لن تستطيع تضميد آثامِك

234 53 56
                                    

نزلنا في احدى غرف نُزل بعيد نسبيًا بأطراف الضيعة.
كانت ضيقةً نسبيًا، والفراش يكاد أن يتحمّل جسدي المرتجف، فيما نظرتُ للذي لم يجلس دقيقة بكاملها دون أن ينهض ويمشّط المكان بحنقٍ واضحٍ ووجه محمِرّ وكأن دمه يغلي. وكلّما وجدته ينظر لي، أوشِك على التأسّف عن شيء لم أعلم ما هو.

"لمَ أنت حانق عليها؟ أنا من نُظِر لي وكأنني إثمٌ" سألته، ونبرة البكاء في كلامي لم تخفَ عنه. مما جعله يتوقّف في مكانه ويطأطيء رأسه، ثم رنا نحوي ولا زال كفّه مقبوضًا، واستنكر "لقد أساءت لنا، ألا يصيبك ذلك بالغثيان؟ من أخبرها أن تجلب خرافاتها؟ من سألها لتقترب؟".

كان يسأل بجنون، وبدا لي للحظة أنه ليس الشخصَ الذي أعرفه -أو الذي أكاد أن أعرفه- لقد كان غاضبًا ممّا لم يمسّه، ولم أفهم سبب اقحامه لكبريائه في الأمر.

"إنه عملُها، ولربما أرادت تجربته على غرباء وصادف أننا أوّل من وجدت" قلت في محاولة لتهدئته، لكنه ازداد غضبًا، وكأن تبريري لها هو آخر ما يودّ سماعه. علا زفيره قبل أن يقترب منّي، ويقف حيث تغمّد جسدي أصغر مساحة ممكنة لأحتويه.

لم أنكر السوء الذي اعتراني اثر ما حدث. بالفعل قد شعرتُ بشفقة تجاه نفسي، وكرهتُني أكثر، لكنني أنني لم أملك مخططًا للثأر أو الأخذ بحق ما مررت به، خلافًا عنه.

أمسك ذراعي ليرفعها، كانت ذاتها التي نظرت لها قارئة الكفّ. ثم سألني بجمود "من غيرها رأى هذا؟".

فقدتُ قدرتي على الحديث، حيث التمستُ في مقصده غريزة حذر، أمر لم يكن له معنًى أو سبب وجود تجاهي؛ فأجبتُه بسخرية "أنتَ".

"أقصد مِمّن كانوا هناك" صرّح بأسلوب شديد جعلني أغرق في بقعتي أكثر، وسمعته يتأفف، ويصنع مجلسًا قُبالتي وهو يقبض على ساقه اليمنى بوجوم.

"الأمر معتاد بالنسبة لي. لقد كنت أضمّدها بنفسي فوق كل هذا، إنّه كالواقع المعِيش" أخبرته وأنا أشيحُ بوجهي كي لا ألمح أيّ معالم شفقة محتملة بعينيه.

"أيُّ هراء هذا؟ ألديك أدنى فكرة عمّا سيحدث إن أخبرَتْ أحدًا عنّا، أو كررت تخاريصها المريضة عن الموت لأحدهم؟" ناجى بصوت خفيض، لكنه عاد لذاته الغاضبة بشكل مبالغ فيه، حتى أنني أجفلت واعتكفت عن مناقشته. لم يبدُ أنه يفهم أو يحاول ذلك، وأنا بدوري لم أعلم مشكلته أو ما عليّ قوله ليترك شأن ما حدث.

"ما الذي يسوؤُك في ذلك؟ ليس وكأن أحدنا قاتِلٌ لترعبك هذه الكلمة" ناقشته. وأخذت شهيقًا باستماتة لأخذ نصيبٍ من الهواء علّه يوقف انقباض كامل جذعي، وعلمت حينها أن الليل قد أقبل بأكنافِه، وبدأت الشعلة التي تضيء الغرفة في الانطفاء كذلك.

عندما تغفو الجبالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن