#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الحادي عشر
.
استيقظ منتظر في إحدى الصباحات على صوت المُنشد وقد علا صوت الموشحات آلة التسجيل وهي تصدح في أرجاء البيت !
خرج من غرفته فإذا بالزينة والبالونات تملأ أركان المنزل ! ما الذي يحدث ؟ اتجه نحو غرفة الجلوس حيث تجتمع العائلة ألقى السلام ووجّه كلامه إلى والدته :
ـ خيراً إن شاء الله يا أم منتظر !
قامت أمهُ وقبّلتهُ وهي تقول :
- كل عام وأنت بخير يا حبيبي .
ـ وأنتِ بألف خير يا أماه .. لكن هل اليوم عيد وأنا لا أعرف !
قام أصغر أخوته من مكانه وهو يقول :
-اليوم عيد ميلادك يا منتظر !
ـ عيد ميلادي ! آه نعم .. لكن هل مازلتِ تتذكرين يا أمي ؟ لقد كبرت على هذه الأشياء !
ـ أنتَ في نظرنا ، أنا ووالدك ، مازلت ذلك الولد المدلل .
ـ أشكرك أيتها الغالية .
اقتربت والدته منه أكثر ووضعت شيئاً في يديه وقبّلته ثانيةً ، كما قام
جميع أخوته بعمل نفس الشيء ، باركوا لأخيهم الأكبر وقدّموا لهُ الهدايا .
إنهُ مع اليوم يُكمل ثلاثة وعشرين عاماً وسيدخل يوم غد في السنة الرابعة والعشرين من عمره .
دخل منتظر غرفته وبدأ بفتح الهدايا ، كانت كلّها جميلة ولكن هناك هدية مميزة جداً جعلت قلبهُ يدقُّ سريعاً !
إنها هدية الأم .. كانت كتاباً عن الزواج المبكر في نظر الإسلام .. في الحقيقة كانت أم منتظر تشعر بأحاسيس ورغبات ابنها ، حالها حال أي أم على وجه هذه الأرض .
كانت تتمنى أن يتكلم معها ويصارحها برغبته في الزواج من ملاذ والتي هي رغبتها أيضاً بأن يرتبط ولدها الأكبر بهذه الفتاة المتميزة .
ولأنهُ إنسان مؤمن كان يغلب عليه الحياء كلما أراد أن يُصارح والدتهُ ! إذ كان دائماً يحاول إخفاء مشاعره.. بادرت هي بفتح هذا الموضوع من خلال هذا الكتاب الذي يشجع الشاب المؤمن على الزواج مبكراً كي لا يبقى رهين الوساوس والأحلام السيئة !
كان منتظر إلى هذه اللحظة لم يفكر بأمر خطبة ملاذ أو أي شيء من هذا القبيل ... كان كل همهُ أن يحارب الشيطان والهوى ! أما الآن فلقد علّمتهُ أمه درساً لن ينساه طوال حياته وهو إن الإسلام دين سماحة ورحمة ولا يرضى للشاب المسلم أن يكبت رغباته المشروعة ، بل فتح لهُ طريقاً مهماً وجميلاً ألا وهو طريق ( الزواج ) من خلالهُ يُغلق كل الأبواب أمام إبليس اللعين وزمرتهُ الخبيثة !
ورغم كل هذا تراجع منتظر عن هذه الفكرة ـ على الأقل حالياً ـ قال في نفسه :
ـ الظاهر من هذه الهدية إن أمي تريدني أن أتزوج رغم إنني تخرجتُ توّاً من الجامعة ولا يوجد لديّ عمل محدّد وثابت أستطيع من خلاله أن أكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال ! لا .. لا يمكن أن أتزوج الآن أو حتى أن أخطب ، فكل خطوة تحتاج آلاف الدنانير !
وفي المساء بدأ أخوته يسألونه عن رأيه بـهداياهم ..
وكان منتظر يجيبهم بفرحٍ وسرور وعندما وصل الدور إلى الأم قالت :
ـ وأنا يا قرة عيني .. هل أعجبتك هديتي ؟
شعر منتظر بالحياء واحمرّت على إثر هذا السؤال وجنتاه ولم يعرف بماذا يُجيب والدته من شدّة الحياء والخجل!
لم تشأ الأم أن تُحرِج ولدها أمام إخوته الذين لا يعرفون طبيعة تلك
الهدية ، لذلك لم تلح أكثر في طلب الإجابة .
بعد إتمام العشاء قام منتظر قبل الجميع ودخل غرفته ، أشار أبو منتظر إلى زوجته بأن تقوم خلف منتظر وتكلمه على انفراد حول موضوع الهدية حيث إن الأب كان يعرف كل شيء عن الأمر .
استجابت الأم لطلب زوجها فاتجهت نحو غرفة ولدها وطرقت الباب ، أجاب منتظر :
ـ ادخل .. الباب مفتوح .
دخلت فوجدتهُ مستلقياً على فراشه ، فزع عندما رآها وبدا عليه التوتر ! ابتسمت والدته ثم قالت بعد أن جلست بقربهِ على السرير :
ـ ما بك يا فتى ؟ هل تستحِ من أمك ؟!
ـ لا .. لا طبعاً يا أماه ، لكن ..
ـ لكن ماذا يا ولدي ؟ هل تظن بأن أمك ستتركك هكذا في حيرتك ! لقد كبرت يا بُني وصرتَ رجلاً يُعتمد عليه وأبوك وأمك يتمنان أن يرياك عريساً قبل وفاتهما !
ـ لا تقولي هذا يا أمي أرجوكِ .. فمازلتما في شبابكما .
ـ اسمع يا بُني ( بدون لف ودوران ) أنت يجب أن تتزوج !
ـ ماذا ؟ يجب !
وقبل أن يكمل قاطعته قائلة :
ـ لا تحبّذ الشريعة أن يبقى الشاب بعمرك بلا زواج .. ومن أفضل المستحبات أن يتزوج الشاب مبكراً ، حتى لا يقع في المحرمات لا سمح الله .
ـ لكن يا أماه .. أنا ولله الحمد لا تهمني هذه الأمور !
ـ يا منتظر .. الزواج أمر مهم ومهم جداً لذلك وصفهُ الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه ( نصف الدين ) وخاصةً للمؤمنين فهو يقيهم من زلاّت وعثرات كثيرة ، ألم تسمع بتلك الرواية عن حال إبليس كيف أنه يضج ويقول حين يتزوج الفتى : ( يا ويله ، عصم مني دينه ) يعني إنك بزواجك سوف تعصم دينك من شر ذلك المخلوق عليه اللعنة ، والزواج ليس عيباً يا ولدي حتى تستحِ منه ، إنهُ سُنّة الحياة بل سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي قال : (( النكاح سُنتي فمن رغب عن سُنّتي فليس مني )) .
ـ نعم يا أمي أنا أعرف هذا ... لكني لا أملك من حطام الدنيا شيئاً !
ـ ها أنت تقول إنهُ (حُطام الدنيا) إذاً لماذا تحمل لهُ كل هذا الهم ؟
ـ أنا لا أهتم للمال يا أماه لكن من هي التي سأتقدم لها وترضى أن تعيش معي وحالي هكذا ؟
ـ بنات الحلال كثيرات يا منتظر ... إسمع يا بُني إقرأ هذا الكتاب الذي أهديتهُ لك وستجد فيه الكثير الكثير مما هو خافٍ عنك ، وبعدها إن غيّرت رأيك أخبرني حتى أُهيّئ نفسي لأذهب وأخطب لك وإن كانت هناك فتاة خاصة في بالك فأخبرني بها وستجدني رهن الإشارة !
شعر منتظر ببعض الراحة عند كلام والدته معه لكن مخاوفه مازالت هيَ ذاتها !
فكّر قائلاً :
ـ حسناً سأقرأ الكتاب ، عسى أن يكون خيراً لي .
قضى منتظر ليلتهُ تلك بالقراءة المتأنية في ذلك الكتاب .. ومما لفت نظرهُ فيه كثرة الأحاديث والروايات الواردة عن الرسول وآله الكرام في تشجيع الشباب على الزواج وأكثر الأحاديث تأثيراً في نفسه كان قول للرسول (صلى الله عليه وآله) وهو : (( ما بُني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله عز وجل من التزويج )).
كما أنه تأثر كثيراً بقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (( إن ركعتين يُصليهما رجل متزوج ، أفضل من رجل يقوم ليله ونهارهُ أعزب )) .
أما الحديث الذي ما أن قرأهُ حتى غيّر رأيه في الحال وتمنى الزواج اليوم قبل غد هو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( شراركم عُزّابكم ، وأراذل موتاكم عزّابكم )) فالعزاب ـ أي غير المتزوجين ـ
يذمهم الرسول في حياتهم بل حتى بعد مماتهم !
فالموتى ( غير المتزوجين ) في حياتهم هم أرذل الأموات على حد تعبير رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌّ يوحى .
كما حرّكت مشاعره الآية القرآنية التي تقول : (( ومن آياتهِ أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ... لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة ، إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون )).
وبعدها تذكر كلام والدته عن إن عصمة دينه تكون بالزواج ، وكيف إنها ستقف معه حال إتخاذ قراره بخطبة أي فتاة يريدها .
هنا أغلق الكتاب عندما وصل تفكيره إلى ملاذ ! خرج من الغرفة توضأ وعاد لأداء صلاة الليل بعد أن نام الجميع .
وفي صباح اليوم التالي جاء والده إليه ، ألقى التحية وسأله قائلاً :
ـ هل اتخذت قرارك يا بُني أم مازلت مُصِرّاً على رأيك ؟
كان منتظر ووالدهُ بمثابةِ الصديقين ، لذلك سارع صاحبنا بالإجابة :
ـ نعم يا أبي .. لقد فكرت واتخذت القرار !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ سأتزوج بأذن الله وعن قريب إن أراد الله ذلك .
ـ أحسنت يا منتظر .
ـ لكن يا أبي ... !
ـ ماذا ؟ تكلم يا ولد .. لا تتردد .
ـ أخشى أن يكلفنا هذا الأمر مصاريف كثيرة ترهق كاهلنا !
ـ هل لك ثقة بالله يا منتظر ؟
ـ ونِعمَ بالله .
ـ إذاً توكّل عليه يا بُني وتذكر قول الإمام الصادق (عليه السلام) : (من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله ، حيث يقول الله عز وجل : ( وإن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله ) ، ثم
إنك شاب مؤمن ومُتّقي الله ومطيع لأمره لذلك لا يمكن أن يتركك الله بدون مساعدة فلقد قال في محكم كتابه : ( ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقهُ من حيث لا يحتسب ) ، والآن هل هناك فتاة مُعينة
تريدنا أن نخطبها لك ؟
وبدون أي تردد قال منتظر :
ـ نعم .. إنها ملاذ !
ضحك الأب ثم قال :
ـ سبحان الله ، أنت وأمك متشابهان حتى في الاختيار !
ـ هل صحيح يا أبتي إنها اختارت ملاذ أيضاً ؟
ـ نعم يا ولدي .. ونِعمَ الاختيار اختياركما ، سأحدد اليوم موعداً مع
أبيها لأزورهم به .
ـ لا يا أبا منتظر .. لا تستعجل ، أتمنى أن تذهب أمي إليهم أولاً وتأخذ رأي ملاذ فإن حصلت موافقتها لا تبقى إلا موافقة والدها وحينها يمكنك الذهاب للتحدث إليه .. فأنا لا أريد أن أُسبب لك الإحراج في حالة عدم موافقتها .
ـ ماذا ؟ لا توافق ! أين ذكاؤك يا منتظر ، إن ملاذ تتمنى أن تكون خادمتك لا زوجتك !
ـ لا يا أبي .. هذا كان سابقاً ، أما الآن وبعد هذه الفترة لا اعرف ماذا
جرى فقد تكون الأمور قد تغيرت ، الله أعلم !
ـ اترك هذه الأفكار ولا تتشائم ، كن متفائلاً يا ولدي .