الجزء ١٦

19 0 0
                                    

#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل السادس عشر
.
قضى فارس أسبوعه الأول في بيت خالته كما أخبر صاحبيه وبعدها اتجه نحو منزل صاحبه حامد ليقضي الأسبوع الثاني هناك كما وعده.
عندما وصل فارس إلى المنزل كان حامد وابنته في كامل الاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز ، بعد وصول الضيف بدقائق كانت ملاذ قد أعدّت العصير والكعك ودخلت تحملهما وهي بكامل حجابها وقد أخذتها اللهفة لرؤية عمها الغالي فارس..
قام فارس واقفاً وقد بهرهُ منظر تلك الفتاة..
كانت علامات التعجب بادية عليه وهو ينظر إليها وقد كبرت وأصبحت فتاة ناضجة وكما هو الظاهر إنها فتاة مثقفة وملتزمة في نفس الوقت.
قالت وهي تقدّم له العصير:
-الحمدُ لله على سلامتك يا عم..
ـ أهلاً بكِ يا ملاذ .. ما شاء الله !! لقد تغيرتِ كثيراً أيتها الغالية !
بدا الحياء واضحاً على محيّاها وهي تهمُّ بالخروج من الغرفة .
قال أبو ملاذ : 
ـ لقد مرّت سنين طوال على سفرك يا رجل .. فلماذا تريد أن
يكون كل شيء باقياً على الحال الذي تركتهُ عليه !
ضحك الرجلان وقضيا تلك الليلة بالأحاديث الدافئة والجميلة وبإعادة صور الماضي وذكريات الشباب والعزوبية .
مرّت ثلاثة أيام على تواجد فارس في منزل صاحبه وفي إحدى الصباحات وبينما كانت ملاذ تحضرّ طعام الأفطار دخل فارس المطبخ واستغل الفرصة ليسألها عن أمور كثيرة تدور في باله ويبحث لها عن إجابة ... بادرها قائلاً :
ـ هل لي أن أسأل عن أشياء مازالت غامضة بالنسبة لي يا ملاذ ؟
ـ تفضّل يا عم .. أنا بالخدمة .
ـ إنني أراك اليوم وقد التزمت بتعاليم الدين الحنيف بالرغم من إنني
تركتكِ وكنتِ مازلتِ في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر أي كنتِ حينها ( مُكلفة ) شرعاً ورغم هذا لم تكوني قد جربتِ لبس الحجاب أو الصلاة والصيام .. صح ؟!
ـ نعم بالضبط .
ـ وأعرف إن السبب في ذلك هو والدكِ ، حتى إنني كنتُ دائماً أنصحهُ بأن يعلمك تعاليم الإسلام .. إلاّ إنهُ كان يرفض ويتعذر بأنكِ مازلتِ صغيرة !
والحقيقة إنني قبل أن أعود إلى أرض الوطن كنتُ أتخيّل بأنني سأجد عند عودتي تلك الفتاة نفسها دون أن يحاول والدها توعيتها أو إرشادها ولكني وجدتك على غير ذلك ! والأعجب من هذا إنهُ مايزال على حاله ! فمن هو الذي إلتزم بهدايتك وإرشادكِ وأنتِ لا تملكين غيره ؟!
ابتسمت ملاذ وقالت : 
ـ هل أقول لك الحقيقة وتعدني أن تبقى سراً بيننا ؟
ـ وماذا تعرفين عن عمكِ فارس !
ـ كل خير ...
ـ إذاً وضّحي لي الأمر ..
بدأت ملاذ تسرد قصتها لفارس منذ تركها صبية صغيرة إلى المرحلة التي وصلت إليها وما يراهُ عليها من تغيرات كثيرة ..
بدت على فارس علامات الرضا والارتياح بعد أن عرف ما كان يصبو إلى معرفته !
قال لها مبتسماً : 
ـ فإذاً منتظر كان السبب في هدايتك ..
قالت وقد بدت مرتبكة بعض الشيء :
ـ أرجوك يا عم ، إحذر أن يسمع أبي هذه الجملة منك فتثور ثائرته !
ـ لماذا ؟
ـ لا أعرف .. فعلاً لا أعرف !
قال فارس مندهشاً :
ـ عجيب ! ما بهِ هذا الرجل ؟ ألا يفرح أن تتجه ابنته نحو الطريق الصحيح وتسير في طريق الحق والهداية ؟! ثم إنني يا ملاذ أريد أن أحدثك بموضوع آخر وهذه فرصتي مادام أبوكِ ما يزال نائماً !
ـ تفضل يا عم ..
ـ ألم تحاولي أن تتكلمي مع أبيك حول موضوع الصلاة ؟
ـ لم أفهم قصدك !
-إنّ أباك ـ كما هو واضح ـ إلى الآن لم يُجرِّب أن يقف أمام الخالق عز وجل ليؤدي فريضة الصلاة ولو لمرة واحدة في حياته !
لقد تركته على هذا الحال من اللامبالاة ، والآن وبعد كل هذه السنين أعود لأجدهُ مازال مُصراً على معصية الخالق عز وجل .. فاليوم هو الرابع من وجودي معكم ولم أره يصلي أبداً !! لماذا لا تكلميه يا ابنتي وأنت فتاة واعية ومدركة جيداً لما ينتج من ترك الإنسان لصلاته ؟
ـ آه يا عم .. لقد حاولت مرة واحدة أن أُحدثهُ بخصوص حُرمة الغناء ، فلا تتصور عندها ماذا فعل بي ! لقد ضربني وشجَّ رأسي وتركني أنزف ثم خرج !
ـ هل وصل حامد إلى هذه الدرجة من الظلم ؟ يظلم نفسه ويظلم من معه !
ـ صدّقني يا عم .. لقد أردتُ أن أُحدثك بنفس الموضوع فأنت صاحبه وقد يستقبل منك أكثر من أي شخص آخر ، انصحهُ وأرشدهُ إلى طريق الحق فما عاد لي قدرة على تحمّل وضعه مع الذنوب والعصيان .
ـ أنت تعرفين يا ملاذ إن أباك يكبرني بكثير وأنا لهذا السبب أحترمه اشد الاحترام فهو بمثابة أخي الأكبر وهذا ما جعلني لا أتجرأ في الماضي على مفاتحته بهذا الأمر ، لكن اليوم يُحتّم عليَّ الواجب الشرعي أن أنقذه من مخالب الشيطان وأقدم له ما أملك من أدلة وبراهين تُثبت فضاعة ما هو عليه من الابتعاد عن الله جلّ وعلا .
ـ سأدعو لك يا عم أن توّفق في إقناعه وجعله في ركب التوابين والمُتطهرين .
وفي نفس تلك الليلة قرر فارس مفاتحة صاحبه بالموضوع لكن قبل ذلك ذهب إلى السوق واشترى قلم حبر زاهي اللون وغالي الثمن موضوع في علبة ذهبية ثم قام بتغليفها بشكل جميل وجذّاب ورجع إلى المنزل ليرى صاحبه بانتظاره ، وبعد إلقاء التحية سأله أبو ملاذ :

الإيمان والحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن