الفصل الثامن

2 0 0
                                    

"ستعتذر" .
كان سليم الذى فقد صبره وهو يقنع صديقه بالاعتذار لناره التى خلق معها للتو شجار دون اى مبرر.
تهند الاخر بعد نفاذ صبره هو الاخر:" حسنا حسنا ... اعلم انى أخطأت لا انكر ذلك ... لكن ماذا اذا احرجتنى ؟ماذا سافعل اذا لم تقبل اعتذارى من الاساس؟؟"
"ولما يهمك رد فعلها؟الست انت المخطئ ؟اجبنى "ردد سليم سؤاله عليه بشى من العصبية ليرد عليه خالد:
"اجل أخطأت واعترف بذلك لكنى ....انا فقط متردد ومحرج يا سليم هل فهمت؟"
"اجل فهمت ... واذت كنت انت محرج او متردد ؛ فها انا اخبرك انى واثق انك حطمت قلبها " توقف سليم عن الكلام لبرهة ليقترب اكثر من خالد مكملا:"لذا انت ستذهب وتعتذر لها ؛ لانك رجلا ... وكونك رجلا لا يسمح لك ابدا بان تؤذى اى فتاة بمشاعرها حسنا؟"
"حسنا حسنا ... اساسا الكلام معها ارحم من الحديث معك" حاول خالد ان يغيظ سليم وهو ينهض من مقعده ليهم بالبحث عن ناره ليعتذر منها هما بدر منه.
"حديثها ارحم منى؟فى تلك الحالة ارجوك حاول الا تخرب الموقف اكثر من ذلك"
قهقه خالد ليستكمل :"ساذهب للبحث عنها الان "
"حسن ... "لم يكمل سليم حديثه عندما وقعت عينيه عمن يسير من وراء خالد .
"لكنى لا اظن انك ستحتاج للبحث عنها"
لم يفهم خالد على سليم لينظر هو الاخر وراء ظهره ؛ ليرى ناره واسيا قادمتان نحوهما ... شعر ان الزمن توقف به لا يعلم لما ... لكنه شعر هكذا .
"حسنا اذا لا تقلل منا اعتمد عليك"كان ذلك سليم الذى وضع يده على ظهر خالد مشجعا اياه .
مرت ثوانى حتى اقتربتا الفتاتان ، لتحييهما اسيا تحية الصباح على عكس ناره التى لم تنطق ببنت شفه .
حاول سليم تلطيف الأجواء بعدما وجد ان خالد لم يبادر باى شى :"ناره ... خالد يريد التحدث معك".
غمر سليم لاسيا لتفهم فورا :"وانا سافطر الان لانى جائعة جدا انتما اذهبا سويا حسنا؟"
لم تمر ثوانى حتى وجدا نفسهما وحدها ... حاول خالد اخيرا ان يبادر باى شى لكن ناره سبقته :
"هل تريد الذهاب لمكان للتحدث به ؟".
اومأ خالد فورا ليسيرا معا حتى وصلا للمكان المنشود .
كان يشبه الغرفة الصغيرة الا انه كان كان مفتوحا على باقى القطار ، وكان هناك نافذة كبيرة كجميع النوافذ التى تملأ القطار .
جلست ناره امام النافذة ليجلس بجانبها خالد الذى ترك مسافة بينهما قدرها نصف متر تقريبا .
مرت دقائق والصمت خليلهم ... حاول خالد التحدث ؛ لكنه لم يجد اى كلمات تقال.
قطع الصمت صوت ناره :" خالد اذا ل..."
"انا آسف" قطعها خالد الذى صرخ بتلك الكلمة لتتسع عيناها ... ليس لانه اعتذر ... بل لانه صرخ بها كانه أراد قولها منذ اول ثانية جلسا بها ؛ لكن شى ما كان يمنعه .
اعتدل بجلسته ليواجهها مكملا :"اعلم انى اخطات بحقك ... واعلم انى ليس لى حق ابدا بان اسالك عن ماضيك ... لا اجيد الاعتذار كثيرا الا انى اعتذر ...انا حقا اسف ,وسامحينى ارجوك"
ابتسمت ناره بخفة لتقول :" انا اسامحك "
تفاجأ خالد ؛ فلم يتوقع ابدا ان تسامحه من الاساس ...والان سامحته بمجرد الاعتذار منها ، واخذ يردد بنفسه :"ما هى تلك الفتاة؟"
"بالحقيقة ... انا مدينة لك ؛ لان الكلمات التى قلتها لى البارحة عندما حاولت انا الهرب ... يمكنك القول انها منحتنى فرصة لاحيا من جديد ؛لذلك انا لا استطيع الا اسامحك ... كما انى اعلم بسكل ما انك قلت ذلك الكلام لسبب ما واى كان ذلك السبب لا اهتم بمعرفته ...لذلك اجل انا اسامحك من كل قلبى يا خالد".
شعر خالد بالندم أكثر بتلك اللحظة وادرك انه اخطا بحقها عندما اصر على ان له الحق بمعرفة ماضيها ؛فهو لم يكن له ذلك الحق يوما لان كل انسان له ماضى حزين ، ولكل منا تجارب اذا علم بها المرء ؛ سيتعجب انه لازال لديه القدرة على الحياة بل وخوضها ايضا مرة اخرى ؛ فكم هى انسانة بيضاء من الداخل ! وكم من تلك التجارب قد واجهتها هى ايضا!
قاطعت تفكيره الاخرى :"خالد ساخبرك بكل شى طالما تريد ذلك ؛ لانى لازلت مدينة لك " .
نظرت امامها ، محاولة استجماع شتات نفسها ؛ لتبدا بالحديث وسرد له كل ما يتعلق بها ... سبب معاناتها ، وحكاية تلك الآثار على ظهرها ...وكل شىء.
فتحت فاهها بتردف باول كلمة ... الا انه اوقفها قائلا:
"لا اريد ان اعرف ..."قال جملته لتتفاجأ هى بدورها .
اعتدل بجلسته ليكون موجها لها اكثر ليكمل" بالحقيقة...لقد اكتشفت انى لست مهتما بتاتا بماضيك ...لا اهتم بمعرفة حتى حقيقة امر آثار الضرب التى على ظهرك ".
ظهر الحزن بعينيها ؛ لتخفض رأسها من الحرج ...او
بالأحرى من الألم...تكاد عينيها تفيضان بالدموع كلما مرت عليها تلك الذكريات الكريهة .
"ارفعى رأسك رجاء"فاقت على صوته وهو يأمرها؛لترفع رأسها ببطء ...عدل من جلسته اكثر موجها لها حديثه:"كل ما اهتم به ...هو راحتك ...وكل ما أريده هو ان تخرجى من ذلك المستنقع المظلم الذى وانا متأكد تماما ...انك لازلت حبيسة به ؛ لان السجين رغم حريته ، الا ان سنين الاحتجاز تترك اثرا به..
لا يمكن ان اقول انى عانيت كمان فعلتى انتى .. الا اننى رأيت أشياء ان رآها جبل لانهار لان.."
توقف لسانه ، لم يستطع قلبه ايجاد كلمات كافية لقص كل شى .. كل شى رآه حتى الآن .
"لان يا ناره انا .. انا فقدت الكثير من احبائى وكلما كنت اتقرب من احد كان اما يموت او.. او يقتل"
تلك الاخيرة اصابتها بالذعر حتى انه لم يدرى ذلك .. ذعرت عندما سمعت الكلمة التى ريطوا بها حياتها .. قتل روحها ، واحلامها .. حتى تمسى مجرد جسد .. جسد بلا اى روح.
اكمل :"الا انى لم استسلم ابدا .. كنت دائما واثقا بالله .. وانه نهما رأيت بحياتى لا يمكن ان أنهار .. لانى يجب ان اكون جبل .. جبل لا تحركه الرياح كما تشتهى ..حتى اننى اضطررت لمواجهة مخاوفى الكبرى حتى قضيت عليها .. أتعلمين ؟منذ ان كنت بسن العاشرة كنت انظر الى السماء وادعو الله كل ليلة ان يخرجنى من ذاك الظلام .. واستمريت بذلك على مدار خمس سنوات .. خمس سنوات"
انهى جملته بقهقة خفيفة متذكرا كل تلك الأحداث .
"وهل استجاب لك؟"
ابتسم بتلك اللحظة لا اراديا:"استجاب .. كثيرا .. فالحمد له قبل كل شىء تعلمين ذلك صحيح؟"
تجمعت الدموع بعينيها الا انها لم تستطع منعها تلك المرة من الانهمار لتقول:"نعم اعلم ذلك .. حتى انه استجاب لى .. استجاب عندما دعوت بان يرينى قلب طاهر .. استجاب عندما تمنيت وانا فاقدة مفقودة .. ان اخرج من ذلك السجن واستعيد حريتى التى وهبنى اياها ... والتى ..والتى بدورها سرقت رغما عنى"
بكى هو ايضا .. كانت دموعهما تنهمر معا .
قهقه مرة اخرى محاولا تخفيف ذلك الجو المشحون
"اذا يبدو ان كل منا عانى اكثر من الاخر "
قهقهت هى الاخرى من بين دموعها لتقول"اظن ذلك .. اظن ذلك يا رفيق دربى "
قال كلمته الاخيرة مستدركا :" لكن ...الاختيار لايزال بيدي ذلك السجين"
حملقت به بعدم فهم .. الا انه اكمل قائلا :
، "فاما ان يختار ان يظل حبيس تلك الذكريات التى تركت أثرا سيئا به ... واما ان يكسر ذلك الحاجز ليخرج من القفص الذى كان محبوسا به ؛بادئا صفحة جديدة تسطع من بياضها"
ابتسمت ناره ...كانت تتسع ابتسامتها اكثر واكثر مع الدموع التى كانت تنهال على خديها .
"دعينا لا نبكى بعد الآن .. ونلون ايامنا من الان وصاعدا بدلا من اللون الاسود الذى احاطنا طول تلك السنوات حسنا؟"
"اتفقنا ".
ساد الصمت حيث كان كل منهما منغمس بعقله لربما كان كل منهما يعيد حساباته .. لا يمكن للمرء ان يعلم ما يجول بخاطر اخيه تعلم ذلك.
نهض خالد قائلا:"هيا بنا.. اعلم انك لم تتناولى الفطور حتى الان "
"حسنا"نهضت هى الاخرى بدورها ليتجها نحو صالة الطعام حيث يوجد اسيا وسليم .
توقفت ناره عن السير ليلتفت لها خالد الذى وجدها تنظر له... بنظرة لم يفهمها .
اردفت لتقول؛"اتعلم متى اهدانى الله ذلك القلب الطاهر ؟.
حرك خالد رأسه بعدم الفهم . بينما اكملت هى قائلة:
"عندما .. عندما اهدانى اياك ".
كانت ابتسامته تمتد من بين أذنيه التى احمرتا ربما من الخجل وهو ما كان غريب على خالد .
"انا ممتنة لك .. لانك اخرجتنى من ذلك السجن "
رفع خالد سبابته ليحركها بخفة يمينا ويسارا بمعنى 'لا' :
"بل انا الممتن .. ظننت طول تلك السنوات انى كنت خرجت من سجنى .. الا انى كنت مخطئا .. انا لم اخرج الا .بعدما قابلتلك انتى ايضا"
ابتسمت هى الأخرى بخفة:"اذا نحن متعادلان"
"يمكنك ان تقولى ذلك "
"اذا هى بنا إلى الفطور"انطلقت مسرعة .. كان الآخر يتأملها هامسا بسره:"لم نكن يوما متعادلان .. لم نكن يوما"

محطة الحياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن