Untitled Part 8

9 1 0
                                    


                                                                                                إبراهيم

كان الأخير في الطَّابور. يدُه تقبِضُ شيئاً مَّا بقُوَّة، شيءٌ يخشى خسَارتهُ بشِدَّة. أمامُه وقَفت إينجي، شابَّةٌ في مُنتصف عشرينياتها دائماً تبدوا أَشدَّ النَّاس على هذه الأرض راحةً واطمئناناً. كانَت تُدفءُ رئتيها بسيجارةٍ كالعادة. . ارتدَت مِعطفاً أزرقاً طَويلاً وشراباً طويلاً شفَّافاً ومُقطَّعاً ليُغطِّي ما ظهر من قدميها، أو بعضه، وارتدت حِذاءً أزرقاً. لم يشعُر إبراهيم بشُعورٍ أَسعد من شُعوره وهو يتخيل نفسهُ يمزِّق ذلك المِعطف، ولكنه كان أذكى من أن يفعل.

جاسي وكفِيل كانوا يلعبون ويركضُون حول الطَّابور في دوائرٍ. بالأمس جاسي أيقظت الجميع ليلاً لمَّا لطمَتْها أُمُّها وكسرت لها سناً أُخرى. لم يعتقِد إبراهيم أنها يُمكنُ تزيدُ قُبحاً، ولكنها فاجأتهُ.

أمُّها ميرا كانت في مُقدِّمةِ الطَّابورِ، شرابُها الطويل كَانَ مُمزقاً، وشعرُها الأصفر كان مُجعداً وقاسياً كالقشِّ. "أتعلم، هذه المرَّةُ الأولى التي ألاحظ فيها، ولكِني لا أعتقد أني رأيتُك بغير هذا المِعطف، حتَّى في الصَّيف!؟ ما قِصَّتُه يا لقيط؟" قالَت ريَا من أمامِ إينجي. "لا أملِكُ غيرَه." تمنَّى إبراهيم أن تكفيها الإجابةُ وتكُفَّ عنه. ليس وقتاً مُّناسباً الآن للألاعيب وهو بالكادِ يَقوى على الوُقوف.

تقدَّم الطَّابور شخصاً، ثم آخراً. خُطوةً، ثُمَّ أُخرى. جنكيز كان في المُقدِّمة الآن، الرَّجُل الضَّخم البُنية، عريضُ الكَتِفين وله كِرشٌ كبير. "إنه فخمٌ، خَسارةٌ أنَّك أنت الذي يرتديه." قالَت ريا. كسَرت إينجي ابتسامةً صامِتةً من أمَامِه. "الدُّنيا ليسَت عادِلةً أحياناً." اتَّفق إبراهيم. "يجِبُ أن تُعطِيه لجنكيز، إنَّه يليقُ به." قالَت ريا. إنه يليقُ به فِعلاً، المِعطَفُ الأسود الطَّويل القُطني الفَخمُ. للحظةٍ سألَ إبراهيم نفسهُ جدياً ماذا يفعل مِعطفٌ كهذا على جسدِ لقيطٍ. "أنظُر إلى هذا. ." استشعرَت ريا مِعطف إينجي. "مِعطفٌ جميلٌ ترتديه فتاةٌ أجمل، أرأيت؟ يُمكن للدُنيا أن تكُون عادِلةً أيضاً." هل تسخر منه عمداً؟ أم أنَّها فقط سُخرية القَدر؟ "أبعدي يدكِ." قالَت إينجي بصوتٍ خافِتٍ كالهَمس ونظرةٍ مدوية.

تقدَّم الطَّابور حتى جاء الدَّورُ أخيراً عليه. أَرخى قبضَتَه وأخيراً وأخرجها من جيبِه مع المالِ. في الجِهةِ المُقابلة من الطَّاوِلة كان يجلِسُ يُوسف ابن العجُوز على كُرسيٍ وأمَامه كُرَّاسةٌ. "لقيط." قالَ يُوسف وأومأ برأسه. "يُوسف." ردَّ إبراهيم.

سلَّمهُ إبراهيم المَال وتبيَّن أنَّهُ كامِلٌ بعد أن عدَّهُ يُوسف. لأول مرَّةٍ لم يَحزن إبراهيم على فِقدانِه للمال بل ارتاح، لأنه لم يعُد يملِك قِرشاً واحِداً ليُسرق منه. صَعَد إلى غُرفَتِه وانهار كجبلٍ متُصدعٍ على الأرض. عمِلَ طَوالَ الشَّهر عملاً إضافياً جباراً فقط لأجل هذه اللحظةِ. أنجز بدل المُهمة ثلاث، ونامَ بدل السَّاعة نِصفَها، بنى وهَدم وطلى ومسَح ورفَع وأنزَل ومشى وركض وضَرَبَ وضُرب. كُلٌ لُّيسلِم الإيجار في وقتِه بعد أن سرقت تلك العاهراتُ مُدَّخراتِه. آن الأوان ليحظَى ببعضِ الرَّاحة، وكل ما يُريده هُو حُلم جميل.

أطرق بابيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن