الفصل الثاني

9.2K 672 41
                                    

الفصل الثاني :-

توقف الزمن بالنسبة لعمار عند تلك اللحظة، والشك جعل من عقله حجر صغير جدًا أوشك على السقوط في هوة الجحيم...!
فقطع لحظات الصمت بصوت جامد يسأل شقيقه في حدة غريبة غير مبررة:
-أنت بتعمل إيه هنا؟!
فعقد الآخر ما بين حاجبيه بتعجب، ولكنه أجاب ببساطة وملامح هادئة كانت الترياق لسم الشك الذي أنتشر بين شرايين "عمار" :
-يعني إيه بعمل إيه!! كنت جوا باخد من امك حاجة.
فردد عمار ببلاهه وغباء:
-أمك؟ هي أمك هنا؟
فأومأ مصطفى مؤكدًا:
-ايوه يابني جت بقالها نصايه كده أنت متعرفش ولا إيه؟
فحاول عمار استدراك نفسه سريعًا ليغمغم بصوت أجش:
-اه اصل انا كنت برا وقافل تليفوني.
اومأ له مصطفى برأسه وهو يربت على كتفه مغادرًا:
-اشطا يا باشا، استأذنك انا بقا عشان رايح مشوار مهم.
-تمام ربنا معاك.
تمتم بها عمار بصوت يكاد يسمع، لا يصدق إلى أن أوصله التفكير والشك... تلك الحرقة الداخلية تزعزع كل شيء فيه، حتى ثقته في شقيقه الوحيد الذي تربى على يداه...!
أخذ نفسًا عميقًا ثم حاول رسم ابتسامة هادئة مجاملة يُقابل بها والدته بالداخل، وبالفعل دخل ليراها تجلس جوار "جنة" التي كانت منكمشة حول نفسها بصمت بملامح كانت عنوان للحزن الذي يحتل أعماقها...
فألقى التحية كعادته بصوت رخيم:
-السلام عليكم، ازيك يا أمي.
ثم مال نحوها ليحتضنها في حنو، لترد هي بابتسامة ودودة:
-الحمدلله يا نور عين امك انت عامل إيه؟
-الحمدلله كويس.
ابتلعت جنة ريقها بتوتر لا تدري ماذا تقول او تفعل حتى لا تشك والدته أن هنالك شيء قد حدث.. فنهضت قائلة:
-أنا هاقوم أعملك حاجة تشربيها يا ماما.
اومأت الاخرى بابتسامة هادئة، لينهض عمار هو الآخر مرددًا في نبرة حاول أن تبدو طبيعية:
-دقيقة وراجعلك تاني يا ست الكل.
-خد راحتك يا حبيبي.
لاحظت بالطبع والدته من ملامح جنة وحديث عمار المقتضب وتجاهله أن يوجه لها أي كلمة على عكس عادته، أن هناك مشكلة قد حدثت بالفعل، ولكنها فضلت ألا تتدخل بينهما إلا إن أخذت تلك المشكلة مساحة من حياتهما أكبر من اللازم.

دخل عمار المطبخ خلف جنة التي كانت شبه متيقنة أنه سيأتي خلفها، ولن يتوانى عن إفراغ مرجل غضبه الذي يغلي فوق رأسها..!
وبالفعل كانت تعطيه ظهرها وتتظاهر بإعداد المشروب لوالدته رغم شعورها بوصوله خلفها، لتجده فجأة يجذبها له بعنف حتى اصطدم ظهرها بصدره العضلي وهو يلوي ذراعها خلف ظهرها ويُقرب وجهه من اذنها هامسًا بصوت حاد به لفحات الغضب:
-انتي لسه هنا ليه؟ مش قولتلك مش عايز أشوف وشك إلا بعد ال٣ ايام لما تقوليلي مين القذر اللي عملها.
رغم ملامحها المتشنجة أجابت بصوت خافت مختنق بآثار البكاء التي لم تزول كليًا عنها:
-أنا آآ... كنت ماشيه بس مامتك جات كانت جيبالي حاجات ومعرفتش أعمل إيه فسكت!
كاد عمار يتحدث ولكنه لمح والدته التي أوشكت على دخول المطبخ في تلك اللحظة، فترك ذراع جنة على الفور ليضع يداه حول خصرها ويُقربها منه وكأنه كان يحتضنها.. فأغمضت عيناها بألم متمنية لو كان عناق حقيقي هي في أشد الحاجة له، متمنية لو كان ما يعيشونه كابوس ستستيقظ منه لتجد نفسها بين أحضانه كالعادة.. تحركت أصابعه بتلقائية كعادته عندما يتوتر لتشعر بحركته فوق خصرها فابتلعت ريقها بتوتر اكبر، غم مرور الثلاث شهور على زواجهم... ولكن مازالت لمسته التلقائية لجسدها تهز أعمق نقطة داخلها بعاطفة لا تظهر سوى له وحده...

نوفيلا " وصمات بالجملة " بقلم/ رحمة سيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن