ذهبت إلى المصحه صباحًا كما أفعل يوميًا، ولكن اليوم لم أكن في حالتي الطبيعية، كانت لدي العديد من المشاكل الشخصية التي أعتدت دائمًا على تجاهلها لكي أوفر طاقه لعملي،،
ذهبت إلى مكتبي وتجاهلت مشاكلي كالعادة لأن لا أحد هنا يستطيع أن يتحمل مشاكل غير مشكلته، لا أقصد هُنا بمعنى المصحه، لا ولكن العالم كله يعاني، لا أحد يحتمل، الكل لديه معاناته الخاصة، يوجد أشخاص يستطيعون التخبئة وأشخاص ليست لديهم القدرة، في كل الأحوال ليس لك أي حق أن تنظر لشخص ما على أنه "كئيب" أنت لم تكن معه في مشكلته الأولى، ولا الثانية، لم ترى أحداث منزله، أحداثه الخاصة، وإن حاول إظهار أنه بخير أو أن كل الأشخاص تحبه، هذا لا يعني أن الحياة وردية معه، لن يظهر الشخص خيبته أمامك! وإن أظهرها فهذا يدل على أن نفذت طاقته على مواصلة الإخفاء، وطاقته أيضًا في التحمل..
وجدت أوراق كثيرة على مكتبي فسألت مساعد يعمل في الكافتيريا قال" هذه أوراق تخص المرضى، جاء بها المسئول عن دخول المرضى، كان في إجازة طويله واليوم أتى"
تمتمت في نفسي " لقد نسيت أمر الأوراق تمامًا، كنت أعمل بمنتهى العبثية والعشوائية"
بدأت في إلقاء نظرة على الملفات، وجدت معلومات شخصية ليس لها أي فائدة، موعد دخول المريض، أسباب مرضه، المشرف عن حالته، حالته الإجتماعية، أدويته الخاصة، وغير ذلك،
انتبهت فجأة إلى اسم " تغريد" لم اُقابل هذه الفتاة من قبل، تذكرت محمود عندما قال إنها أشد حالة هنا، ما هذه العبثية؟ أين الطبيبة القديمة لتخبرني عن حالاتي؟، ألقيت نظره على إسم الطبيبة التي كانت قبلي فوجدت "فاطمة" قد أخبرني بها محمود أيضًا، هذا عبث ولهو كيف تُغادر دون أن تخبرني عن المرضى؟نهضت لأتجه إلى غرفة " تغريد" أطرقت الباب فلم أجد إجابة، ، جاءت فتاة ترتدي لبس التمريض عندما كنت أطرق الباب، قالت" هي لا تجيب من أنتِ؟" قلت" طبيبتها الجديدة، وأنتِ؟"
قالت" ممرضتها الخاصة، ولكن ما هذه العبثية؟، كيف يقومون بتغيير طبيبة فجأة؟ ومع أخطر الأقسام؟ هل للمريض طاقة يحكي من جديد؟ لا أعتقد، بل أعتقد أن هذا هُراء من الإدارة"
قلت" سأخبرك بكل شيء ولكن أريد أن أجلس معها"
قالت" هي لا تجلس مع أحد، هي اعتادت على طبيبتها القديمة بعد مُعاناة دامت لسنه، كيف تريدين شخص يخاف من البشر أن يَطمئن لبشر بمنتهى السهولة؟ "
قلت"أدخليني لها سأحاول"
قالت " كوني خلفي"
دخلنا فوجدت غرفة شديدة الظلام ،الشمس لا تصل إلى هنا، شعرت أن الساعة ١٢ ليلًا من شدة الظلام، غرفة تشع حزن، صمت، براكين هادئة، نظرت إلى الفتاة كانت تمسك قلم ومُذكرة، وبجانبها كتب كثيرة، شعرها طويل للغاية، بشرتها بيضاء ولكن وجهها حزين، جعلني في شدة الحزن، يوجد جروح في يديها وكأن وراء كل جرح قصة كبيرة جدًا،
قطعت تأملي بنظرة خوف مع فضول، كانت نظراتها خائفة جدًا
قلت " صباح الخير"
صمت تام
قلت مع إبتسامة" أنا ليلى صديقتك الجديدة، وأنتِ؟"
صمت أيضًا
اقتربت وجدت رسمة جميلة لم أستطع أن أصمت من الإنبهار قلت" ما هذاا؟ أنتِ فنانة رائعة، رسمة مُعبرة جدًا، ولكن فتاة كهذه لماذا حزينة؟"
صمتت ولكن عيناها كانت تقول أنها تريد أن تشكرني
قلت" تعرفين؟ كان حُلمي أن أكون راسمة، أرسم ما أشعر به، أرسم راقصة باليه، أرسم فتاة تبكي، أرسم فتى يحب فتاة، أرسم كل ما بداخلي، أنتِ فنانة رائعة، لا أجامل ولكنها لوحة جميلة جدًا "
مسكت ورقة وقلم وكتبت" أنتِ الأجمل"
ضحكت وقلت" بل أنتِ الأجمل على الإطلاق، كفى أنكِ ترسمين بتلك الدقة، "
التفتُ إلى الممرضة وهمستُ لها قائلة بصوت خافت" هي لا تتحدث منذ طفولتها؟ أم أنها مريضة؟ "
قالت" لا الأطباء يقولون أن لا مشكلة عضويه، إنما لا يعرفون ما سبب عدم قدرتها على الحديث "
عدت إليها قائلة" ممكن أن تكوني لي صديقة؟ "
كتبت" لا، لا أُحب ،أعذريني "
قلت" لماذا؟"
كتبت" أنا لا أستطيع الحديث، سيأتي وقت وتشعري بالملل لأنكِ ترافقين فتاة لديها مشكلة بالنُطق"
قلت" أبدًا لن أمِل"
كتبت" أخاف من صدمة جديدة، ليست لديّ طاقة جديدة لأي شخص جديد، أريد الجلوس بمفردي "
قلت" أنا معكِ لا تخافي"
كتبت" قالت لي فاطمة هذا من قبل وأختفت"
قلت" أنا ليلى ولستُ مثل فاطمة "
كتبت" أنا تغريد "
قلت" إسمك جميل جدًا جدًا، رقيق كصوت العصافير"
إبتسمت
قلت" ما هذا المُذكرة؟ "
كتبت" جزء من شخصيتي لا أحد يطّلع عليها"
قلت" لن أضغط عليكي، عندما تشعرين تجاهي بالأمان أعطيني إياها "
هزت رأسها بالموافقة
جلست أحتسي معهم شاي، وحاولت أن أجعل الممرضة تأتي لي بتلك المُذكرة عندما تنام، رفضت،، بعد مُعاناة، عندما أثبت لها أنني أريد أن أُعالجها وإنني سأعود بها قبل أن تستيقظ، وافقت،
وذهبت بعدها إلى أحد المسؤلين لأحاول أخذ رقم فاطمة، وحاولت الإتصال بها كثيرًا لكنها خارج الخدمة.
جاءت بعدها الممرضة بالمذكرة وهي خائفة جدًا..
"كُنت لي جميع الأشخاص التي تمنيت أن أراهم، كُنت لي المأمن الذي آمن فيه من خوف العالم،"" أخبرتني أنك تُحبني، فإن كُنت صادق فلا تذهب، لا تكن لي جرح لا أستطيع مُعالجته"
" أُتهته في الحديث، لا أستطيع التحدث بشكل واضح، ولكنك تفهمني، إنه أعظم حدث لي في التاريخ "
"أُحبك ولا أريد أن تكن مثلهم، مثل أولائك الذين أخبرتك عنهم، أخبرتك أنني أخاف البشر، وأخبرتني أنني معك في أمان، وجعلتني أعود إلى نقطة البداية، إلى حيث الرعب والخوف من أي حديث مع أي شخص "
" قُتلت أُمي ، وذهب أبي إلى حيث لا أعلم، وحتي أنت لم ترحمني،وكافئتني الأيام وجعلتني لا أستطيع أن أتحدث بحرفٍ واحد،"
" أرسم ما يعبر عني، لا أستطيع أن أبكي وأنا أرسم فتاة ضحكتها جميلة، لا تنتظر مني إلا ما أشعر به "..
لم أستطع تكملة الباقي ف الممرضة شدت مني المذكره وذهبت سريعًا من الخوف،
ما قرأته زاد غموضي ولم يُقلّله، تذكرت رحمه هي التي تعرف كل شيء عن المصحة، حاولت الإتصال بها وبعد عدة مرات أجابت
حاولت إخبارها أنني أريد أن ألقاها ولكنها أخبرتني أنها مشغولة الآن وأخبرتني بموعد غد لنلتقي،
ولكن لم أستطع فقلت لها تخبرني بأي معلومة عن تغريد إلى أن نتلقي
قالت" تغريد، مسكينة هذه الفتاة، لقت عانت كثيرًا، أعتقد أنكِ رأيتي الكدمات التي على جسدها، تغريد تعرضت إلى عنف أسري شديد، كان والدها يشرب المخدرات، ويعرف الكثير من السيدات وهي تعرف علاقته ولا تستطيع فعل شيء، دائمًا تشعر بالعجز، إن أخبرت والدتها فستقوم الحرب، وتشعر بالذنب لأن والدتها لا تعرف شيء، ومع ذلك كان ينهال عليها والدها ضربًا كي لا تتحدث، إلى أن أُصيبت بمشكلة في النطق، تُتهته في الحديث، إلى أن رأت والدها في أحضان سيدة أخرى داخل المنزل، عندما كانت والدتها بالخارج، فأنهال عليها ضربًا كي تصمت، هل لكِ أن تتخيلي أن تلك الفتاة كانت لا تتحدث أبدًا، من الممكن أن يمر أسبوع وهي لا تنطق إلا جملة واحده متقطعة،"
قاطعتها وأنا في حالة إشمئزاز" لما لم تقدم بلاغ؟ "
قالت" والدها يسبب لها إرهاب، لا تأخذ خطوة بإرادتها؛ كل القرارت المصيرية هو الذي يأخذها، ووالدتها شخصية ضعيفة للغاية، "
قلت" وماذا بعد؟ "
قالت" يا عزيزتي إن مشاكل العائلية قادرة على قتلك، فما بالك بالعنف الأسرى؟ كيف تنشئ فتاة دون مثل أعلى؟ من يكون لها مثل أعلى ووالداها بتلك القذارة؟ وأمها في غاية الضعف؟ "
قلت" ماذا عن حُبها"
قالت" عندما دخلت الجامعة أحبت شاب يكبرها بعامان، كانت تقول أنها لم تعرف معنى الحب إلى أن رأته، هل لكِ فكرة كيف يهرب الشخص من الأقربون إلى الأغراب؟،،، كانت بدأت تستقر نفسيًا معه، وبدأ والدها في ممارسة قذارته خارج المنزل، فبدأت في الهدوء النفسي، إلى أن تركها لأن أهله لم يوافقوا عليها كزوجة بسبب أبيها، دخلت في إكتئاب حاد دام شهران وبدأت في التعافي، ولكن وقتها اكتشفت والدتها ما يفعله والدها، فقام والدها بقتلها أمام عينيها، "
إنهرت في البكاء متخيلة ما حدث
فتابعت" وقتها دخلت في إكتئاب حاد وحاولت الإنتحار، وبعدها بفترة فقدت النطق تمامًا، الأطباء يأكدون أن ليست هناك أية مشاكل في أجهزة جسدها، ولا يعرفون هل هذا عامل نفسي أم أنها هي من تريد أن لا تتحدث "
قلت" هي الأشد خطورة فعلًا "
قالت مودعة"ألقاكِ غدًا، وأتمنى أن تُحسني التصرف وبالذات معها"
جلستِ في شرود تام بعد هذا الحديث
يقسو العالم أحيانًا على كثير، نظن أننا نُعاني، ونرى معاناة الآخريين فنتأكد أننا بخير، وهناك الأشد معاناة، لكل منا طاقته الخاصة، ولكن في منتصف الطريق يشعر الإنسان أنه أُهلِك، ينظر إلى نفسه فيشعر أنه في الأربعين من عمره وهو لازال في منتصف العشرينات، عندما يكون لك شريك يشارك الآلام، يخف ألمها، وعندما يُغادر تزداد الآلام الضعف، إلى أن تُصاب بالشلل في شعورك، أنت لست حزين ولست سعيد، لا تريد التحدث ولكن تريد إخراج ما بداخلك، يبقى بداخلك صراع، وإن نجحت في تخطي الأمر، فللاسف سيبقى أثر المعاناة..
أنت تقرأ
قِسم ٧١٧
Short Storyهل فُراق الأحبه يَقتل؟ وهل مصاعب الحياه تؤدي إلى الظلام؟وماذا عن مشقّه الحياه هل ازدادت ام انِنا من أصبحنا ضُعفاء؟، وهل لضعيفٍ ان يضعفُ للاكتئابِ؟ ويترك نفسه حتى يجد انه وصل إلى الحافه؟، وكيف تتركُ نفسك لشبحٍ يدعي الاكتئاب الي ان تصل إلى المصحه الن...