الفصل السابع

2 0 0
                                    

السماء صافية والعصافير تغرد بجانب نوافذ القطار ...انقضى وقت الضحى وحلت الظهيرة ؛لتستيقظ تلك التى تثائبت لتقفز من سريرها .
اتجهت ناره الى دورة المياه لتقابل خالد بطريقها.
القت عليه التحية لتساله :
"الن تذهب من اجل الفطور؟فالساعة قاريبت على الواحدة ."
اجابها بامتضاض وضح من لهجته"لا ...لا اريد"
همت بالرحيل لكنها وقفت لتساله :
_"خالد هل هناك ما يضايقك؟"
_"لا "
_"حسنا لكن تذكر اذا اردت الحديث معى بشى يزعجك لا تردد"
ضحك خالد بسخرية ليقول:"من يتكلم؟...وهل يستمع من لا يحكى؟؟!"
نظرت له ناره باستغراب متسائلة:"ماذا تقصد؟"
اختفت ابتسامته شيئا فشيئا لينظر لها بغضب :
"اظنك تفهمين جيدا...هل من نمد يدنا له ويصفعها يعتبر محل ثقة؟انتى لن تفهمى حتى اذا حكيت لك"
ظلت ناره متصنمة ؛فهى لم تفهم شئ مما قاله للتو.
_"ماذا؟؟..اتقصد..؟هل لانى لم اتحدث ؟"
نظر لها خالد برهةً ليعيد نظره امامه .
"خالد ...ليس لانى لا اريد التكلم بل لا استطيع ؛اذا اردت انت اول من آتى إليه تعلم ذلك ".
_"لا لا اعلم ...اتعلمين لما اتضايق ؟اتضايق لانك لا تقبلين المساعدة ابدا....تظنين انك وحدك تستطيعين ؛لكن ذلك ليس بصحيح ...هناك من لا يمسَك بيده ليربَت عليها...هناك من يُصفَع بها فقط...وانتى تلك اليد تردينها بدون اى مبرر... هل فهمتى الآن؟" .قال مخرجا ما بصدره متحكما بالشى الوحيد الذى استطاع التحكم به ...وهو الا يرفع نبرة صوته ؛ لانه متاكدة بشكل كامل اذا كانت واجهت ما واجهه هو ايضا ...فلن تتحمل لام يرفع شخص صوته امامها حتى .
حاولت ناره ان تفهم كلامه المبعثر الذى شوش عقلها تماما .. الا انها دخلت بدوامة أخرى لا أكثر.
"
_"خالد انا اتفهمك و شاكرة كثيرا للمساعدة التى قدمتموها لى ؛وللعلم انا لم اردها ابدا كل ما بالامر انى لا اريد الحديث "تحدثت ناره محاولة مسك اعصابها .
_"حسنا بما انك لا تريدين انا ايضا لا و لن اريد"قالها خالد ليتركها ويرحل.
لم تفهم ناره اى شى من حديثه الغريب هذا .شعرت ببخار يتصاعد من رأسها ؛لتعود ادراجها ناسية سبب مجيئها حتى .
دخلت الغرفة لتجد الاخرى قد استيقظت بالفعل. القت بنفسها على السرير بغضب ؛مما جعل الاخرى تلاحظ تصرفها لتسالها مستفهمة:
"ناره هل اكل القط طعامك؟.. ما بك؟لما عدتى بتلك السرعة؟"
اعتدلت ناره لتجلس امام اسيا وتبدا بالحديث راوية لها ما حدث للتو مع خالد .
كانت آسيا مستغربة بالبداية وظلت تفكر كثيرا حتى انها لم تلاحظ سبابة ناره التى كانت تتحرك هنا وهناك .
مر حوالى عشر دقائق حتى تحدثت اسيا :
_"ذن ...خالد غاضب لانك لا تقبلين المساعدة منا اليس كذلك؟"
"اجل .. لا ، هو من أساء الفهم .. لم أقصد شى أنا فقط .. أنا لا أستطيع .. لو كانت لدى المقدرة لفعلت ؛
لكنى خاوية منها .. وما لا افهمه لما لا يتفهمنى؟؟
هل هناك سبب وراء ذاك الحديث؟".
اردفت ناره سائلة آسيا التى نهضت من سريرها لتجلس بجوار الاخرى :
"حسنا...اظن انه كذلك لانه....لانه يمد لكى اليد التى لم تمد له او التى كان يحتاجها فى وقت ما وبعدما رفضتى الحديث عن اى شى تهيأ له انك هكذا ترفضينها غير مستوعبا انك لا تتمكنين من الحديث فحسب ..ليس لانك لا تريدين بل لا تستطيعين."
"دقيقة....لم افهم قولك اليد التى لم تمد له.انتما معه دائما أليس كذلك؟ما الذى يريده اكثر؟؟...هو فقط لن يفهمنى ابدا"قالت الاخيرة لتنظر اسيا على اثرها بحزن؛فهى تعلم انه اكثر من قد يفهمها هنا .. فقد مر بالتاكيد بما مرت به هى او حتما اكثر.
"ربما يكون معك حق و لكن..."توقفت اسيا عن الحديث بعدما شعرت بثقل صدرها .ارادت التحدث، اردات اخبارها بكل ما مر هو به لتتفهمه هى تلك المرة .
_"ولكن كل ما تريدين معرفته...انه يهتم لأمرك حقا ، حتى وان اتضح لكى عكس ذلك".
مر حديث آسيا بسرعة ليتبعه نهوضها لتقف أمام الباب باستكانة .
نظرت ناره لآسيا ، لم تجد كلام او حديث لتقوله ؛فعقلها امتلأ بما فيه الكفاية من الافكار .
استلقت على السرير آملة ان تغط فى النوم متخلصة من همومها التى بدأت تتكاثر اكثر فاكثر ، لكن لم يتحقق ما ارداته أثر يد اسيا التى جذبتها من ثوبها لتنهضها رغما عنها مع القليل من تذمر ناره .
_"هل على ان اجذبك لتنهضى؟"
_"الا يمكننى حتى النوم؟"
_"ينام المرء ليهرب من افكاره .. إلا أنها ستاتى فى أحلامه .. لذا لا تهربى أنت أيضا .. واجهي"
اقتربت آسيا من ناره لتربت على رأسها بخفة لتقول مبتسمة :"ناره....الوحش الذى يخيفك ما عليك سوى مواجهته "
_"صحيح"
"والآن ...هيا هلمى ...لنغتسل سريعا ، لا اريد ان اضيع الافطار"
نظرت ناره بسخرية لها "اذا انت فقط تريدين الطعام .لما لم تقولى ذلك ايتها الشرهة؟".
تحدثت ناره لتعدو نحو الحمام سريعا هاربة من تلك التى تحولت الى غوريلا بشكل مفاجئ . حسنا ... احيانا لا نواجه الوحش ،بل نفر منه وهذا عندما يكون الوحش هو آسيا بالطبع.
........................................................................
"لن تقول شيئا صحيح؟"
كان ذلك سليم الذى مرت عليه نصف ساعة تقريبا منذ بدأ يسأل خالد عن حالته الغريبة تلك التى اعتالته منذ وصل عند الاخر.
"قلت لك لا يوجد شىء بى ...لست غاضب او ما شابه " رد ذاك محاولا تجنب النقاش .
نظر سليم لخالد بغير استيعاب ليردف :"خالد"
"نعم؟"
"هل تدرك انك قلت للتو ما بك؟"
لم تمر سوى لحظات حتى ارتفع صوت خالد صارخا
_بعد استدرك ما قاله توا_ بطريقة طفولية تثير الضحك :" "توقف عن ايقاعى بالكلام ...انت من تلح على كثيرا ،قلت انى لست غاضبا لذا، هذا لا يعنى انى غاضبا ابدا حسنا؟".
كان خالد غاضبا كثيرا من موقف ناره ...كثيرا حقا ،لكنه لحسن الحظ غفل عنه وازداد غضبه اكثر من سليم الذى كان غارقا بالضحك والقهقهة على صديقه الساذج ؛لكن حتى ولو كان ساذجا ، فلا زال صديقه .
احتدا حاجبى خالد ،احمر وجهه معبرا عن مدى غضبه ، ليمسك سليم محاولا اسكاته :"قلت لك توقف...توقف ، هل انت طفل ... هل انت طفل ها؟"
امسك سليم يدى خالد منزلا اياهما ليتحدث محاولا كتم ضحكه:"حسنا...حسنا... أعتذر ..آسف حقا"
"هل أحزانى جميلة لتلك الدرجة؟"تمتم خالد مرخيا وجهه على يده .
لم تمر سوى دقائق سادها الصمت .... قطعه سليم الذى انتظر خالد سؤاله ، متوقعا عما سيسأل ايضا .
"حسنا....لما انت غاضب هكذا ؟هل يعقل انك لازلت غاضب من تلك الفتاة ؟"
"أولا لديها اسم ,ثانيا اجل... لازلت غاضبا كثيرا ايضا"

"خالد لما لا تفهم؟تلك الفتاة....اقصد ناره لا تستطيع التحدث ...انت لا تعلم ما مرت به من الأساس ...ربما مرت باكثر مما مررت انت به حتى ...من يعلم يا صديق؟!"حاول سليم ان يجعل ذلك العنيد يفهم.

"انا اعلم قصدك ...وافهمه ايضا... لكنى اتضايق عندما أشعر انها ترفض مساعدتنا خاصة بعدما تحدثت معها هذا الصباح".
"اخبرتك من قبل هى فقط لا تستط...."توقف سليم عن الحديث لينظر له نظرة صارمة كادت تخترقه :
"ماذا؟تحدثت معها؟هذا الصباح؟لما وكيف؟؟عن ماذا حدثتها؟...لا تقل انك وبختها او ما شابه"
"لا تلمنى انت ايضا ....اساسا أشعر بالندم الشديد"
حاول سليم تمالك اعصاب يديه حتى لا يصفعه على وجنتيه ليوردهما له .
"خالد ...اخبرنى فورا...ماذا قلت لها بالضبط"
كانت نظرات خالد لسليم تنص على الخوف والرعب ...لكنه استجمع شجاعته ..ليبدا بسرد له تفاصيل محادثته مع تلك الفتاة....اقصد ناره.
......................................................................
"هيا ...معدتى ستبدا باصدار اصوات مزعجة الان"
كانت تلك آسيا التى تستعجل ناره لكى تتناول فطورها ؛ بينما الاخرى كانت شاردة تماما ،مليئة بالغضب تجاه الآخر الذى تشاجر معها منذ قليل دون مبرر مقنع ....اليس من حقها ان الا تتكلم عندما لا تستطيع ذلك ؟ هو قدم لها المساعدة وهى لم ترفضها بدورها ... انه فقط من الصعب الحديث بتلك السهولة
عن الامور التى تؤلم قلبك .
تكاثرت تلك الافكار التى كانت تشعلها غضبا ، لكن كان هناك جانب آخر يبحث عن سبب لذلك ؛فحسب كلام آسيا عن خالد الذى دام تلك النصف ساعة انه شخص جيد حقا ، بل وايضا مر بكثير من التحارب المؤلمة -حسب كلام الاخرى- ،
لكن لم توضح آسيا اى تجارب عانى منها ؛ مع ذلك
كان ذلك كفيل ان يهدئ النار داخلها قليلا لمعرفتها ان هناك سبب وراء ذلك ؛لانه ان لم يكن هناك ؛ فسيجرحها ذلك اكثر لا غير.
افاقت على صوت آسيا التى كانت على مسافة ما يقارب المتر منها يناديها.
هرولت اليها ناره لتوجه اسيا الحديث لها :
"كنت افكر بقتلك لتاخرك ذلك ؛ لكنى ادركت انى لن أستطيع ان اتناول بعدها فطورى فورا ...لذا هيا " .
قالت الكلمة الاخيرة لتجذب الاخرى من يدها مكملة حديثها بطريقهما :
"اشكرى معدتى تلك التى تقولين انها شرهة" .
كانت آسيا تسير بالمقدمة ، ولم تلاحظ تلك خلفها ، التى نظرت بامتنان و شكر ....وحب ، كانت السعادة تغمر قلبها لانها و اخيرا وجدت شخص يقبل ان يكون صديقها دون قيود ، دون اى شروط و ،دون أى آلام تذكر .
ابتسمت ناره من قلبها ...شعرت ولاول مرة انها تبتسم ، شعرت انها حية وان لها الحق ان تتخذ صديق او حتى حبيب .لطالما لعنت اى شخص سلبها حريتها لكنها ممتنة الان لآسيا لا...بل لثلاثتهم ؛ لانهم جعلوها تجابه ذلك الوحش الذى خشيته دوما ؛ لتسترجع حريتها كاملة .
و خاصة خالد .... فبالرغم مما حدث ذلك الصباح ، الا انه بالليلة التى وجدوها بها..... كان هو اول من أثّر بها ، شجعها على سحب سيفها دون خوف تلك المرة ...لم تعد يديها ترتجفان ، اصبحت الشجاعة والكبرياء يسريان بدمائها ... جعلها تبكى الدموع لا الدماء ؛ وذلك ...ذلك ما جعلها مصصمة بل متأكدة انه هنالك سبب ، وبذلك السبب تكن حكاية خالد هو الآخر ... كانت واثقة من ذلك .... لانها علمت انه ....
انه ايضا مثلها .
"ش...شكرا على كل شىء" همست بها ناره بصوت منخفض دون ان تسمع الاخرى ؛ لتشكرها وتشكرهم جميعا على كل شىء .... على تلك الفرصة التى منحوها اياها ... فرصة للخروج للحياة ... مرة اخرى .

محطة الحياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن