أمر طبيعي، أن تجعلي نفسك دائمًا في حالة خوف فهذا سيجعلك تفعلي كل شيء بحرص تام، وما إن تفعلي كل شيء بحرص تام ستجديها فشلت! نعم لا تندهشي ، خوفك الشديد من شيء أن يحدث ،سيخلق لك خيال مرعب ليصور لكِ بعض الأحداث الخيالية، فتفعلي بعض الأخطاء فيحدث ما تخشين *
قالت * لا أفهم *
قلت * خشيتي فراق شخص ما فخُيل لكِ أنكِ لابد أن تعامليه بإهتمام شديد، ففعلتي، حتي ظننتي أنكِ لابد أن تحدثيه كل دقيقة، كل ثانية ؛حتى لا يغادر، فشعر بالضيق فغادر، خشيتي أن يُصيبك مرض ما فصُوّر لكِ أنكِ لابد أن تهتمي بصحتك، لابد أن تأخذي كافة الأدوية الوقائية، فأخذتي جميع الأدوية، فسببت آثارها الجانبية لكِ المرض، أتفهمين؟، ،خوفك هو من يصور لكِ الفشل، الفراق، خوفك هو من يمشي معك في دائرة مغلقة، آخر شيء سوف تصلِ له في الدائرة هو الإكتئاب! *
صمتت وفي عيناها نظرة انبهار ثم قالت* أنتِ جميلة، ليتني مثلك، لا أخاف، ليتني لا أُعاني *
قلت * لا يوجد بشر لا يُعاني، ولكن لابد أن أتظاهر أمامك بهذا، فلن أجعلك بخير ولن أجعلك تتعافين وأنا مريضة! *
قالت *طبيبة رائعة للغاية، كُنت مثلك وثم..*
قلت * ثم ماذا؟*
قالت *ليس مهم ذاك الأمر لا أحب التحدث فيه، لا أحب أن ينكشف سري، فتعلمي مدى ضعفي، لا أحب أن أظهر بالضعف، وهذه المرة الأولى التي أفعلها*
قلت * الضعف ليس عيبًا ، لحظات الضَعف هي من تجعلنا ننهض من ضعفنا، ولكن الأهم، من يُشاركنا ضعفنا هذا؟ من لديه القدرة في جعلنا ننهض في أسرع وقت وبأقل التكاليف، هذا الأهم، من يهمه أمرك بصدق يا عزيزتي.. *
قالت * أحسنتِ*
قلت * ألن تخبريني بهويتك؟ *
قالت *في الوقت المناسب ستعرفين، الأهم قبل أن أُغادر، لابد أن أذكرك أنني أعرف كل شييء عن هذا القسم، إن احتجتِ أي معلومه ، هذا رقم هاتفي الخاص، ولكن لن أخبرك بشيء إلا بعد أن تجتهدي في عملك، أنا أعرف جيدًا أنك طبيبة جيدة وستعرفين كل شيء بنفسك،*
قلت * الأهم أن تكوني بخير*
قالت * ليس في لحظات يا عزيزتي، أنتِ طبيبة وتفهمين *
غادرت هي وأنا الإبتسامة احتلت وجهي بالكامل، شعور جميل للغاية أن تسمع شخص لا يعرفك يمدحك، ولكن الأجمل أن تسمع هذا من شخص قريب منك، شخص رآك في أسوأ حالاتك ولازال يمدحك، هذا الأجمل على الإطلاق، لا أريد الأجمل على الأقل الجميل ليس سيئًا ..
![](https://img.wattpad.com/cover/240558371-288-k770876.jpg)
أنت تقرأ
قِسم ٧١٧
Kısa Hikayeهل فُراق الأحبه يَقتل؟ وهل مصاعب الحياه تؤدي إلى الظلام؟وماذا عن مشقّه الحياه هل ازدادت ام انِنا من أصبحنا ضُعفاء؟، وهل لضعيفٍ ان يضعفُ للاكتئابِ؟ ويترك نفسه حتى يجد انه وصل إلى الحافه؟، وكيف تتركُ نفسك لشبحٍ يدعي الاكتئاب الي ان تصل إلى المصحه الن...