هل الخَلاص أتى أخيرًا؟

163 30 78
                                    

-1-

داعبت أشعة الشمس الأولى أجفانها من دون استئذان، فأيقظتها من سباتها الذي مر وقت طويل لم تنم فيه بعمق كهذه المرة. غطت عيناها بكف يدها اليمنى، وتكورت حول نفسها كي تحاول التخلص من البرد الذي تشعر به. بعد أن اعتادت عيناها أخيرًا، جلست في مكانها تتذكر تدريجيا ما حدث البارحة.

نظرت إلى الأعلى متنفسة الصعداء، فجعلها ذلك ورؤية الغيوم النقية والمتلاشية تشعر بأن روحها نقية ومتلاشية أيضًا. كأن النقاء لا يحصل إلا بالتلاشي، والتلاشي لا يحصل إلا بالنقاء.

أخذَتْ سترة من الحقيبة، فارتدتها، وعلبة السجائر التي كانت تحوي آخِرَها، فوضعتها بين شفتيها، وقبل أن تُشعِلها انتبهت إلى صوت جهوري غير بعيد عنها:

- ما الذي تفعلينه هُنا؟

نظرت إلى مصدر الصوت كي ترى رجلًا مظهره يوحي على أنه فلاح. كان ينظر إليها بشك وبقليل من الخوف، وكان ذلك طبيعيا إذ أنه في هذه المنطقة ليس الكل معتادًا على رؤية فتاة مدخنة تنام وحدها خارجًا مع قنينتين فارغتين من الخمر. 

- لقد غفوت هنا البارحة، سأذهب حالًا..

تحدثَتْ بلُطفٍ ونبرة معتذرة، فحن عليها العجوز كي يجيبها:

- أين ستذهبين؟

ذلك السؤال أرجَعَها إلى واقعها المؤلم. قالت أنها ستذهب وليس أنها سترحل، فأين ستذهب؟ ما تزال لديها أموال بيع الشقة، لكن ماذا بعد أن تنفذ؟ الأجدر أن تتعلم العيش من الشوارع منذ الآن.. إن حالفها الحظ فقد تحصل على عمل، وقد تسافر، لكن كلمة "قد" لا تكفي.

- المدينة.

اكتفتْ بالجواب.

- الطريق طويل إلى هناك.. تعالي وتناولي الفطور معنا أنا وزوجتي..

ألح عليها العجوز قائلًا، وبين كلماته ونبراته تذكرتْ أباها.



-2-

فتحَ الباب بعينين نصف مغلقتين يعلوهما حاجبان غاضبان، كي يظهر الطارق بوجهٍ جامد تساءلت ملامحُهُ فور أن التقت عيناه برودريك.

- ماذا هناك منذ بكرة الصباح؟

تردد الرجل المتوسط الطول والوزن، ذو اللحية البيضاء والعينين السوداوتين المحيطتين بالتجاعيد، ثم تكلم بلغة نقية وبرسمية قائلًا:

- أنا في غاية الأسف، أنا هنا لرؤية ابنتي.

وكأن زلزالًا قد وقع على مسامع رودريك، تساءل:

- عم تتحدث؟ لقد مات والد لورينا منذ أن كانت طفلةً..

- عُذرًا.. لكن، لقد قصدت سييل.. سييل كافينسكي.. تسكن هنا، صحيح؟ 

التعيس | Le Malheureuxحيث تعيش القصص. اكتشف الآن