مُهيبة
أليس حجمُه حجم كفِّ اليد؟ لماذا أشعُر أن قبضةً بحجم السَّماء تضغَطُ أحشائي؟
أُمَّ مازِن كانت تطلُبُ مِنها أن تتنفَّس بعُمقٍ وأن تهدأ، والهُدوء عِند مُهيبة الآن مُهمَّة مُستحيلة. "إنَّها انقباضاتٌ طبيعية. مُهيبةٌ في شهرِها الثَّامِن والتَّاسِعُ يقترِب. كُلَّما اقترَب وقتُ الوِلادة كُلَّما ستزيدُ الان الانقباضات شِدَّة ويزيدُ الضَّغطُ. عليكِ أن تهدئي يا مُهيبة. حاوِلي أن تهدئي لأنَّ عيشكِ للألم سيزيدُ الخوف عِندك، وهذا ليس صحياً لا لكِ ولا لابنِك." شرَحت أمُّ مازن. على مُهيبة جعلُ المُستحيلِ مُمكِناً الان.
استنشَقت كثيراً والهَواء برَّد حرارة الضَّغط في أحشائِها. استمرَّت مُهيبة في الاستنشاقِ بكُل ما أُوتيت من قوةٍ. "هكذا تماماً، أحسنتِ." شجَّعتها الدَّاية.
مع كُلِّ نفسٍ عصرت مُهيبة على يدِ والِدَتِها، وُجودها أشعرَها بالأمان كما أشعرَها وُجودُ أمُّ مازِن، المرأةُ التي ولَدت مُعظم النَّاسِ التي عاشَرَتهُم مُهيبة. "هل تعلمين شيئاً يا ابنتي." قالت رُقية. مُهيبة نَّظرت إليها والألم من الأسفل يقتلُها. "عِندَما يولَدُ ستكتشفين أنَّ هذا الألم نِعمةٌ لِأن أكثرُ ما تُريدُه الأم هو أن تتألَّم في سبيل ضنَاها. وهذا الألم الذي تتحمَّلينه، تتحملينه لأجل إخراج ابنِك للحياة. أيليقُ بهذه الغاية ألمٌ أقلَّ مِن هذا؟"
بعدَ ساعةٍ من الألم توقَّفت الانقباضات وارتاحت مُهيبة. الأجواء في الغُرفة كانت هادئةً ساكنةً فانتهزت مُهيبة الفُرصة ونَامت. وجَدت نفسَها في شارِعٍ مُزدَحِمٍ، الهواء في أنفِها كان حُلواً والأرض تحت أقدامِها الحافية بارِدةٌ ومليئةٌ بالحياة. تمشَّت مُهيبة بين الجمُوع البريئة، بين أُناسٍ وُجوهها لم ترى همَّا قط، ولم تعرِف في حياتِها سِوى الأيام المِلاح. حدَّقت فيهم ومع ابتسامَتِهم ابتسمَ وجهُها تِلقائياً.
بينما هي تتمشَّى سمِعت صوتاً يُنادِيها من خلفِها فتوقَّفت والتفتت. المُنادي كان طِفلاً صغيراً، قمحياً لونُه كلونِها. شعرُه كان أسوداً قصيراً وعيناه سوداء قاتمة. أقبل الطِّفلُ راكضاً وهو يُنادي "أُمِّي. أُمِّي." والكلِمةُ هيَّجت قلبَ مُهيبة. "أنظري." قال لمَّا وصل ووقَفَ أمامَها. انحنت لهُ مُهيبة لِترى ما يُريدها أن تراه. "أنظُري ماذا صنعت. إنَّها طائِرة ورقية." أخبَرها ثُمَّ رمَاها لتُحلِّق في الهَواء وركَض ليلحَقها، وصوتُ ضِحكتِه يملأُ المكان.
السَّماءُ كانت صافيةً، الشَّمسُ دافِئةً والغُيوم أبيضُ من الحليب. النَّاسُ كانت سعيدةً والشَّوارِعُ سليمة، هل انقضَت الأزمة؟
أنت تقرأ
أطرق بابي
Poetryأطرق بابي. . ماذا ان تطهر الحب من دنسكم ؟ من شهواتكم، من نفاقكم. . أيها البشر!