الفصل التاسع و الأخير

4 0 0
                                    

"حسنا لم أتيت بنا إلى هنا؟"
"الم أعدك أنى سانهى تلك القصة؟ .. دعنى انهيها الان"
كان ذلك خالد الذى نادى سليم لركن بعيد ليتحاورا بشأن ماضيه اللاذع.
_"لكنك لست مضطرا لفعلها .. على اى حال لا يهمنى ما حدث حينها "
_"حتى إن كنتُ قاتلا"
سأل خالد سليم بعصبية لتتسع عينى سليم بدهشة ..
كان ما يتوقعه خالد إما ان يتملك الخوف قلب سليم فيفر هاربا من أمامه .. أو أن يفهم أن يديه تلوثت بدم أحدهم يوما ما ؛ فيفر هاربا تلك المرة أيضا .
إلا أنه لم يخف .. ولم يفر .. ولم يفهم كذلك.
عم الصمت الارجاء ما يقارب العشرة دقائق .. حتى قطعه صوت خالد الذى صاح :
_"أليس لديك إجابة ؟.. لك الحق ان ترحل .. ولن يلومك أحد على ذلك .. لا يمكن ان تبقى بجانب
قاتل .. الم تفهم بعد؟؟.. انا مجرد قات..."
جاءت تلك الصفعة بقوة لتوقف خالد عن الحديث ..
كاد أن يقع إلا أن سليم أمسكه من ياقة قميصه بقوة
ليجعله يقف على قدميه مرة أخرى ليصيح به تلك المرة منفذا عما بداخله من غضب جم:
_"كيف يمكنك قول ذلك؟؟ .. لا ولن أهرب أيها الغبى .. لا يمكننى تركك فى محنتك .. ألسنا أصدقاء؟؟"
_"لكنى أخبرتك أنى قاتل .. كيف يمكنك أنت ان تبق...".
لم تكن تلك المرة صفعة واحدة .. بل أكثر .. انهالت علي وجهه لتصمته .. أو بالأحرى لتخبره بحقيقة الأمر .
انهال سليم على خالد بالضرب ليدفعه الآخر مستغلا تلك الثانية الفاصلة بين الواحدة والأخرى .. ليمسك
كل منهما بياقات قميصى بعضهما البعض .. لم يفهم اى منهما ما سبب ذلك الشجار .. لكن إن كان هو ما سيخرج الحقيقة .. فلا مانع بخوضه إذا.
جاءت صفعة أخرى أو بالأصح لكمة .. لكنها كانت من خالد الذى صرخ بنفاذ صبر :
"لم لا تهرب .. لم لم تخف منى؟؟"
"لأنك لست بقاتل أيها الأحمق"
كانت تلك الكلمة كرصاصة اخترقت صدر خالد .. لم
يفهم لما وكيف .. كل ما كان يدور بخلده هذا .
مما يكون قلب هذا الشاب؟ ..كيف لا يفر سريعا بعدما يقف أمام شخص يقول أنه كان قاتلاً يوما ما؟؟ .. لما
يتشبث بى كأنى .. كأنى له اخا حقا .
ترك كل منهما الآخر بعدما هلك جسديها من الضرب المبرح ذاك .. ليقع على الأرض فى آن واحد .. معلنين عن استسلامها .. و يرفع الحَكَم يده معلنا نتيجة التعادل .
رفع سليم نظره لخالد الذى كان بدوره رفعه كذلك .
"كيف لك أن تعلم أنى لست قاتلا ؟"
سأل خالد سليم الذى ابتسم ابتسامة خفيفة .. لتتبعها ضحكة مدوية فى الأركان .. ليضحك الآخر وتمتزج ضحكتيهما سويا .
_"لا أمزح حقا .. كيف؟"
_"لا أعلم"
اعتالت الدهشة نفس و وجه خالد الذى أعاد سؤاله :
"كيف"
_"لأنك لا يمكن ان تصبح قاتلا .. أنا متأكد أنه سنحت اك الفرصة لتصبح كذلك .. لكنك لم تفعل ..
لكن تلك المرة يحين دورى فى السؤال ."
أنهى سليم حديثه المشوق ليعتدل فى جلسته ..
سائلا خالد:
"حسنا اذا .. ما نهاية تلك القصة؟"
على عكس سليم .. استرخى خالد أكثر فى جلسته ،
ليريح برأسه على الحائط وراءه .. آخذا شهيقا وزفيرا مكملا حديثه:
"حسنا .. لك ذلك"
........................................................................
"يا فتى .. لا يمكنك فعل شى حيال ذلك .. فقط استسلم "
كان ذلك روبرت والد خالد .. يحدث خالد ليهدئ من روعه بعدما أبرحه ضربا .. نتيجة محاولة خالد الفاشلة للهجوم عليه .
كان جسد خالد مرهقا بما فيه الكفاية .. فلم يسعفه على الحراك لانش واحد .. حتى أنه لم يعد يشعر بشى .. يرى ذلك الرجل يتحدث بحديث لم يفهمه بالبداية .. ليفهم انه فقد سمعه تلك المرة .
لم يشعر حتى بذارعه التى جذبه منها ليرفعه فيكون مواجها لوجهه المقرف .
_" اخترت مصيرك بيديك تلك المرة".
اغمض عينيه مستسلما .. فبالنسبة له لم تعد للحياة معنى .. فلم المقاومة اذا؟.
_"مثلك كمثل امك الحمقاء .. والآن ساتخلص منها تماما".
لم يفهم كيف يمكنها ان تجعله مشتعلا فجاة هكذا .. فمنذ ثانيتين كان جسده خائر القوى ، بينما تلك اللحظة أصبح مستعدا للكم .. وربما القتل .
فتح عينيه رويدا رويدا .. لينظر لذلك العجوز نظرة اعتاد ان يراه بها ..نظرة مليئة بالكراهية .. باللوم .. بكل ما هو قبيح .
وقعت عينيه فورا على ذلك الشى الاسود المحاط بخصر الضخم .. ليفعل أول ما قد يخطر ببال اى امرءٍ ساحبا إياه بسرعة وينظر له بتلك النظرة لآخر مرة :
"أبدا .. لن أستسلم أبدا"
ليضغط على الزناد دون ان ينظر حتى إلى أين يطلق .. إلا أنه ما كان ليؤمن إلا بأمر واحد .. لن يسمح أن يكون مثله .. لن يصبح قاتلا مهما جرى.
كان ذلك آخر ما خطر بباله قبل أن يطلق النار على قدم روبرت الذى قذفه ليُلقى على الأرض .
بطبيعة الحال لم تكن قدمك لتساعدك .. إلا أن صرخاته التى ملأت الأرجاء دبت فى صدره الرعب ؛ مما جعله ينهض فورا موجها ذاك المسدس تجاه وجه والده الذى ظل راقدا دون حراك .
"هيا افعلها .. لن تستطيع أتعلم لما ؟؟ .. لأنك مجرد جبان .. أنت ابن والدتك وستظل كذلك ."
كانت كلماته السامة سهاما فى ظهر الفتى الصغير .. رغم اعتياده عليها طوال تلك السنوات .. إلا أن الأوضاع تغيرت الآن .. فقد سنحت له الفرصة للانتقام .. لكل تلك الآلام .. لامه .. للارى .. لنفسه .
كان عقله يغرق فى تلك الدوامة أكثر فأكثر .. لطالما كان ما يهابه أكثر من الوحش .. هو ان يصبح ذاك الوحش فى يوم من الأيام .. لكن لا .. لا يمكن أن يخيب ظنها بعد كل شىء.
_"هيا أطلق أيها الجبان"
انطلقت كلمة أبيه فى أذنيه ليصرخ صرخة تبعها صوت دوى فى كل مكان حتى وصل تلك المرة للخدم وكل من فى قصر ليعدو كل منهم فى خوف ورهبة باحثا عن سببه .
وقع أرضا ليلقى المسدس بعيدا مخفضا رأسه حتى لامست العشب تحت قدميه.. اخذ يصرخ ويصرخ .. كم يكره ذلك .. كم ذلك المخلوق.. لكن قبل أن يكون حتى إنسان .. لازال والده .. للأسف.
رفع جسده لينظر بمحاذاته .. رآه ينظر له برعب أثر تلك الطلقة التى أطلقت فى أعالى الهواء .
_"لم..ا .. لما لم تط .. لق على؟"
نهض خالد ليسير حتى اقترب من روبرت الذى لم يستطع الحراك أبدا :
_"كل إنسان له وصية قبل موته .. وقبل أن تقتلها انت اخبرتنى هى بوصيتها .. ألا أقتلك أبدا..حتى وإن سنحت لى الفرصة "
أدار ظهره له ويسير ناحية لارى الغارق فى دمائه .. ليجثو على قدميه .. هبطت دمعة من عينيه لتسقط على خد صديقه الراحل .. والأول .
نهض ليلتقط حقيبته ويضعها على ظهره مكملا مسيرته ، لكنه توقف للحظة قبل أن يقول :
"سيأتى أحد بعد خمسة دقائق على الأكثر .. بالتأكيد قد سمع أحد حراسك أو خدمك صوت النار .. لا أريد منك شى .. لكن.."
توقف فى حديثه .. لينظر للارى نظرة اخيرة :
"ادفنه بطريقة لائقة .. هذا سيكون من الأفضل لك .. سأعود يوما وأزره .. وإن لم اجده كذلك .. لن ترى خير منى تلك المرة"
أنهى حديثه ليختفى تماما من الأنظار .. ليأتى بعدها بثوانى حراسين ويحمل أحدهما سيده المصاب ، بينما أخذ الآخر فى حمل لارى ليلقى به فى أى ركن .
_"انتظر"
توقف الحارس لعلمه بصاحب الصوت .
_"لا تلقى به .. سأدفنه فى المقابر"
_"لكن سيدى .."
_"لا يوجد لكن .. هل سمعت؟"
صاح روبرت بالحارس الذى ارتعب ليومئ له ويحمل لارى ليحضره للدفن .
_"سيدى يجب ان تءهب للمشفى"
_"لا .. اتركنى هكذا .. ضعنى بجوار تلك الشجرة"
_"لا يمكن يا سيدى ستمو.."
_"أنزلنى كما قلت"
لم يجد الحارس سوى أن يفعل ما أُمر به ، ليأمره الآخر بالذهاب وتركه وحده .
كان يعلم أنها أنفاسه الأخيرة .. استمر ينظر للسماء طويلا .. ليتلفظ بكلمته الاخيرة:
"عش بسلام .. يا ذو الأحلام"
........................................................................
_"إذا لستَ قاتلا"
_"لا"
ردّ خالد على سليم بينما كانا يساعده على النهوض .
_"لكن ما يثير فضولى ... قولك لى بالبداية أنك قتلت"
_"لا أعلم .. فقط.هكذا"
تنهد سليم بعدما نهض ليقول:
"أنت تجعل المرء قاتلا .. أتعلم ذلك؟"
ضحك خالد ليصفعه سليم مرة أخرى .
ظلّا يتجادلا كالاطفال .. لكن لم تمر خمسة دقائق
حتى آخذا يضحكان سويا .
اعتلت الابتسامة وجه خالد لينظر للسماء محدثا خليله:
"أوتعلم؟!كانت دائما تقول ان كل رجل جيد ..واذا شهدت رجل سئ لا تكرهه ؛ بل اشفق علي حاله..
كل ما فى الأمر أنه فقط لم يجد المرأة التى تجعل منه هذا الرجل الصالح .
ابستم سليم لصديقه :"انا واثق أنها كانت اعظم امرأة فى العالم"
"أجل هى كذلك ."
ساد الصمت لدقيقتين حتى أعاد ثغره للحديث :
"لكن اظن انها لم تكن كافية له .. لم تفقد الأمل يوما..حاولت كل يوم ، وكل ثانية ، ولحظة .. لكن بائت محاولتها بالفشل بالنهاية"
تبعت كلمته الاخيرة دمعة فدمعتين .. فبكاء غزير .. ليمسى نباح موجع لقلبه الجريح .
"أوتعلم انت؟!"
كان المتحدث سليم الذى كان يتألم لألم صديقه .
"انا كذلك عشت اليتم .. فى سن الثامنة.. كانا والداى فى شجار دائم..كنت حينها طفل صغير لا يعى شيئا ، وفى صباح يوم معتاد استيقظت على صوت صرخات فى كل الارجاء .. لا أعلم كيف .. لكنى شعرت انها كانت هى .. سألت نفسى كل يوم لما؟؟.. لما رحلت وتركتنى يتيم ناقص الروح..
كنت اتخيلها دائما تسير معى عند نافورة بيتنا وتربت على شعرى لتحتضنى بعدها .. ثم ترحل .
أتعلم ما أكثر شى ندمت انا عليه ؟؟ "
اردف بسؤاله الاخير رافعا رأسه تجاه الآخر ليجيب بصوت مبحوح أثر البكاء:"ماذا؟"
"أنى لم أخبرها كم انا احبها .. وكم هى عظيمة ..اعظم ام سيسمع عنها التاريخ .. أخبرها كم ان ابتسامتها التى لم تختفى للحظة رغم آلامها جميلة .. وكم ساشتاق اليها".
ابتسم خالد وسط بكائه ليربت على كتف صديقه :
"انا متأكد أنهما سعيدتان .. فقد كل منّا نفسه الآن ..
لذا لا داعى للبكاء هكذا"
_"أجل".
أخذا يمسحان دموعها .. ليمسك كل منهما يد الآخر واعدين أن يظلا اقوياء مهما حدث أو جرى.
_"انا سعيد لأنى وجدت صديق مثلك"
_"وأنا كذلك"
_"أظن أن الفتاتان قد سئمتا الآن"
_"صحيح نسيت أمرهما تماما"
هما للرحيل ، ليتحدث خالد :
"الم تسامحك آسيا حتى الآن .. أنا متأكد أنها لازالت تحبك .. فقط اصبر قليلا .. ما فعلته حينها لم يكن هينا أبدا"
_"أعلم لا تصعب الأمور على .. فقط اتمنى ان تتحسن الأمور بيننا .. لأنى سأتقدم لخطبتها عما قريب "
توقف عن السير ليصرخ:
"ماذا؟؟ .. تخطط دون أن تخبرنى ؟؟"
_"اهدأ أريد ان اجعلها مفاجأة لها .. على اى حال تحدثت مع والدى وهو موافق لذا .. لما لا؟"
ابتسم خالد ابتسامة واسعة :
"حسنا إذا .. اتمنى لكم حياة سعيدة .. لكن ستسمى
طفلكما الأول على اسمى بالتأكيد"
_"لن يحدث .. اسمك عتيق "
_"ماذا"
بدآ جدالا آخر .. وكالمعتاد ، سينتهى بعد دقيقتين بالضحك والهتاف .. وسيجتمع الأحباء .. بسنة الله ورسوله .. وستُبنى بيوت من طوب .. لتمسى بالحب قصور ..و سيداوى الجريح .. لتُضمَد الجراح .. وسيحيا الاصدقاء ..بنور الوفاء .. و ستولد حيواتُُ جديدة .. معلنة عن النور والأفراح .. فلا يهم ما يحدث الآن .. ففى كل ظلام .. بصيص أمل ..
وفى كل قطار يقلنا .. سنراها .. لتظل كما هى ..
محطة الحياة.








لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 19, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

محطة الحياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن