الفصل الأول

12 0 0
                                    

قطارات تسير بسرعة فائقة ؛ اقدام بنى آدم تهرول للحاق بها ؛ذاك يودع حبيبته على من متن القطار واعدا اياها بالعودة لها و هو الأمر الذى لن يحدث ابدا ؛والاخر يدعو الله بالتوفيق على القطار ذلك فقد اضطر لدفع الكثير من المال ليستطيع وضع قدميه على متنه ولا يريد العودة ثانية لمستودعه القذر؛من بين كل هؤلاء نرى هذا الشاب الطويل القمحاوى البشرة ذو العينين الواسعتين و الجسد الرياضى المثير ؛ينظر حوله حاملا حقيبته السوداء يتأكد من رقم قطاره فالخطأ ليس مسموح هنا .
يرى رقم القطار أمامه ويتاكد أنه نفسه فى الورقة رقم(٣٦) ؛ليستنشق الهواء ويهدئ من روعه ثم يصعد على متنه؛ليرى بداخله أفراد الطبقة العليا ؛كل منهم يجلس على مقعده بفخر وراحة كلية؛ليبحث عن مقعده هو الآخر ؛ظل يسير ويبحث عنه حتى وجده.
ألقى بجسده بكل اريحية ؛فهو ممتن انه جاء على ذلك القطار وليس ذلك القطار الآخر الذى يعذب من يركب متنه ؛فلولا والده الثرى الذى وضعه على ذاك القطار المرموق لكان ملقى الان هناك؛ابعد عن خياله تلك الأفكار ليضع سماعته فى هاتفه ويضعها على أذنيه مستمعا لاغنيته المفضلة ؛لتبدا حبيبته فيروز بسرد كلماتها الساحرة حتى يصل لمقطعه المفضل "يا هوا يا هوا يا اللى طاير بالهوا"
نظر للنافذة سارحا بخياله ؛متاملا تلك الأراضى الخضراء والزهور المتفتحة حديثا وهى فى ذروة جمالها متمنيا أن يستلقى عليها قليلا فقط لينسى كل شى فى تلك الحياة ؛قاطع خياله ذلك الجسد الذى اصطدم به عن غير قصد ؛نزع سماعته سريعا ليسمع ذلك الصوت الناعم الرقيق :آه ..حقا آسفة لم اقصد ذلك .

التفت ليجد فتاة جميلة فى العشرين من عمرها بيضاء البشرة نحيفة ذات عود فرنسى شعر اسود طويل مسترسل ؛عيناها واسعتان وسع المحيط الهادى بنية اللون.
حدق بها غير ناطقا بكلمة واحدة
_آسفة لكنى فقط اردت الجلوس
عاد لوعيه مدركا الموقف ليتحرك لسانه اخيرا
_آه...لا بأس لكن أين مقعدك ؟
_هنا قالت مشيرة بسبابتها على المقعد جانبه
_تفضلى اذا. قالها سريعا ثم عاد لسماعته وخياله
جسلت الفتاة على مقعدها مبتسمة بعدما وضعت حقائبها .لم تجد ما تفعله .. فقامت بوكزه ليلتفت لها مستفهما
قالت بابتسامة متسعة :
"معذرة الى اين يتجه هذا القطار؟"
نظر لها باستغراب قائلا:
"لا تعلمين لاين يتجه قطارك؟"
عاودت ابتسامتها:
"لا لا .. فقط أتأكد لست غبية لتلك الدرجة"
_لمحطة (النعمان)
_حسنا اشكرك كثيرا
_العفو لم أفعل شى .
_"هل تعلم شقائق النعمان؟"
"إنها زهرة أليس كذلك؟"
"أجل وبذكرها كان هناك بيت شعر عربى عنها يقول:
"وروَى النعمان عن ماء السما كيف يروى مالكٌ عن أنس"
"هل تحبين الشعر العربى ؟"
"بالطبع.. باللغة العربية الفصحى هى أساس كل شى .. لغة الضاد .. لغة القرآن .. لغة عظيمة بحق"
"معك حق ؛ فأى شعر يكتب باى لغة لا يضاهى رونق
كتابته بالعربية"
"اجل صحيح"
أجابته بالهام لتسال مرة اخرى :
_أنا آسفة حقا على هذا التطفل ثانية .. لكن هل تلك أداة عزف؟
قالت مشيرة إلى الحقيبة السوداء بجواره ؛ليجيب هو الاخر بنعم .
_آسفة لكن أختى تحب العزف كثيرا لذا أحب ان اعلم عن هذا العالم بين كل حين .
سكت برهة ليردف :
"يمكنك سؤالى كما تريدين"
لمعت عينا آسيا لوهلة .. لتشكره مرة اخرى .
"لكن .. هل يمكننى انا إلقاء السؤال تلك المرة"
اومات برأسها بشدة .
"هذا القطار للاغنياء .. ذوى الشئون العالية .. وربما
أبناء الرؤساء .. لكنك لا تبدين كذلك .. ولا أقصد الاهانة فقط فضولى يشغلنى"
ابتسمت آسيا بخجل لترجع خصلات شعرها وراء اذنها باصابعها الملساء:
"حسنا .. انا فتاة عادية .. ذلك النوع الذى يعمل كل يوم بعمل جزئى لكى يوفر الخبز للبيت .. لكن لدى ايضا بعض الطموح .. أريد ان اصعد الأعالى وارى العالم من الخارج .. لذلك استمريت فى المحاولة
حتى استطعت الوصول لهنا .. وهدفى التالى سيكون أن أغير للعالم هذا بكتاباتى "
"اذا انتى تكتبين"
"اجل"
"لا اتعجب نظرا لحبك الشديد للشعر واللغة .. وماذا تكتبين بالضبط؟"
"أشعار وخواطر .. وحاليا أعمل على رواية خاصة بى"
"آمل لك النجاح اذا"
ضحكت بخفة لتساله تلك المرة:"وأنت.. ما هو حلمك؟"
"فى الحقيقة لست متاكدا .. فتى مثلى من المتوقع
أن يكبر ليصبح خليفة لوالده .. يدير شركاته ويصبح نسخة محدثة منه"
"ذلك ما يقوله الآخرون بالتأكيد.. لكن ماذا عنك؟"
"ماذا عنى ؟ماذا تعنين؟"
نظرت له نظرة مليئة بالأمل والتشجيع:"أى طريق تريد ان تشقه انت؟"
نظر الى الافق البعيد والى الخضرة الواسعة ليرتخى بظهره على كرسيه :
"اذا كنتى تريدين الحقيقة .. فاظن انى اريد ان اصبح ذلك العازف الذى يتخلى عن كل ماله من اجل تحقيق حلمه .. تعلمين بالتاكيد تلك القصة"
"اجل اجل .. لكنك انت من يحدد اذا كنت تريدها حقيقة امام ناظريك .. أم مجرد وهم وتمثيل"
ربما فى تلك اللحظة تأكد من شى ما بداخله .
اطلقت صفارة القطار صوتها معلنة عن الوصول لوجهتها ويرتجل جميع من على متنه .
"حسنا اظن انه الوداع"
اندفع سليم قائلا ليودع آسيا والتى اردفت بدورها قائلة:
"اجل اظن ذلك.. كان لى الشرف حقا بمعرفة شخص مثلك"
ابتسم سليم لأول مرة حتى تفاجأت هى الأخرى:
"انا أيضا".
وهم الشابان بالرحيل لولا انه اوقفها صوته الذى علا مناديا اياها:
"صحيح .. لم اعلم اسمك حتى الآن"
"آسيا .. اسمى آسيا"
"آسيا؟هل هذا اسم حتى ؟الم تكن قارة من العالم القديم؟"
لم يكد ينهى حديثه حتى تحولت تعبيراتها إلى أقل ما يقال عنها بمرعبة .
رمقته بنظرة أكثر اخافة لتقول صارخة:
"آسيا هو اسم يونانى معناه بلاد الغجر و ايضا يعنى الارض المشمسة ذات الجو العذب .. لما جميع من يرانى يقول أنى قارة ؟؟ .
ضحك سليم تلك المرة بشدة حتى حاوط بطنه بذراعيه :
"أنا آسف .. كنت امزح معك فقط .. اسمك جميل على أية حال "
رمقته بنفس النظرة حتى قالت:"شكرا ماذا عنك ما هو اسمك؟"
"سليم"
"اسم جميل ايضا"
"على اى حال .. اى قطار ستركبين ؟؟
آسيا:قطار (40)
سليم بابتسامة:صدفة صحيح؟ليخرج ورقة من جيبه مكتوب عليها رقم (40) ليكمل:انا ايضا فى قطار (40).
_يبدو انى ساجدك فى كل طريق.
_"اتمنى ذلك."
قالها همس دون أن تسمعه آسيا.
ظلا ينظران بابتسامة لثوان حتى قاطعها الصوت:على ركاب قطار(40)التوجه ؛سيتحرك القطار بعد ٢٠دقيقة
_"حسنا اظن ان ذلك قطارنا"
_هل يمكننا الجلوس فقط لعشرة دقائق فى الاستراحة ؟؟
_اجل بالطبع
سارا حتى وصلا الاستراحة التى كانت بالقرب منهما وجلست على مقاعد طاولة
لتبادر هى بالقول :حسنا ....احكى لى عن نفسك
_ماذا تريدين أن تسمعى
_اى شى فقط تكلم
_حسنا انا سليم .. احب العزف كما تعلمين على تلك الأداة "
قالها بينما يرفع حقيبته السوداء واضعا اياها على الطاولة امامهما .
"وما هى تلك الاداة؟".
بدلا من اجابتها اخذ بفتحها ليريها اياها ؛ ختى اخرج من داخلها كمان اى طفل سيستنتج أنه صنع من أجود انواع الخشب .. فى أرقى المصانع ربما .
"مبهر حقا .. هل تستطيع العزف لى قليلا؟"
"بالتأكيد".
اخرج العصا ليثبت الكمان على عنقه و يبدأ بالعزف.
مرت عدة دقائق وآسيا مغمضة عينيها .. سارحة بخيالها بعيدا عن العالم بين الحان تلك المقطوعة
العذباء .. لترى نفسها فى ساحة بمفردها .. كل ما تفعله هو ان تتراقص على الحانها غافلة عن كل الآلام
..عن كل الهموم .. عن كل شىء فى الواقع.
لم يوقظ سباتها ذلك إلا صوت الرجل وهو يقول:
"على كل ركاب القطار (40) حزم الحقائب والاسراع"
_"يا إلهى!القطار"
_"صحيح نسيناه تماما"
_"لكن اولا يجب ان اخبرك بشى"
توقفت اسيا التى اردفت محدثة سليم.
"ماذا"
"عزفك كان رائعا حقا .. لوهلة رحلت عن العالم ..
لم اتذكر اى شى .. نسيت كل ما يؤلم .. وأى شى
قد آلم .. شكرا لك.. من كل قلبى"
نظر لها سليم كما لم ينظر من قبل .. إلا أنه أخفى ما بداخله بابتسامة شاكرة ليكملا طريقهما .
سارا ركضا حتى وصلا للقطار لكن لسوء حظهما بدأ القطار بالتحرك
_ماذا نفعل الان يا سليم؟؟
_ننتظر القطار بعده
مر امامهما فى تلك اللحظة شاب فى العشرينات من عمره كان يجرى ليلحق القطار
_يا فتى انتظر القطار القادم
_اصمت لن انتظر؛ ساركب رغما عن السائق شخصيا .
قفز الشاب وامسك بالقطار لكن قدمه فلتت لييسقط تحت القطار لتمر عجلات القطار على رجله من أصابعه حتى اعلى فخذه لتبتر رجله وتفصلها عن جسده
امتلأت القاعة بصوت صراخه
امسك سليم يد آسيا وأخذها بعيدا القطار وقال:لهذا قلت انتظر تحمل اذا
نظرت آسيا باستغراب له لكنها لم تتكلم
وصلا الاستراحة ثانية
_الم تشعر بالشفقة على هذا الرجل ؟؟
_لما؟هو من فعل ذلك بنفسه
_كيف تقول ذلك؟اليس لديك قلب؟
سليم:بل لدى.لكنى تعلمت ان وقوفى فى المحطة وحيد خير من ركوبى قطار مماتى
اسيا:انت حقا ليس لديك ذرة عاطفة
_:آسيا انتبهى لكلامك
_: لكنها الخقيقة
احتد النقاش بينهما و علا صوتهما ؛لكن لحسن الحظ قطع نقاشهما شاب محاولا تهدئة الأمور
_اهدئوا لو سمحتوا
_ساصمت فقط حتى لا نفضح
نظرت آسيا له بغيظ لكنها كتمته
اجلسهما الشاب على الطاولة حتى يصلح بينهما
_لا يصح لزوج أن يفعلا ذلك اهذئا رجاء
آسيا فورا:نحن لسنا معا...فقط اصدقاء
الشاب بحرج:اه فهمت ..على أى حال انا خالد
آسيا :تشرفت بمعرفتك يا خالد انا آسيا
_وانا سليم
خالد:تشرفت بمعرفتكما اى قطار تستقلان؟
_قطار (40) القادم وانت؟
_قطار (40) ايضا ..انا متشوق جدا لتلك الرحلة ..سعيد انى وجدت رفقة يا لحظة الجميل
آسيا: حسنا كم تبقى على القطار
قاطعها الصوت:على ركاب قطار(40)القادم التوجه؛سيتحرك القطار بعد ١٠دقايق
وقف خالد بحماس:يبدو أن رحلتنا بدأت
تبعته آسيا بينما تطير نسمات الهواء شعرها المسترسل :يبدو ذلك؛وسليم ينظر بالأفق البعيد منتظرا الدهر الطويل؛من يدرى ما قد يحدث؟؟
........................................................................

محطة الحياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن