مرضی الحُب 15

14 4 1
                                    

وصِلتْ ليندا إلی مزرعةٍ مهجورةٍ مُكونةٍ من عدةِ بيوت عتيقة وخالية ، لقد كانَ هذا المكان الذي عاشتْ فيهِ في صغرِها وتركَ فيها ذكريات كثيرة لا يمكنُ نسيانها فدخلتها وتجولت في إنحاءِها وتوقفت عند مقعدٍ خشبي كانَ لهُ النصيب الأكبر في هذهِ الذكريات فعصفَتْ بها الذكريات وأعادتها إلی سنواتٍ ماضية ، فلاش باك :
عندما كانتْ صغيرة كانت تعيش مع والديها في مزرعةٍ تسكنها خمسُ عائلاتٍ كانت كالعائلةِ الواحدة وكان هُناكَ طفلٌ في عُمرها يُدعی " شهاب " ولقد كان صديقها الطفوليّ الذي قضی معها أجمل الأوقات بل كُلها وكانت علاقتُهما قويةً جدًا بالرغمِ من صِغَرِ سنِّهما لدرجةٍ جعلتِ الجميع يظنُ أنَّهما خُلقا لِيكونا مع بعضِهما إلی الأبد وكانَ كُلّ شيءٍ علی ما يُرام والحياة جميلة إلی أنْ جاء ذلكَ اليوم المشؤوم الذي قَلَبَ الموازيين كُلها ، في ذلكَ اليوم الذي يصادف تاريخهُ تاريخَ مولدِ ليندا اجتمع كليهما كَالعادة عند هذا المقعد الخشبي وتظاهرت ليندا بالغضب فبادر حينها شهاب بسؤالِها لأنَّهُ كان يحُبُّها حقًا وو :
شهاب : ما الأمرُ يا ليندو ؟
ليندا بغضبٍ طفولي : لا أريدُ التكلمَ معك
شهاب : ولماذا ؟ ما الذي فعلتهُ أنا كي تغضبي مني لهذهِ الدرجة ؟
ليندا : هذا اليومُ مُهمٌ جِدًا بالنسبةِ لي وأنتَ لا تُبالي بهِ إطلاقًا
شهاب بتعجب : ولِمَا هو مميز ؟
ليندا : أنَّهُ يوم مولدي
شهاب بشهقة : أحقًا ما تقولين ؟
ليندا : أنا لا أكذب يا شهاب
شهاب بحُب : كُلُّ عامٍ وأنتِ بخيرٍ يا ليندو القلب أتمنی لكِ حياةً سعيدةً دائمة هذا أولاً وثانيًا سوف أقومُ بمفاجأتُكِ بهديةٍ لا يمكنُ لأيِّ أحدٍ في هذا العالم أجمع أنْ يتوقعها وخُذي هذا السِوار
ليندا بفرحٍ بعد مُعانقتهِ : أنا مُتحمسةٌ جِدًا ... ثم أكملت بتعجُب : ولكن ما هو هذا السِوار ؟
شهاب : استغرقتُ في صِناعتهِ شهرًا كاملاً   لِتعلمي أنَّكِ مُميزة في قلبي في كُلِّ الأوقات
ليندا بحُب : اللّٰه ما يحرمني منك ويجعلك من نصيبي
شهاب : آمين آمين اللّٰه لا يفرقنا عن بعض
ليندا : أنا أعدُكَ بحُبِّكَ فقط ولا أحدَ سِواك
شهاب : وهذا وعدٌ مني أنا أيضًا يا ليندو ... ثم غادرَ لتحضيرِ الحفلةَ من أجلِها ومنذُ ذلكَ الوقت أختفی ولم يعُد فقامَ الجميعُ بالبحثِ عنهُ في كُلِّ مكان والسؤال عنه ولكن دون جدوی فأنهارتْ عائلتهُ وأنهارت ليندا وتأثرَ الجميع علی غيابهُ وبدأ الخوفُ يتسلسلُ في قلوبهم لذلكَ قررَ الجميع مُغادرة هذا المكان وحينها أنتقلتْ كُلَّ عائلةٍ إلی المكانِ المُلائم لها وأنفصلتْ عن بعضها وأصبحتْ هذهِ المزرعة مهجورة ، باك ،
عادتْ ليندا إلی واقعِها وذرذت دموعها الحارة علی وجنتيها فلقد أشتاقت إلی تلكَ الأيام وأشتاقت لشهاب الذي كان يفهمهُا بالإشارةِ فقط فهتفت بصوتٍ مُؤلم :
ليندا : أينَ أنتَ يا شهاب ؟ أينَ أختفيت ؟ أيُعقل أنَّكَ مازلتَ علی قيدِ الحياة ؟ ما هي أخبارك وكيف تعيش ؟ ألم تعُد تتذكرُني ؟ أعتذرُ منكَ لأنَّني أخلفتُ بوعدي ولكنَّكَ لو كُنتَ هُنا لعلمتَ ما الذي حلَّ بي من أوجاع ، أنا أعترفُ أنَّ وسيم هو الحبيب والعاشق والمُجنون بهِ قلبي وأنا أعدُكَ بأنَّني لن أُفرطَ بهِ كما أمرتني حينما قُلتَ لي بأنْ لا أفرط في أيِّ شيءٍ يحبهُ قلبي أمَّا وسيم فلقد أحتلَ قلبي وكياني وتفكيري وكُلُّ شيءٍ كذلك... أنتهت من الزيارةِ وعادت إلی منزلِها ولقد كان الجميع في إنتظارها ولكنَّها كانت مُتعبة لذلكَ ألقتْ السلام ودخلت غرفتَها لكي تُريحَ نفسَها قليلاً فتَبِعتها شهناز وأغلقتِ البابَ خلفها ، لم تنتبه ليندا لوجودِها فلقد كانت تُبدل ملابسها وعندما أنتهت فُوجئت بشهناز تقف أمامها وتحمل في يديها دفتر ذكرياتها :
ليندا بإرتباك : لِمَ هذا الدفترُ معكِ يا أمي ؟
شهناز بجدية :ليندا هيا أجلسي بجانبي
ليندا : ماذا هُناكَ يا أمي لقد أخفتِ قلبي ؟
شهناز : لا تقلقي لم يحدث أيّ شيء وأنا أريدُكِ لنتناقش سويًا في أمرٍ ما... أقتربت ليندا وجلست بجوارها :
شهناز بهدوء : عزيزتي ليندا قبل كُلّ شيء أريدُكِ أنْ تدركي أنَّكِ ابنتي ولهذا ما يخصُكِ فهو أيضًا يخصُني وأنا أحقُّ الناس  بمعرفةِ كُلّ شيء عنكِ ومساعدتكِ والوقوف بجانبك ، أنا أحبُّكِ يا ليندا وسأصنعُ المُستحيل من أجلكِ ومن أجلِ سعادتكِ لذلكَ أريدُ منكِ أنْ تصارحني وأن تكوني صادقة معي ولا أريد منكِ أن تكوني خائفة مني هل أتفقنا أم ماذا ؟
ليندا بتلعثم : وما مناسبة هذا الكلام يا أمي ؟
شهناز : قلتُ لكِ بأنَّني لن أوذيَكِ لذلكَ ليس هُناكَ أيّ داعٍ للخوف أو القلق أو حتی لهذهِ  اللعثمة
ليندا براحة وقد دفنت نفسها في حضنِ والدتها : لقد باتَ كُلُّ شيءٍ واضحًا لكِ أليس كذلك يا أمي ؟
شهناز : عثرتُ عليهِ صُدفةً عندما كُنت أقوم بترتيب الغرفة فبحثتُ في الموضوعِ وعلمتُ كُلَّ شيء ولكنَّني لم أكتفي لأنَّني أريدُ سماعكِ أنتِ
ليندا بإنهيار : ماذا أخبرُكِ يا أمي ؟ هل أخبرُكِ عن فظاعةِ إجرامي ؟ أم أنَّني من كنتُ السبب في كُلِّ شيءٍ حلَّ بهِ ، لقد فرطتُ في الحُبِّ الذي لطالما أنتظرتهُ ، أضعتُهُ بجهلٍ وغباء ، لقد أنتهی كُلُّ شيء في اللحظةِ التي ظننتها البداية ، لقد خسرتُهُ وخسرتُ كُلَّ شيء ، لم يعُد يحبُّني ولم يعُد يريدني ، وهذا كُلُّهُ بسببي أنا ، أستحقُ هذا ولكنَّ العقاب يقتلني يقتلني ولا يرأف بحالي... ثم أنفجرت في بُكاءٍ مرير فحضنتها شهناز بحنانٍ كبير حتی سَكُنت وهدأت :
شهناز : أيُعقل أنَّ طفلتي ليندو ضعيفة لهذه الدرجة ؟
ليندا : نعم يا أمي أنا ضعيفة أنا أعترفُ بضعفي
شهناز : أسمعي يا ليندا سأكونُ صريحةً معكِ في كُلِّ ما سأخبرُكِ بهِ ، أولاً أنتِ من البشر والبشر مُعرَّضونَ للخطأ دومًا وهذهِ سُنةُ الحياة ، ثانيًا هذهِ فطرتُكِ منذُ كُنتِ صغيرة لذلكَ لم ترتكبي ذلكَ الجرمُ العظيم ، ثالثًا فأنتِ لديكِ الفُرصة لتصليح ما قد كُسر فلديكِ الوقت كُلّهُ ، رابعًا أريدُكِ أن تعلمي أنَّ وسيم أيضًا يحبُكِ أنتِ فقط ولهذا أنا واثقة من مُسامحتهُ لكِ ولكن في الوقتِ الذي يناسبهُ ، خامسًا أنتِ يا ليندا فتاة مؤمنة فاشكي إلی اللّٰه همومكِ وسادسًا كُوني قوية لأنَّكِ وبحالةِ الضعف خاصة لن تستطيعنَ تحقيق ما تريدين وسابعًا أنا ووالدكِ معكِ قبل الجميع
ليندا بحُب : لقد أخرجتِ كُلَّ ما بي من ألمٍ يا أمي
شهناز : هذهِ مسؤوليتي يا ليندا فأنتِ وآدم من صُلبي
ليندا بمُعانقة : اللّٰه يطول بعمرك وما يحرمني منك ... كان آدم يستمع إليهما من خلف الباب فقررَ القيامَ بأمرٍ ما من أجلِ شقيقته ونام الجميع بعدها فماذا يرسمُ آدم يا تُری ؟

عَماءُ الحُب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن