الجزء الثالث

39 2 0
                                    

#الإيمان_والحب
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثالث
.
ها هم الأربعة قد نزلوا من السيارة الكبيرة مستقليّن سيارة صغيرة للأجرة ليتجهوا نحو أحد الفنادق حيث سيقيمون فيه طيلة فترة اجراء العملية .
ولمّا كان الوقتُ متأخر والفندق الذي قصدوه كان مكتظاً بالنزلاء فقد أشارإليهم صاحب ذلك الفندق بأن هناك شقة صغيرة في مكانٍ قريب يمكنهم استئجارها لعدّة أيام ...
وفعلاً تم إيصالهم إلى تلك الشقة بعد مناقشات حادّة بين منتظر وأبيه حيث كان بطلنا يرفض هذه الفكرة لما لها من احراج بالنسبة لهُ لوجود تلك الفتاة الشابة معهم لكن أباه أقنعه أخيراً بأنها ليست لوحدها بل إن أباها معها وهذا يعني إنهُ لا يوجد هناك أي إحراج في الموضوع .
وصل الأربعة إلى الشقّة ، كان فيها غرفتان صغيرتان وصالة للجلوس .
قال أبو ملاذ وهو يشير إلى إحدى الغرفتين :
ـ سنأخذ نحنُ هذه الغرفة وأما أنت يا أبا منتظر فستكون هذه لك ولأبنك العزيز .
لاحظ الثلاثة إن ملاذ طول هذه الفترة صامتة لا تتحدث وقد بدت علامات الكآبة والحزن واضحة على ملامحها !
ظنَّ والدها وكذلك صاحبهُ إن مخاوفها من العملية قد بدأت تظهر وخاصة إنهم الآن في المدينة التي ستجري فيها تلك العملية ، أما منتظر فكان يعرف مصدر ذلك الحزن وتلك الكآبة التي قفزت إلى ملاذ حال انتهائها من قراءة رسالته في تلك السيارة المشؤومة !
كان يتمنى لو تمكن من توضيح الأمر لها وتوضيح السبب الذي دعاه إلى ذلك التصرف ، كان منتظر رغم أسلوبه القاسي في بعض الأحيان لكنه في نفس الوقت ذو قلب رقيق لا يتحمل أن يكون سبباً رئيسياً في حزن أي شخص وخاصة إذا كان ذلك الشخص فتاة يتيمة الأم ومريضة مثل ملاذ .
كان التعب والإرهاق بادياً على الجميع مما حدا بهم إلى النوم مبكراً إذ إن هناك يوماً شاقاً ينتظرهم حيث سيتم البدء بالفحوصات لكلا الطرفين كخطوة أساسية قبل أجراء العملية .
مع أول الفجر استيقظ منتظر على صوت الآذان الذي تعالى في أرجاء تلك المدينة ، نهض وهو يردد الصلاة على محمد وآل محمد وأيقظ والده ليصليّ ..
توضأ منتظر وصلّى ركعتي الفجر وكعادتهِ بعد كل فريضة صار يردد ( تسبيحة الزهراء عليها السلام ) ثم فتح القرآن ليتلو بعض كلمات الله سبحانه وتعالى ..
استمر بالقراءة حتى سمع صوت حركة في الشقة ، نظر إلى الساعة فوجدها تشيرإلى السابعة صباحاً ، أغلق القرآن وقبّلهُ تبركاً وتقديساً ، نظر إلى والده فوجده قد رجع إلى النوم بعد أن أدّى صلاته ... قال في نفسه :
ـ قد تكون هذه الحركة للعم حامد أو قد تكون لملاذ !
وعندما وصل إلى أسم هذه الفتاة اطرق قليلاً .. ردّد الاسم عدّة مرات ثم تحدث مع نفسه مرة أخرى :
ـ مسكينة هذه الفتاة ... لقد سببتُ لها ألماً كبيراً يوم أمس ويجب أن
أوّضح لها كل شيء .
خرج من الغرفة فوجد ملاذ أمامهُ قد خرجت توّاً من المطبخ ، نظرت إليه ثم مشت قليلاً بدون أي كلمة وجلست على أحدى الأرائك في الصالة وبيدها كوب من الشاي .
تبعها منتظر ... دخل الغرفة وألقى السلام ، وبصوتٍ ضعيف بالكاد يُسمع ردّت ملاذ التحية ، بادرها منتظر :
ـ هل لي أن أعرف سبب هذا الحزن المفاجئ ؟!
أجابت بحدّة :
ـ أوَتسأل يا منتظر !
ـ هل أنا السبب ؟
ـ أرجوك...دعني وشأني سواء كنت حزينة أم سعيدة فهل الأمر يهمّك ؟!
ـ ولِمَ لا يهمني يا ملاذ ؟ أنا لا أحب أن أكون سبباً لألم أي أحد ..صدّقيني .
ـ إنك قاسي يا منتظر !
قالت ملاذ هذه الكلمات وقد إغرورقت عيناها بالدموع ونهضت محاولةً مغادرة الغرفة ...
ناداها منتظر :
ـ أرجوكِ .. قفي واسمعيني ، فمثلما أبديتِ رأيكِ في الموضوع فلي الحق أنا أيضاً أن أُبدي رأيي فيه .
توقفت ملاذ ونظرت قائلة :
ـ وما هو رأيك ؟
ـ صدّقيني .. أنا ما كتبتُ لكِ تلك الكلمات اثناء جلوسنا في السيارة إلاّ لأنني وجدتك في خطر ويجب أن أساعدك وإلاّ لحدث ما لا يُحمد عقباه !
ـ وما الذي يمكن أن يحدث ؟
ـ اسمعي يا ملاذ ... عندما لاحظتُ انكِ ترمقينني بتلك النظرات لم أهتم في بداية الأمر لكن عندما استمرت الحالة تلك طيلة وجودنا معاً في تلك السيارة شعرتُ حينها بأن الأمر غير طبيعي وبأن تلك النظرات غير اعتيادية أبداً ولا أُخفي عليك فلقد ارتبكت لأنني ولأول مرة أقع في موقفٍ كهذا وارتبكت أكثر عندما خفت صوت الشيطان !
ـ صوت الشيطان ! ما الذي تقصده ؟
ـ إنها الوسوسة يا ملاذ .
ـ ومن قال لك ذلك ؟
ـ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لي ذلك !
ـ ما بك يا منتظر ... لماذا تتكلم بالألغاز والمبهمات ، لماذا لا تكون
واضحاً وصريحاً ؟
ـ ليست ألغاز ولا مبهمات بل أنا واضح وصريح فيما أريد قوله .. فلقد قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( ما من رجل خلا بإمرأة إلاّ كان الشيطان ثالثهما ) !
ـ حسناً وما الذي يمكن أن يقولهُ لك الشيطان حينها ؟
ـ أكيد إنهُ سيحاول إفهامي بأن ( نظرات ملاذ هي نظرات إعجاب ومودّة وحب ) ولو أعطيه مجال أكثر للاستماع إلى حديثه المعسول ذلك فأنهُ سيجرَّني إلى التفكير بأمور أخرى وضيعة ومرفوضة شرعاً ... لذلك صرتُ أبحـث عن طريقــة أُبعد بها نظراتــــكِ عني وبـالتالي أُبعـد ذلك المخلوق الحقير إبليس عليه اللعنة ، ومن ثمَّ أنا ما خفت على نفسي أكثر مما خفتُ على مصيركِ ..
صدّقيني .
ـ وما به مصيري ؟ وهل أُعتبر مذنبة لو أمعنت النظر في شاب أشعرني بطعم الحياة .
قال منتظر محاولاً عدم التأثر بكلامها :
ـ ملاذ .. النظرة إلى الشاب حرام وأعني بها النظرة المقصودة فهي محرمة حسب الآية التي ذكرتها لك في الرسالة ، ثم ماذا تقصدين بكلامك الأخير هذا ؟!
ـ صدّقني يا منتظر .. أنا أعي ما أقول إذ كان كل شيء قبل أن أراك جامداً وليس فيه أي طعم أو مذاق وبعد ذلك اليوم الذي زُرتنا فيه أنت وأبوك شعرت بأن حياتي صار لها طعم خاص .. إنها السعادة التي كنتُ قد حُرِمتُ منها .
قال منتظر وقد وقف مستعداً لترك الغرفة :
ـ أولاً .. هذا الأمر لا يُبرر أبداً نظراتكِ تلك بل يزيد الأمر تعقيداً .. !
ـ كيف ذلك ؟
ـ لأن كلامكِ هذا يُثبت الذنب عليك ولا يبرؤكِ أبداً .. فالنظرة إلى شاب عادي هي محرمة فكيف إذا كان ذلك الشاب يحرّك في داخلك مشاعر العاطفة ؟!
سألتهُ ملاذ بتوتّر :
ـ وثانياً .. ؟!
ـ ثانياً .. وإن كانت كلمة مؤلمة لكني سأقولها لكِ لأنقذكِ من مصائد
الشيطان ولأوضح مشاعري الصادقة اتجاهكِ .. أنتِ بالنسبة لي أخت محتاجة إلى مساعدتي فرافقتها لتقديم تلك المساعدة ... أكثر من هذا لا يوجد شيء ، وأما السعادة التي تظنين إنكِ ملكتيها فأنها ـ مع الأسف ـ مُزيّفة وليتكِ تعرفين حقيقة السعادة !
خرج منتظر من الغرفة بعد هذا الحديث تاركاً ملاذ تبحر في مخيلتها بعيداً..تساءلت مع نفسها بعد أن لاحظت إن الشاي قد برد وأصبح بلا طعم :
ـ ماذا يقصد بالسعادة المزيفة والسعادة الحقيقية ؟ وهل فعلاً إنهُ ينظر لي كأخت فقط ؟!

الإيمان والحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن