واصلا السفر و بعد عدة أيام دخلا مدار دوريا ، لم يكن دخولهما لهناك صعبا بل طبيعيا جدا ، تركا السفينة في الميناء الرئيسي للعاصمة ثم اتجها نحو ألاحياء مباشرة للبحث عن معلومة دقيقة توصلهم لشيرا .
بعد أن حجزا غرفة بنزل صغير خرج ريدن لحانة يتردد لها الكثير من الجنود لقربها من معسكرهم بينما بقيت هي تنتظره .
عاد ريدن قبل الفجر بقليل ، كانت صاحية تنتظر عودته بشيء مفيد لكن كان واضحاً أنه كان يعاني من آثار ذلك المكان ، عند رؤيتها له هكذا قالت تجنبه الإحراج فقد كان عاجز عن الوقوف بأستقامة أو التركيز ولا حتى الكلام بصورة صحيحة :" أشعر بنعاس شديد لننم ساعة ثم نتحدث بعدها ".
استلقت على أحد الأسرة اغمضت عينيها لانه دون وعي منه بدأ بخلع ملابسه ورميها على أرض الغرفة الصغيرة ، الحذاء ، الجوارب ثم الحزام وقميصه ليفك بعد ذلك زر بنطاله يستعد لخلعه ، جلس على حافة سريره بلاعقل بلا سيطرة على جسده بسبب ما شرب ... نهض فجأة دون سبب واضح لعقله ثم عاد يجلس بنفس المكان بعد وهلة مبتسما حزينا بغرابة يده تداعب شعره بغرابة مخيفة ، عاد ينهض مجددا نحو سريرها اتجه ، جلس على حافة سريرها قرب ظهرها شعرت بيده تلمس أطراف شعرها المنثور أحست بحرارة جسده الممدود ناحيتها يكاد يلامس جسدها ، مغمضة العينين لم تتحرك لكن قلبها كان يتوسله أن يتوقف ، ان يعود لرشده قبل فوات الاوان قبل أن تبعده هي دون رجعة ، تستعد للدفاع عن جسدها عن براءة أحاسيسها وطفولة مشاعرها .. عقلها يطلب منه السيطرة على اعصاره الذي انشأته مجموعة جرعات صغيرة لطالما اسكنت أهواءه لكن ليس هذه المرة ولسبب غير معروف لها كونت هذه الجرعات إعصارا اكبر من سابقاته ، إعصارا يبدو أنه سيدمر كل شيء بطريقه أن بقي على مساره هذا .
حبست أنفاسها تستعد للرد بعنف لكن الإعصار يغير مساره فجأة مانحا الاثنان فرصة للبقاء معا ولو لوقت قليل .
يسير بثقل نحو الحمام تفتح عينيها تتنفس أخيرا فهي لاتريد خسارته ، يقف تحت الماء البارد يجبر نفسه على مواجهة تلك الكارثة الطبيعية التي كبرت توا داخله ، يمنعها من التقدم أكثر ، لن يسمح لأي تهديد أن يتقدم نحو تلك البحار الفضية الآخاذة ، لن يسمح لشيء بالاقتراب منها رغما عنها واذيتها ، يعلم ان هوسه الجنوني أمرا خطرا عليهما لذا مكرها يحميها من إعصاره .
تغفو بعد ساعة مما حدث لتستيقظ بعدها ببضع ساعات تراه جالسا على كرسي قرب النافذة يبدو من ملامحه أنه لم ينم ، ترتدي جواربها وحذاءها تتجه للحمام دون كلام تغسل وجهها ثم ترتب شعرها ، تخرج من الحمام بعد بعض الوقت لتسمعه يقول بصوت غريب وهو يحدق من خلال النافذة للخارج :" لقد شربت كثيرا البارحة لذا لا أتذكر أي شيء هل فعلت شيء سيء ؟ اعلم اني أفقد السيطرة بسهولة ".
اينجل بصوت هادىء :" لا ، لقد غفوت قبل أن تأتي وها أنا اصحو توا لذا صباح الخير ".
كذبتهما البيضاء الاولى ويالها من كذبة مراعية من الطرفين ، يبدو أن مايشعران به تجاه بعض اكبر من ان يوصف بمجرد كلمات صماء ، ليت للكلمات اصوات ... ليت لها القدرة على النطق ، ليت لها مشاعر وأحاسيس لترينا ولو القليل فقط ، لتقرب لنا ما يشعران به ، ليتنا بدل أن نقرأ بضعة كلمات تصف مايحدث داخلهما أن نستطيع النظر داخل عقليهما فعليا ... فقط لنرضي فضولنا .
هل يمكن لعبارات مثل عشق حد الموت ، هوس حد الجنون ، رغبة حد الألم ، نشوة حد العذاب أن تصف الأمر لنا أنه حب حد الجحيم وما أجمله من حب متطرف حد الهلاك ، تشعر به في جميع أنحاء جسدك ببطء خبيث داخلك ينتشر مثل السم يزحف ، يقتلك دون مقاومة منك ببطء شديد وألم بجماله أشد ، ينال ضاحكا مستمتعا بسطوته من قلبك ، يجعلك تشك في صدق أحاسيسك ، ثم ساخرا منك ينال من عقلك ، مستصغرا لك يجردك من تفكيرك المنطقي بعدها ... يهينك اقسى الإهانة بأخذ صحتك العقلية ثم ببرود مريض يخبرك أنه آسف و أنك مهما حاولت لن تنجح فهذا ببساطة غير مقدر لك لكن !! لاتقلق فشرف المحاولة يكفيك ، هنا يفترض بنا أن نضحك لنيلنا شرف المحاولة .
عادت تجلس بهدوء على سريرها :" أن كنت لا تتذكر هذا يعني أننا لم نستفد شيء ، حسنا سنحاول بطريقة أخرى '.
ريدن مستمر بالنظر للخارج :" لقد وجدت هذه في جيبي يبدو اني كتبتها قبل أن ... قبل أن افقد تركيزي ".
لم تنظر للورقة بل له :" مابك ريدن لما لا تنظر ناحيتي ! هل انت بخير ؟".
نظر لها لثانية ثم أدار وجهه بسرعة كأنه كان مجبراً ، ربما لايزال خائفا من بقايا رغبته التي لم تغرق تماما تحت المياه الباردة الليلة الماضية .
وهو يفتح الورقة المطوية :" نعم ، أنا بخير لأتقلقي انا فقط لا أزال اعاني من آثار السهر ، أنه عنوان لكني لا أتذكر لما هو مكتوب ..".
اينجل متفائلة :" سنتحقق منه لكن اولا لنأكل شيئاً ما" .
خرجا لعربة طعام قرب النزل متواجدة اشتريا طعاما لم يسبق أن رأياه لكن طعمه كان لذيذا .
بعدها قررا التجول في الاسواق وسؤال السكان عن العنوان ، تجولا كثيراً لكن دون فائدة إذ كان السكان يتجنبون الإجابة بعد رؤية الورقة وبعضهم يطرد ريدن واينجل وآخرين يبصقون على الأرض تحقيرا لهما او للعنوان .
بعد فترة يقف ريدن فجأة وهو ينظر لجندي بهي الطلة حسن المعشر يلوح له من بعيد ضاحكاً مع اثنين من زملاءه اينجل تقف خلفه مستغربة :" هل يلوح لك ؟".
ريدن بأستغراب أيضا :" يبدو أنه كذلك ".
اينجل :" هل تتعرف عليه!؟".
ريدن بصوت خافت لأن الجندي اصبح قريبا منه :" لا ".
تبتعد أينجل متجهة نحو أحد عربات بيع الملابس القريبة منهما بعد أن رفعت وشاحها على وجهها جيدا لتبدو كأنها مجرد غريب مر بجانب ريدن توا ...
يصيح الجندي :" اهلا ببطلنا ، لم اتوقع ان تستطيع السير بعد ما حدث البارحة ".
صعق ريدن من طريقة مزحه البذيء فهذا يعني أنه يعده صديقا ليرد عليه بغضب :" ماذا ؟ ماذا تقصد ! تكلم حالا أو اقتلك لن يحميك كونك تحمل سلاحا ".
اينجل على بعد خطوتين عنهما تسمع مايدور بينهما ..
أكمل الجندي :" ما بك يا رجل !! على اي حال انا اعذرك ،انت لا تتذكر وهذا شيء طبيعي بعد سباق الليلة الماضية ، يا رجل لقد فزت بجدارة رغم انا كنا ثلاثة ضد واحد يا رجل انت اسطورة حية ".
تراجع ريدن سيطر على غضبه هدأ بعد ذلك فقد بدأت تتكون له فكرة عما حدث ، سباق بينه وبين الجنود في الحانة اذن هو سباق شرب لذا كنت ثملا جدا لا استطيع التحكم بعقلي وجسدي .
ريدن ضاحكا يجره للكلام :" لقد تذكرت الان ، نعم ! كيف يبدو طعم الهزيمة اذن ..".
الجندي :" مرا ياصديقي لا أتمناه لك ، هيه هل ذهبت للعنوان الذي اعطيتك إياه " . قال الجندي جملته الأخيرة وهو يغمز بخبث . ثم أكمل :" من كان معك اعتقدت أنك تسافر لوحدك ألن تعرفنا على صديقك !".
ريدن بسخرية :" بعدما فعلت بكم البارحة ! لا اعتقد اني أستطيع تعريفكم على أصدقائي فأنا أخشى عليكم منهم ، على كل حال ... لا لم يكن شخصاً اعرفه ".
الجندي مستسلما :" يالقسوتك يا رجل ، توقف عن تذكيري الم امنحك هدية فوزك لم تعتقد انك تملك العنوان ! الم أقل لك أنه قصر أحد ضباطنا وهو يقيم الحفلات طوال الليل اذهب لهناك استمتع مع السيدات التي تملأ المكان أو حتى يمكنك إحضار معك واحدة خاصة بك ".
ريدن يحاول استيعاب الأمر :" توقف قليلا واعد علي حديث البارحة فأنا لا أتذكر معضمه .. ".
ضحك الجندي عاليا ورد ساخرا :" توقعت هذا ، مرحبا ادعى أكيرا لم ارك هنا من قبل ( يقصد في الحانة ) هل انت مسافر ؟ هنا يفترض بك أن تقول نعم دوريا ليست دياري فأرد عليك ليس بعد الان يا صديقي فدوريا ترحب بك لنشرب نخب صديق جديد ، هنا نشرب ونتحدث عن السياسة وكل مايجري الان من حولنا وعلي أن أقول عليك أن تكون حذراً من طريقة كلامك عن المجلس فدوريا لاتزال تحت حكمه حتى وإن كان الحكم ضعيفا لذا .." ، يغمز له الجندي كأنه يطلب منه مجددا أن يكون أكثر حذراً .
ريدن :" اذن العنوان هو لضابط في جيش دوريا ، هل يسمح بدخول العامة أم الجنود والضباط فقط ، هل ستذهب لهناك انت أيضاً !"
يرد أكيرا بنبرته المحبة الساخرة تلك التي تميز الصداقات :"سأخذك انا ، شرط أن تسمح لي بأستغلالك للصالح العام طبعا انت يا رجل محظوظ ، آلة مثالية لجذب النساء لذا ستسمح لي بذلك ".
ريدن :" حسنا ! لكني قد احضر معي صديقة ".
أكيرا وهو يغادر :" أنه موعد ثلاثي إذن ، ألقاك أمام الحانة بعد العشاء ".
اينجل وهي تعود لجانبه :" أن تكون مجهولا هو امتياز فقدته توا ريدن ".
ريدن :" لكن لسبب مفيد ، سنذهب لهناك سنبحث بين الأثرياء قد نسمع شيئا عنه أو حتى قد نجده هناك ".
اينجل مستاءة :" لنعد للنزل لم أكن اتوقع هذا ، اسوء ما قد يحدث هو أن يتعرف علي أحدهم ، لنفكر بالامر هناك ... سندخل الوكر بأقدامنا واريدنا أن نخرج بأقدامنا أيضا ".
في الغرفة تجلس على الأرض مغمضة العينين كالعادة عندما تفكر بينما يجلس هو على كرسيه كالعجوز ينظر للخارج بصمت مطلق ... .