الفصل الثالث

3 0 0
                                    

"آسيا تمهلى قليلا"
ارتفع صوت خالد مناديا التى كانت تتضارب مشاعرها وأفكارها معا .. امسك بمعصمها موقفا اياها.
"خالد ماذا تريد؟"صرخت بانفعال منفسة عن ذلك الغضب الذى اجتاحها .
"اهداى قليلا ارجوك ...اسيا انا اعلم انك الان لن تتمكنى من التفكير بشى و لربما أصبحت حتى كارهة لحياتك باكملها ".
حدثها خالد ليضع يديه على كتفيها هازا اياها مكملا:
"لكن اعلمى انى بجانبك .اذا اردتى اخراج غضبك بى ؛حسنا.لكن اياكى و التخلص من حياتك بتلك السهولة من اجل ابن آدم .البشر يؤذون بعضهم البعض ؛اعلم غريب حقا ...لكنها الحياة وتلك قطاراتها التى نلتجئ لها متحملين ما قد نواجهه يوما؛لاننا نعلم جيدا ان الحياة ليس ملونة دائما.ولكنها ايضا ليست مظلمة للابد او تعلمين؟فالحياة كاسطورة طائر العنقاء :يجوب العالم فاردا جناحيه لياتى عليه ذلك اليوم الذى يحترق ؛متحولا الى رماد ؛ثم يحيى طائر عنقاء آخر."
"وما علاقة الحياة بتلك الخرافة؟"خرجت اسيا عن صمتها الذى طال متسائلة.
"هل تذكرين اللحظات التى عشتها مع اشخاص لا تستطيعين رؤيتهم مرة اخرى"
خفضت اسيا عينيها نحو الأرض والدموع تتجمع بعينيها :"اجل ...كثيرا"
" وهى هكذا...نعيش لحظات سواء مع بشر او وحدنا ؛لياتى ذلك الوقت .فتلك الذكريات لا تحترق كالطائر ؛انها فقط تنسى ؛وتمسى مع ذكرياتنا المفقودة متحولة لرماد اسود.لكن ذلك الرماد تنمو منه ذكريات جديدة ؛مع اشخاص نحبهم ونضحى من اجلهم برقابنا .هل فهمتى الان؟"
ابتسمت اسيا بخفة :"لم اكن اعلم انك شاعرى هكذا"
"حسنا.الحياة تجعلك حكيم بما فيه الكفاية"
"خالد ان اعتذر حقا على انفعالى بك.فذلك لم يكن خطؤك."قالت اسيا بندم معتذرة منه؛ليبستم هو الاخر كعلامة للسماح.
ابتعد بصر اسيا الى النافذة التى بجانبها .علق نظرها على ذلك القطار بالجهة الاخرى؛او بالاحرى على ذاك المشهد .
شاب يحتضن فتاة .وضح شوقه الدفين لها.
كانت يده تربت على شعرها بخفة ؛والاخرى محيطة بخصرها النحيف.كانت الفتاة تحيطه بذراعيها ؛كانها تختبئ داخله.
ظلت عينيها عالقة عليهما غافلة عن خالد الذى لاحظ شرودها بهما.
"جميلان اليس كذلك؟"
"من..؟؟"افاقت من شرودها على صوته لتدرك قصده.
"فليحفظهما الله لبعضها ؛ويحيى ذلك الحب داخلهما للابد."
"آمين"دعت آسيا باسمة.ربما ما حدث لها ما كان هينا ؛لكنها مع ذلك لا تبغض من لا ذنب له.
"الا تريدين الخلود للنوم؟"
"اجل..تصبح على خير الان"
_"تصبحين على خير انت ايضا"
ذهبا كل منهما للنوم و استسلمت اسيا فورا للنوم فهى تريد الهروب من ذلك الحزن باى وسيلة .. عكس خالد الذى ظل يفكر ويفكر فى فراشه ؛لينهض و ينظر من نافذة غرفته بالقطار التى كانت تطل على البحر ليقول"انا واثق انك فعلت ذلك لسبب يا صديقى؛لانك ان لم تفعل ؛سامزك اربا اربا"
______________________________________
استيقظت اسيا بالصباح الباكر و نهضت لحمام القطار _بما انه لا يوجد حمامات بالغرف_ لتفرش اسنانها ومشطت شعرها متذكرة كل لحظة من ليلة امس .تمنت لو كان كابوس؛لكنه كان الحقيقة باكملها.
خرجت من اجل الفطور لتجد خالد على المائدة. ذهبت لتجلس معه لتساله عن ما حدث امس
صمت خالد برهة ليقول"دعينا نتحدث فى مكان اخر"
_خرجا من القاعة ليذهبا لمكان يتحدثان فيه براحة حتى وصلا لقاعة عبارة عن نافذة كبيرة زجاجية تظهر كل مفاتن الطبيعة الخلابة.
سارت اسيا بعيدا عنه لتجلس بجانب النافذة تتامل تلك السماء الصافية .. تلك السماء التى تاملتها معه فى ذاك الصباح.
جلس خالد مقابلا لها ليرى بعينيها حزن دفين..
لاحظت اسيا نظرات خالد لكنها لم تحرك عينيها عن النافذة لتردف:"احاول الا احزن.احاول ان اقول انه تقابلنا ليومين فقط ؛وانه لم يكن بحياتى يوما.
لكن لا استطيع تجاوز الامر بتلك السهولة.احيانا اشعر انى لن استطيع تجاوزه ابدا"
نظرت لخالد برهة لتعيد نظرها ثانية لتلك النافذة:
"اتعلم نحن مثل الغزالة و الذئب .غزالة بريئة وقعت بحب ذئب عاوى اعطته قلبها وهو اعطاه كلمته لكنه لم يتسمك بها ...صور لها العشق فى ابهى صوره ثم التهمها كأنها مجرد غزالة ...لا غزالته "بدات الدموع بالسيل مختلطة مع ثغرها "اسميت نفسى الغزالة ذات الوبر الازرق وهو الذئب الذى يعوى فى ضوء القمر "
نظر خالد لها بتاثر بعد سماع كل تلك الكلمات الاليمة
لكنها التفتت قائلة"تظن اننى نسيتك؟انت كنت النمر الذى يعدو فى ضوح النهار"
ابتسم خالد بانكسار مردفا:
"رغم كل ذلك...لم تقولى عنه شيئا سيئا"
ابتسمت اسيا :
"تلك الليلة باكملها حاولت جاهدة ان اكرهه لكن لم استطع.ليس لانى اعشقه لا...بل لان قلبى لم يكن داكنا يوما ليكره او يبغض احدهم"
"انا سعيد بك اعملى ذلك"قال لها خالد مشجعا اياها.
"لكن.."قاطعته مستدركة.
انا اشعر بالم يا خالد هنا "قالت مشيرة لقلبها.
"اذا لا تشعرى به" لم تكن تلك المرة من خالد كالعادة.
التفتت اسيا سريعا لذلك الصوت الذى تعرفه جيدا.
وقفت متسمرة امامه ؛لم تفهم لما عاد لكن لا يهم؛ المهم انه امامها .المهم انه اكرمها بنظرة اخرى إليه .
كم تكره ضعفها ذاك!!وكم تكره حبها له ايضا!.
"سليم؟؟ما الذى عاد بك؟"سأله خالد مستفهما.
"خالد دعنا نتحدث لاحقا رجلا لرجل حسنا؟"سال سليم خالد آمرا اياه ؛ ليومئ خالد بالموافقة :
"حسنا...على طريقتك اذا"
تحركت عينيه باحثا عنها ليجدها وراء خالد .ليرى كم هائل من التانيب بعينيها .. لكن دون اى كره.
هم ليقترب؛لكن خالد منعه :"لا تقترب الا إذا سمحت هى "
"حسنا...فقط ساخبرها ما بصدرى والقرار قرارها بعد ذلك".
ظل يشرد بها؛متاملا اياها...لربما تلك المرة الاخيرة التى يكرم بهذا الفضل.حرك فاهه ليبدا بحديثه:
"اسيا انا لست محترفا فى الكلام .انا لست معتاد على الاعتذار او الكلام الرومانسى .لا افهم فى كلام الحب او تلك الأشياء كثيرا لذا اعذرينى.لكنى اضمن لك انى إذا قلت كلمة لا اعود بها و اذا قلت اسف فسيكون قد مضى وانا صادق حينها .انا سليم وانا الان نادم بشدة على ما ارتكبته تجاهكما ولا انتظر ان تسامحينى ولن اذكرك ...انا سليم ذئبك الذى وعدك واعطاك كلمته و ذاك الذى اعطيته قلبك ...انا اسف من كل قلبى واخبرتك لست محترفا فى كلام الخداع لكن انظر ى بعيناى وستعلمين إذا كنت كاذبا ام لا"
_دون قوله ..كانت اسيا غارقة فى عينيه ؛متامله اياهما وهى ترى الندم بهما. تتمنى لو لا تسامحه ابدا...لكنها ليست من يتحكم بذلك؛فقلبها اصبح سيدها الان.
"ولا تقولى شيئا .من المؤكد انك غاضبة الان ؛فكرى الليل بطوله واجيبينى صباحا ؛نحن اثمن من ان نقرر حبنا فى بضع دقائق صحيح؟.
أومأت اسيا لتنبض به الحياة مرة اخرى .. فحتى لو لم تسمعه صوتها...يكفى لديه انها قبلت التفكير مرة اخرى .
"حسنا ... خذى هذا "اخرج من جيبه ورقة مطوية لعيطيها اياها "اقرأى هذا وستفهمين اكثر"
التقطتتها منه والتساؤلات بعقلها تكاثرت.ترى هل ترى الحقيقة ؟هل تفهم بعد كل هذا؟.
الكثير والكثير داخلها؛لكن شى واحد ادركته حينها...انه مهما حدث ؛سترى الحقيقة بتمعن حتى لا تندم فيما بعد.
"خالد"قالها ملفتا لخالد ؛ليفهم الاخر.
ذهبا الرجلان وتركا اسيا ؛وحدها.تركاها وحدها مع تلك الورقة التى اعطاها اياها سليم؛الحقيقة التى ستوضح كل شى حدث؛كل شى آلمها .لم تستطع منع فضولها ؛لتفتحها فور رحيلهم لتبدأ بقرائتها لتتسع عينيها شيئا فشيئا.
........................................................................
اخذ يحكى سليم لخالد كل ما حدث ...اخذ يروى له كل تفصيلة .
"كان يمكن ان تخبرنا حينها..كنا لنساعدك"
"هيا يا خالد لا تكن هكذا انت تفهم لما فعلت ذلك"
"اجل لكن ذاك ليس مبرر"
"اضطررت لفعل ذلك ما باليد حيلة"قالها سليم مقتربا من الشرفة الى الافق البعيد واستنشق نغسا عميقا مكملا"ذلك نتيجة كونك ابن قيود الذهب"
........................................................................
بدات اسيا تقرا الرسالة مرددة كلمتها بصوتها الرقيق
"عزيزتى اسيا اكتب ذلك خوفا من عدم رؤيتك ثانية .لو تعلمين كم احبك لكن ليس كل ما يهواه القلب يناله.حقيقة سفرى لم تكن الدراسة كما قلت لك فقد كذبت .ابى ارسلنى من اجل خطبة فتاة .اجل تلك الفتاة الشقراء التى رايتها منذ قليل ...فقد كانت صديقتى فى الطفولة وتدعى نيفادا ؛ليحدث فيما بعد ان ابى يمنحنى ثروته شرط الزواج منها .قد كنت فتى صامت ؛لم اعلم ان لدى قلب يشعر ويحب حتى قابلتك .عندما صدمتنى تغير كل شى .كل شى بدا بضربة وانتهى بحب.عندما كنت نائمة بالقطار اتصلت بابى اخبرته انى لا اريد .وانى وجدت الفتاة التى طالما رسمتها فى الصبا ؛انتظرت منه عدم الموافقة لكن لم يحدث ذلك ؛قال لى ابى انا اختار ما اريد و احيا كما اريد وانه مهما حدث سيظل ابى ولكن اذا أردت ان اغامر واذهب معك يجب ان اتنازل عن تلك الحياة المرفهة و الثروة ...اخبرنى اما ان اختار بين اثنان ؛انت او المال وحياتى السابقة الاشبه بالسجن .كنت متخبط وقلت تسرعت وانى انساك .اعذرينى لكن فى اللحظة التى تركتكما بها شعرت بنخنجر طعن قلبى .لم اعلم كيف ساعيش بعدك و علمت انى كنت مخطئ ؛يبدو انى لا انساك ولو بعد دهور .اكتب ذلك لك لانى اريد اخبارك بذلك .. حتى وان لم تقرأى رسالتى .
قد اتصلت بابى واخبرته انى قررت .اخبرته انى لا اريد ثروته او أمواله الطائلة ؛ولا اريد الزواج من نيفادا .فانا لا يمكن ان اخسركما ؛انتما اجل؛انت حبيبتى وخالد اول صديق لى واول شاهد لحبنا صحيح؟.انا آت لذا .. انتظرينى"
انهت اسيا الرسالة غير مصدقة لما قراته .اتلك هى الحقيقة؟؟شعرت ان ليست هى فقط من تالم بحياته ؛فيبدو ان سليم ايضا تالم كثيرا .فالاصعب من الطعن بالاسهم ...الصمت على الطعن بها.
طوت اسيا الورقة لتقبلها وتضعها جانبا .
القت بنفسها على السرير واعدة اياه:
"انت طعنت كثيرا ايضا ....وانا سانزع تلك الطعنات عنك... لكن ليس بتلك السهولة"
........................................................................

"خالد انا مدين لك باعتذار ..اسف على كل شى "
"لا عليك نحن الرجال نفهم بعضنا و اثبت لى انك رجل حقا بكلامك مع اسيا .انت لم تلجا لاسلوب خداع ؛قلت الذى بقلبك فورا "
نظر خالد نظرة مختلفة لسليم ؛ففى الحقيقة لقد اصبح يحترمه كثيرا ؛اصبح يؤمن ان هذا الفتى لديه قلب .....قلب من ذهب .
ابتسم خالد ليعيد نظره للطبيعة ليقول
" يبدو انك تحبها حقا يا فتى"
نظر له سليم بعيونه الواسعة ...... فهو على الرغم من انه لا يظهر شى على وجهه الا انه شعر حقا بمدى اخلاص خالد .فاول مرة يحصل على صديق .....صديق مخلص يقف بجوراك يساندك على مر الزمن.
قال بابتسامة واعاد نظره للنافذة"اجل انا كذلك'
______________________________________

محطة الحياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن