مُهيبة
رَقَصت النَّار مع نسمات الهَواء الخفيفة مُتَّخِذةً من الشمعة مسرحاً. مع مرور الدَّقائق ازدادت رائحة الدُّخان تركيزاً. فوق النَّار طَفَت يدان تُمثِّلان الغيومَ، كانتا تبحث عن الدفء في نار الشمعة الصغيرة وقد وَجَدت منه القليل. اليدان رَقَصَت بخجل وكأنها تُخفي رقصها، أو رُبما هي مُجرد رجفةٌ لسببٍ مَّا. فرحة؟ حماس؟ توتر؟ خوف؟ أم هو مُجرَّدُ برد. . ؟
فُتح البابُ بعد بُرهة لتختفي اليدان من سماء الشمعة. الخُطوات المُقبلة كانت ثقيلة وأنفاسُ صاحِبها عالية. خَلَعَت مُهيبة نظَّاراتها ووضَعَتْها على كِتابِها المَفتوح. "أّلم نتَّفِق على أنكِ ستكُفين عن انتظاري كل ليلة؟" سألها زوجِها زوجُها مُحباً. "التَّعبُ لن يضُرَّكِ وحدكِ الآن."
"هل أُجهِّز لك العَشاء؟ هل أنت جائِع؟" سألته مُهيبة سُؤال كُل ليلة، مُتجاهِلة ما قاله. "لا تُغيِّري الموضوع الآن. الانتظار لن يُغير شيئاً. إن مِتُّ فسأموت حتى وأنتِ تنتظرين، وإن عُدتُّ فسأعود حتى وإن كنتِ نائمةً. أمَّا تعبُكِ أنتِ في هذه المرحلة فعواقبه لا تُحمد، خُصوصاُ إن كان غير ضروري. أنتِ تعلمين هذا جيداً يا مُهيبة." أجاب زوجُها وهو يجلِسُ في مَكَانِها. صوتُهُ كان عالياً كالسَّجين المُطلق سراحه حديثاً. . سكبت ماءً في وعاءٍ ثُم وضعت مُهيبة الوعاء على النَّار ثُم ذَهبت لتجلس بجانب زوجِها. "أنتَ تَعرفُ أنَّ قلقي لا يُكبح. ثُمَّ أي نوعٍ من الرِّجال سيسعدُ إن لم تقلق عليه زوجته؟" قالَتْ مُبتسمةً ابتسامة لطيفة لا تقتصر على عينيه بل تمتدُّ لقلبه. ردَّ الابتسامة بمثلها ونبهَّها أن الماء بدأ يغلي، وأنه حان الوقتُ لتضع البيض في الوِعاء. فعلت مُهيبة ذلك ووضعت بيضتان. "اقلقي ولكن كوني سيدةً لقلقك لا خادمةً له فيُرهقك." أَخبرها زوجُها بينما هي تسكُب الشاي. "بدأتُ أغار من هذا الولَد وهو لم يأتِ بعد!" علَّقت مُهيبة وهو يرى ضحكتها حتى من وراء ظَهرها. رائحة البيض بدأت تنتشر وتختلط بهواء المطبخ، رائحة شهية ودافئةً كانت. مُهيبة فضَّلت رائحة الشَّاي الذي كان يغلي بجانِبه. "لا ألُومَك فهو سيلقى من الحُبِّ كثيراً كثيراً وكثيراً."
"لا زوجةَ ستسعدُ إن لَّم تقلق على زوجِها." قالت مُهيبة وهي تُقدِّم البيض المسلوق مع الخُبز، بعض الخُضروات من الثلاجة والشاي. "لا تقلق عليَّ ولا تقلق على ابنك الان فلا سبب لتقلق إلا إن أنا توقَّفتُ عن القلق. عندَها يجبُ أن تقلق. إن عُدتَّ ليلاً إلى هُنا ووجدّتني نائمة، عِندها فقط يجِبُ القلق." بيَّنت لهُ مُهيبة. "عنيدة." قال زوجُها، ثُمَّ همَّا بتناول طعام العشاء في وقتٍ مُّتأخر من الليل كما يفعلان في مُعظم الليالي. وبعدَ الْعشاء خلدا إلى الفِراش. كلٌّ مِّنهما أمسك بكتاب لبُرهةٍ كعادَتِهِما قبل النَّوم. "أرض الرِّسالات السماوية." هذا كان اسم الكتاب الذي تقرأُه مهيبة بينما خاطر كان يقرأ. "فُرسان المَعبد."
أنت تقرأ
أطرق بابي
Poetryأطرق بابي. . ماذا ان تطهر الحب من دنسكم ؟ من شهواتكم، من نفاقكم. . أيها البشر!