كل شيء مؤلم حتى التنفس

18 0 0
                                    

ليلا ، تخرج تجلس على كرسي خشبي قديم تحت شرفة المنزل العجوز بمنظره ، بعد مرور بعض الوقت يخرج ليجلس على الأرض جانبها دون النظر يسألها كعادته :" انت بخير؟ ".
ابتسمت بألم وهي ترد :" حقا ؟ الم تمل من سؤالي ذلك ريدن  ، أعني يجب أن تكرهني أكثر من أي شخص آخر فأنا السبب في كل ما يحدث لك ، منذ مغادرتك الأرض حتى الآن لم يحدث لك شيء جيد ، عليك أن تكرهني اريدك ان تفعل ذلك" .
قالت هذا الكلام وهي بداخلها تقول عكسه تشبك يديها تدعو وتتوسل أن يبقى هكذا حتى النهاية ، أن لايتوقف عن سؤالها إن كانت بخير حتى بعلمه أنها لن تجيب ، أن يتلقى اللكمات ويجمع الكدمات بسببها كأنها تذكارات على رحلته معها ، تمنت أن لايموت قبلها ، ان يكون حاضراً يرى حلمها يتحقق .
يقاطع سلسلة أفكارها الأنانية صوت هادىء :" من حسن حظي اني لست مجبرا على طاعتك في هذا ".
ما قاله لها في هذه الجملة هو أنه اختار ذلك بنفسه ، دون إجبار ، انت اختياري وافعالي تجاهك اختياري أيضا لذا لا تتدخلي في طريقة حبي الأنانية لك .
يرفع نظره نحوها ليرى تلك العينان تحدقان به ، هكذا فقط دون كلام دون سبب ، نظرة مبهمة غريبة لم يستطع تفسيرها لم يستطع قرأتها كما كان يفعل ببراعة مع سابقاتها كانت مجرد نظرة ، بعد وهلة من التحديق الغير مريح له بغير العادة ونظراتها أكثر مايحب منها ، رفعت عينيها نحو لوحة آلهية جميلة من قمرين ، أحدهما ازرق كبير تحيط به هالة واسعة قربه آخر صغير ابيض اللون لامع كأنه يستمد ضياءه وجماله من هالة القمر الكبير . ريدن مستغلا هذه اللحظة الانانية :" اعلم انك لست ابنة كازوهيرا .. ".
اينجل تنظر للقمرين بسلام :" نعم ، لست كذلك ".
نصر له عدم انكارها الأمر لذا يكمل :" أخبرتني أمي عندما كانت تحتضر أن أذهب لرؤية كازوهيرا فور موتها كما قالت كأنها تقنعني بفعل ذلك أن لكازوهيرا ولد بنفس عمري تقربيا ، سيكون صديقا جيدا لي لكني لم أفعل كنت غاضبا منها لانها رحلت بسرعة ، لم انفذ كلامها لاني أردت أن أخالف أوامرها ، أن اعصيها لأني أعلم أنها لن تستطيع توبيخي أو معاقبتي فهي ميتة الآن ، لقد كنت مغتاظا لأنها تجرأت على الموت لوحدها وتركي خلفها " .
ابتسمت بألم :" يا إلهي ! كم كنتما لتتفقان معا ، لاتدرك كم أنت وكين متشابهان .." .
أكملت ترد على ألمه وهي سيدة الألم ، سلطانة المشاعر الحزينة ، فمن حزن لحزن ومن ألم لآخر اقوى ، والنهاية هي ما تعلم وتكتم ، فهمت تعايشت نفذت ولم يبقى الان سوى الخاتمة ... :" مهما كان شعورك قويا تذكر أن ماكانت تشعر به أشد عليها ، صدقني .. رفقا بها " .
تصمت لوهلة ثم تسأل لفضول في داخلها :" كيف تبدو والدتك هل تتذكرها ؟ أعني كيف كانت ؟".
بثقة كأنه ينتظر الحديث عنها :" قوية ، نعم جميلة متعلمة مثقفة صاحبة سلطة ونفوذ مطلق ، لكني سأقول قوية" .
هزت رأسها تستمتع بحديثه ثم دون مقدمات ! ..
أينجل :" اريد تحقيق هدفي ريدن ، أكثر ما اريد هو نجاح مهمتي بأي ثمن كان ، لكني وصلت لطريق مسدود ، لم اعد افهم بينو ، كأنه يتحدث بلغة غير مفهومة لي ، لم اتقدم في تمريني منذ أسبوعين لا اريد الفشل" .
كيف علم ماقصدت! كيف عرف ما أرادت فعلا ! قدرته الغريبة على فهم كل كلمة منها ! ..
ريدن وهو ينهض :" هل تثقين بي ؟".
لتجيب وقد كرهت هذا السؤال  :"دائما ".
اتجه لداخل المنزل تتبعه هي ، وقف أمام  الغرفة المحرمة عليه تقف بجانبه مرتبكة ، عاد يكرر سؤاله :" تثقين بي حقا ؟ ". فهو يحتاج تأكيدا ليفعل مايفعل.
أينجل متجهمة :" افعل ".
بحزم كأنه يجبرها قال :" إذن ستدخلين هذه الغرفة معي لتفعلي مالم تفعليه في الاسبوعين الماضيين حسنا ؟!".
تحاول الان اختلاق الاعذار خائفة مما خلف الباب :" لم انجح سابقآ ولن أفعل ... الان بدون بينو ( تسخر من نفسها مبتسمة بكآبة تليق بها ) كأني سأنجح ".
الان متجاهلا اعذارها فتح الباب ، تفاجأ من منظر الغرفة لكن ذلك لم يمنعه من جرها من يدها والدخول قبلها  كأنه يخبرها أن لا داعي للقلق فأنا هنا ، وقف بعد وصوله لمنتصف الغرفة ممسكا يدها بقوة كأم تخشى على طفلها ، لم يستطع اخفاء دهشته ، كان متأكدا أنه داخل غرفة اذن لما الان هو في فضاء مفتوح ، سماء زرقاء على مد البصر دافئة وناعمة غيوم بيضاء قليلة متناثرة كغزل بنات لذيذ ، كانت السماء في كل مكان تلفه  تحت قدميه فوق رأسه في كل مكان .
هدأ .. دون ترك يدها سأل :" اذن كيف سنفعل ذلك ! ماذا كان بينو يقول؟ ".
أينجل بصوت خافت مرغم :" لاشيء حقا ! كان يطلب مني الاستلقاء ، تصفية ذهني واستدعاء قوتي ، كان يعتقد( تضحك ساخرة ) يعتقد اني املك قوة غريبة".
ريدن بعد أن وضع ركبتيه على الأرض :" استلقي ، ارجوك .. ".
كان جادا بطريقة لم تسمح لها بالتملص أو الرفض .
فعلت ذلك ، بتجهم سألته :" الان ماذا ! '.
ريدن :" الان اهدأي ، لما لاتغمضين عينيك قليلا ! حاولي تذكر اي شيء عن حياتك قبل كازوهيرا ، عائلتك .. هل تتذكرين عائلتك حاولي" .
بالفعل أغمضت عينيها بهدوء تحاول التذكر ، رد فعل لا ارادي ترفع يدها للأعلى ثم تخفضها كأنها تحاول أن تلتقط شيئا ، بعد فترة من الهدوء المطلق منها حتى انفاسها اصبحت متباعدة كأنها في غيبوبة كأن روحها اصبحت بعيدة عن الجسد ، هاهي الان مع كازوهيرا داخل طائرة لاترى بوضوح لأنها تبكي ، ثم أنها الآن بين يدي كازوهيرا يسير بسرعة بين اشجار كثيفة بجانبه شيء ما يبدو كطفل آخر ليس واضحا لأنها لا تنظر له بل تنظر لنيران بعيدة ، ثم الان تختفي فجأة لتظهر داخل قصر ما تتجول ، تنظر لوجوه خالية من الملامح تبدو كأنها أجساد خدم أو حرس ، رجل يمر جانبها يحمل مجموعة أوراق ، هاهي الان امام شاب صغير السن بهي الشكل بشعر بني فاتح يغطي كتفيه وعيون زرقاء صافية ، بنية جسدية رشيقة ، لطيف الملامح يرتدي أفخر الملابس يبتسم لها قائلا :" كيف حال جميلتنا اليوم ! ".
تتجول في القصر تقترب من مكتب قربه سيدة يلفها الضباب تراقب من نافذة ، الان تخرج أمام القصر لمرج اخضر واسع ترى كازوهيرا قادم نحوها أنه الشخص الوحيد الذي تعرفه الان ، لذا تركض نحوه طفلة بخمسة أعوام وهي تصيح :" ابي اشتقت اليك ".
لكنها لاتصل له ، سيف كبير يخترق قلبها الصغير على المرج مستلقية تنظر لدرع اسود عليه رسم لغراب ، تتنفس بصعوبة تشعر بألم مميت بصدرها ، تسمع ريدن بعيد يصيح بها :" هيه اينجل عودي لاتخافي ، انت بخير هذا ليس حقيقياً " .
تحاول إبقاء عينيها مفتوحتين تتسآل :" من هذا ؟ أنه صوت مألوف ، ليس حقيقيا ؟ ماذا تقصد ماذا عن الألم الذي أشعر به الان ، وهذه الدماء الدافئة ".
تسمع الصوت مجددا :" استيقظي ، اخرجي من عندك حالا ، اينجل هيا ".
يقترب منها صاحب الدرع يسحب السيف ببطء من جسدها وهي تأن عاجزة عن التنفس ، يرفعه للأعلى ليضربها مجدداً ، تستيقظ تصرخ تبكي تأن من شدة الألم ترى ريدن ممسكا بكتفيها بمنظر لم تألفه منه من قبل ، وجهه مصفر والخوف يسيطر على نظراته ، يهدأ يكرر :" انت بخير أنت بخير ، أنه مجرد سراب ، لأتقلقي .. انتهى الأمر ".
مذعورة تمسك بيده وتقبض على قميصه بالآخرى ترتجف ، فهي الان تشعر بخوف طفلة ابنة خمس أعوام ، كل ما ارادته الان هو شخص تثق به لحمايتها ، تعود تضع يدها على صدرها .
أينجل بصوت خائف :" كان الالم حقيقيا ريدن ، لن اعود لهناك ابدا ، سحقا لهذا سحقا لك ،".
تنهض بصعوبة تجر جسدها نحو غرفتها بالكاد تستطيع السير بأعتدال .
ريدن لايزال جالسا في مكانه يحاول استيعاب ماحدث وما رأى توا فقد كانت الغرفة قبل قليل قصرا كبيرا تتجول فيه ذلك الشاب ! لماذا وجهه كان واضحاً لها ! من صاحب الدرع الاسود ! هل هي ذكريات لكنه قتلها ! اذن هي ليست ذكرى ماهي ! ماذا رأيت توا ؟ ...
سحقا كل ذلك الألم دون فائدة .
ريدن لنفسه بصوت جاف  :" سامحيني على ما سأفعل ، اعلم أن فشلك هو ألمك الأشد ، سامحيني " .

خيانة وتضحياتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن