إنها الثانية عشر من صقيعٍ لا يرحم رغم كونها الظهيرة، صمتٌ مفجع، عقلٌ لا يكفّ عن الثرثرة، قلوبٌ تلهث بالدعاء وروحٌ سئمت الانتظار..
ظهر كيان الطبيب بملامحه الباردة كالعادة دالفًا للداخل لو لم توقفه يد شقيقها ذو الوجه المُنهك متساءلًا:
-أختي بخير، أليس كذلك..؟!
فنظر المخاطب نحو ساعته الفضيّة بهدوءٍ وأجاب بعدما رفع نظارته الطبيّة قليلًا:
-مفعول المخدر سينتهي عمّا قريب، سنعرف هذا لاحقًا، على كلٍّ يُمكنك الدخول إن أردت.
صرّح في النهاية بلا مُبالاةٍ غير عالمٍ حجم الفرح الذي غزا عينيّ الأصغر، ثمّ دخل بعده يتامل النائمة بسلامٍ تاركةً إياه بأعصاب مُنفلتةٍ أحرقها الترقب، أنفاسها المنتظمة وجهاز القلب يُشير على الحياة..
"لازالت تتنفس." هسهس وحمد الله شاعرًا برغبةٍ عارمةٍ في البكاء، لا يهمّ إن استطاعت السير مجددًا أو لا، جلّ ما يهمه ألا يفقدها..
-استيقظِ وأقسم ألا أتشاجر معكِ مجددًا أو أسخر منك، سنتسامر في ليالي الشتاء وسنذهب لزيارة المرأة العجوز التي أخبرتني عنها، سأشتري لك حلوى غزل البنات وَلن أشتكي أبدًا من طلباتكِ الكثيرة، سأعدّ لكِ الشاي بالنعناع وسأنهض قبلكِ كلّ صباحٍ وَلن أتعبك في إيقاظي لصلاة الفجر.. فقط استيقظِ أرجوك، فنهارك يفتقد توأمه.
مسح برفقٍ على خدها الأيسر هامسًا بصدقٍ وَترقرقت الدموع في محجريه، ثمّ تابع بأنفاسٍ خنقتها العبرة بعدما احتوت كفّاه يدها الملقية على جانبها بإهمال:
-أرجوك يا الله، اجعلها تستفيق.. أرجوك.
ظلّ يُكرر متوسلًا بإخلاص قلبٍ يظنّ بالله خير الإغاثة..
_____﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19)﴾