يحق لي أن أكون قبيحا !!

222 24 7
                                    

( الرجاء القراءة حتى النهاية )
.
.
تعريف الانسان للجمال أمر نسبي ، و مهما قال الناس أن المهم هو الروح و ليس الشكل ، لا يمكن أبدا انكار أن المظهر الخارجي يلعب دورا كبيرا خصوصا في الانطباعات الأولى عند اللقاء ، طبعا هذا الانطباع قابل للتغير و الانقلاب و ذلك حسب مواقف الشخص ، أخلاقه و كذا معاملته للآخرين ، و بهذا سيتجلى لنا الشطر الثاني من معادلة الجمال و هو مايطلق عليه بجمال الروح ...

في مجتمعاتنا الحالية وُضعت معايير خيالية للجمال ، و لا أقصد فقط الوجه حين أقول ذلك ! بل الجسم و الشعر و الملابس أيضا ، و كذلك لا أقصد النساء فقط بكلامي ! بل الرجال أيضا ، ببساطة لقد أصبحت مجتمعاتنا تعتمد على المظاهر و المادة أكثر من أي شيء آخر ماشية بذلك على خطى الغرب ، و مع الأسف ترسخت بعض تلك الأفكار السامة في عقول معظم الناس سواءا أدركوا ذلك أم لم يدركوه بعد ...

لا تتعجب عزيزي القارئ إن أخبرتك أن مهرجنا وسيم للغاية ! و لا تتعجب أيضا إن أخبرتك أيضا أنه قبيح للغاية كذلك !
.
.
كيف هذا ؟!
تتساءل صحيح ؟
.
.
حسنا سأقص عليك قصة قصيرة ،

● ولد المهرج بقرية صغيرة و لطيفة ، لقد كان جميلا للغاية عند ولادته و أعجب به كل من حوله بشدة !
و من منا يستطيع مقاومة براءة الأطفال ؟! فما بالك إن كان الطفل كالملائكة في شكله أيضا !
طبعا ، عندما يبدأ الطفل بالكبر ستتغير ملامحه و لن يبقى الوجه الملائكي طويلا ، لكن مهرجنا حافظ على جزء من ذلك الجمال في ثنايا وجهه و عاش طفولته كالأمير ...

لكن في مرحلة معينة في حياته ، تلك المرحلة اللعينة التي تدعى بالمراهقة ، تلك المرحلة التي تكشف كل أحاسيسك و تجعلك عاريا أمام الآخرين ،
أدرك المهرج أنه تم خداعه !

كلما نظر إلى نفسه في المرآة لم يجد سوى القبح ! أو بالأحرى هذا ما كان يظنه ... ردة فعل الناس دائما ما تكون مبالغا فيها ، و الناس الذين من حوله طوال تلك السنين جعلوه يشعر أنه بلا عيوب و أنه مثال للجمال المتكامل !

و لكن حينما فتح عينيه أخيرا على الحقيقة و غادر عالمه الطفولي المثالي ، أدرك أنه مجرد انسان مثلهم ... مليئ بالعيوب التي لا يريد لأحد أن يراها...

لقد كره نفسه كرها شديدا و أصابه الاكتئاب الحاد ،
قد تظن أنه يستحق ذلك نوعا ما أو أنه يبالغ في ردة فعله ... لكن نحن نتحدث هنا عن طفل اصطدم بالواقع المرير لا أكثر ... عاش في كذبة ملفقة لم تكن حتى مقصودة ، بل تم نسجها من كلام محيطه الذي ترعرع فيه ...

لقد تحطمت ثقة المهرج بنفسه تماما ، و صار يعيش في الظلال محاولا التخفي ، كان يلعن نفسه في كل مرة يثني فيها شخص ما على ملامحه ... لقد كره الناس و كره نفسه أكثر ... لقد كانت فترة مظلمة و صعبة بالنسبة له ...

لكن في النهاية ، الحياة تستمر و لن تتوقف عند أحد ، قرر المهرج بعد سنوات أن يتقبل كل شيئ ، تغلب على اكتئابه و وضع قناعه الخفي ، أي قناع ؟! طبعا قناع المهرج ! نعم ! هنا بدأ مشواره ! هل كنت حقا تظن أنه ولد مهرجا من بطن أمه ؟! هاهاااا هذا مستحيل !

تابع المهرج حياته كمسرحية ، و المضحك في الأمر أن الناس كانوا يثنون على جماله دائما منذ أن عاد إلى الأضواء و لا أحد ينتبه لكل تلك العيوب التي يراها هو بل الأرجح أنهم لن ينتبهوا أبدا ...

لكن هذه المرة ، اكتسب مهرجنا القوة من تجربته السابقة ،لقد كان يتقبل المديح بصدر رحب و ابتسامة عريضة ، لكنه لم يكن يأخذ كلمة واحدة على محمل الجد ... كلام الناس فتنة و هو لا يريد أن يعيش تلك الكذبة مجددا ، لقد أراد الواقع و لا شيء غير الواقع ...

مرت السنين و التجارب ،
المسرحيات كثرت و كثر المعجبون و كذلك الحساد ، و كل ما كان يدور برأس مهرجنا آنذاك :

معجب بي ؟ كيف ؟ لست بذلك الجمال حتى !
ألا ترا كل هذه العيوب ؟! هناك آلاف من الناس الجميلة هناك ! و هم أفضل مني بمراحل !!

يحسدني ؟! وا حسرتاه ...على ماذا ؟!... على كآبتي أم على معاناتي ... الناس ينظرون لما يعجبهم فقط في الإنسان و يتناسون جوانب حياته المظلمة ... دوما يظنون أنهم وحدهم من يعاني ... و أن الآخرين في نعيم ...

وصل المهرج مرحلة الذروة في التعايش مع هذا الجانب من حياته ، بلغ أقصى درجات تقبل الذات و احترف تجاهل كلام الآخرين و استعاد ثقته بنفسه التي اشتاق إليها و التي كانت أكبر جزء يأسر القلوب في شخصيته ،

لكن الحياة متقلبة و لن تكون بهذه السهولة ، ففي النهاية نحن هنا ليتم اختبارنا أليس كذلك ؟! و جميعنا سنموت في النهاية و الفائز هو من يضمن الدار الآخرة ...

على كل ، مهرجنا أصيب بمرض ، ليس بالمستعصي و لا بالخطير ،
لكنه كان مرضا مزمنا ، هذا النوع من الأمراض يرافق الانسان طوال ما تبقى من حياته و يعمل عمله ببطئ ،
بدأت ملامح المهرج بالتغير شيئا فشيئا ، بمقدار بسيط غير مرئي للآخرين في البداية ... لكنه إكتشف مؤخرا أن هذا التشوه أصبح واضحا للعيان هذه المرة ...

الآن يمكن للآخرين رؤية عيب فيه ، لقد كان يلعنهم طوال الوقت لأنهم يثنون على جماله دون ملاحظة عيوبه ، لكن الآن بعد أن صاروا يلاحظون ، كان الوقع أقوى بكثير ...

ببساطة لقد كان الأمر أسوأ ، مزيج المشاعر التي أحس بها آنذاك لا يمكن وصفها بالكلمات ،

سيطر عليه الاكتئاب من جديد ، لكنه لم يدم طويلا هذه المرة ، ربما يعود الأمر لكبره في السن ، أو ربما لتجاربه السابقة في الحياة ، أم هي مشاعره المتبلدة يا ترى ؟
لا أعلم ! المهم أنه أفاق هذه المرة بعد بضعة أيام و لم يقم بتضييع سنوات كاملة كما فعل في السابق !

نظر المهرج لنفسه مرارا في المرآة محدثا نفسه : " تقبلت نفسي منذ زمن بعيد و ها قد تقبلتها الآن من جديد ، لكن ...
لماذا هذا الخوف الشديد يرتابني ؟! خوف من ردة فعل الناس ؟! ظننت أنني لا أكترث لآرائهم !؟ لكن ... كلامهم و تصرفاتهم تؤثر فيني رغما عني ! كم أتمنى لو أستطيع استئصال هذا الاحساس من داخل قلبي و اضرام النار به !!!

الأمر ليس و كأنني سلعة لهم سوف تخرب و تتشوه ، فلماذا علي أن أحس بكل هذا الضغط و التوتر لشيء ليس بيدي حتى ؟!
تبا لهم جميعا !
..
أنا لله وحده !
...
هو من خلقني ! هو يعرف كل ما أخفيه و كل ما أعلنه ! هو معي دوما في كل مكان و في أي وقت !
هو وحده من ينظر لقلبي فقط و يقبلني كما أنا !
بذنوبي و أخطائي !
هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم !
.
فتبا لكم جميعا ! تبا لكم !
.
يحق لي أن أكون قبيحا أيضا !
.
.
.
.
.........


مهرج حيث تعيش القصص. اكتشف الآن