الفصل الرابع
جنيه صغيرة ومشاكسه عشقها القلب وهوى لها، انحنى أمام بهاءها، يعلن عليه سلطانها، يتوجها ملكته، فقد ثار النبض مطالب بها...
ــــــــــــــــــــــــــ
وصل خالد حيث الطاولة الجالس عليها عدي هائم في ملامح نور التي تبتسم بخجل، لدرجة أنه لم ينتبه لمرور الوقت، إلا أن وجد الرائد خالد امامه انتفض من على مقعده يلقي التحية العسكرية عليه، وقد نسى أنه بالخارج، لكن صدمة رؤيته له سيطرت عليه، واستمع له قائلًا:-
- يلا يا نور معايا عشان اوصلك مع ياسمينا قبل ما ارجع شغلي.
اومئت له ونهضت من موضعها تتوجه حيث ياسمينا الشاردة، وعدي يشعر بالغيظ منها لنهوضها فورًا ما أن سمعت حديثه ولم تتيح له فرصة الاعتراض، لكنه هتف قائلًا:-
- مفيش داعي تتعب حضرتك نور خطبتي وانا اللي هوصلها قدام بيتها ذي ما اخدتها..
رفع له حاجبًا واحد قائلًا بتحدي :-
- وهي في طريقي هتروح مع ياسمينا، اعتقد أن دا هيكون افضل يا حضرة الضابط.
كاد عدي ان يعترض لكن الجمته الصدمة مجددًا حينما وقعت عيناه على جسور ووجهه المكدوم وثيابه المشعثه
توجه نحوه بقلق قائلًا:-
- في ايه يا بني ايه اللي حصلك!.
اشار له بالصمت قائلًا:-
- مفيش حاجه ما تهتمش، خلاف كان بيني وبين حد وحاب يصفيه وخلاص كده بقينا صافي يا لبن.
كان يتحدث وعينه عليها، والتي ما أن ألتقت بعينيها حتى ارتبكت بشدة منه، بدت تائهة حائره بما تشعر به الآن.
حثهم خالد على التقدم أمامه حيث السيارة ولم يعترض عدي نظرًا لحالة جسور، الذي ما أن ذهبوا نظر أليه سألًا عما حدث مجددًا، اجابه يسرد له ما حدث بينما يلتقط هاتفه وحافظة نقوده من على الطاولة..
قهقهه عدي بشدة قائلًا:-
- والله وجات اللي هتربيك وهتنتقم منك على اللي كنت بتعمله فينا يا جسور، بس أنا ليه حاسس انك مبسوط!
ابتسم وهو يرفع يده ممسدًا مؤخرة رأسه بحرج لما يقوله وهتف قائلًا بنبرة ثقه:-
- انا شكلي حبيتها يا عدي، حبيتها ومش عايز أبعد عنها وهكلم بيجاد باشا يتكلم مع اللواء صبري عن رغبتنا في خطوبة حقيقيه وجواز عن قريب ان شاء الله.
قهقهه عدي مصفقًا قائلًا بنبرة ماجنه:-
ـ بركاتك يا ست ياسمينا.
ثم توجهوا حيث السيارة منطلقين عائدين إلى المنزل حيث قرر جسور محادثة والده عن رغبته والذي ما أن علم حتى رحب كثيرًا بالأمر، لكنه اخبره بنبره مازحة:-
- انا موافق معنديش مشكله، باقي عليك بقى يا بطل تقنع حور مامتك أن ابنها واقع في عشق صهباء بشعر أحمر وأنها هتكون مرات ابنها عن قريب..
قهقهه جسور قائلًا:-
- هي دي اصعب نقطه أن اقنع حور بيها يا باشا.
- واستمروا على قهقهتهم خاصة مع مجيء حور ومعرفتها برغبته بالزواج من تلك الحمراء كما تسميها والتي تظاهرت بعبوسها قليلًا حتى يحيلها طفلها....
***
وصلت ياسمينا الى المنزل بعدما اوصل نور اولًا ثم ذهب وتركها، دلفت غرفتها وهي ما تزال تائهة شرد عقلها بكلماته التي أثرت على قلبها، لكنها كانت كالجمر ألمته، لأدركها استحالتها، لكن ثمة شيء بهذا الجسور يفقدها صوابها مزيج من المشاعر المختلفة اعترتها اليوم خاصة حينما ألتقت عينيها بعيناه الفيروزية، رغمًا عنها ابتسمت من حديثه على ما سوف يصبحون عليه أولادهم، خاطرة ان يحبها احد ويفكر بها زوجه وام عيالي لأولاده تركت أثرًا بداخلها، لكن أي زوجة وأي أم سوف تكون هي ام تستيقظ صباحًا لا تتذكر اي منهم، مستحيل أن يحدث ولن يقبل رجُل بمثل هكذا زوجة تنساه يوميًا وتحتاج لوجود احدًا بقربها دومًا، حثها قلمها على تدوين مثل تلك الذكرى كمثيلتها التي تخصه وبدأت بفعلها بعدما قرات سطورها عنه قبلًا شاردة بعينيه ونظراتها المخترقة لقلبها..
****
مر ثلاثة ايام وهو يخضع للتعذيب علي أيدي أخاها ولم يمانع، بل المخيف أنه أصبح يبتسم لدى رؤياه ويشرد بعينيه الشبيه لأعين شقيقته ويراها به من فرط توقه لها، حتى أن خالد لاحظ نظراته الولهَا له أحيانًا وبدأ يتوجس منه...
كان كثيرًا ما يقوم بسؤال عدي عنها، إذا كان يراها برفقة نور حينما يقوم بإيصالها إلى الجامعة، لكنه يخبره أنها لا تذهب، حتى جاء نهار اليوم الرابع، كان قد فقد لجام صبره، توقه لها بات كسياط من جمر الشوق ترجم قلبه بقوه حتى ينزف، لذا فعل ما سخر من عدي سابقًا لفعله، ها هو يلازم سيارته امام منزلها حتى تخرج ويراها عازمًا على اطفاء نيران توقه المستعرة بداخله، ظلا قرابة الساعتين، نظرات عينه صوب مخرج البناية، حتى هلت رياح تعبق المكان برائحة الياسمين من حوله، تزامنًا مع خروج ناريته برفقة نور صديقتها، خفق قلبه بقوة شاعرًا بسعادة واحتضنت بسمه قد استفقدها محياه، كان تأثير رؤياها كمطرة تهوى على صحراء قلبة العطش التواق لها، التمعت عيناه وهو يترجل من سيارته متوجه لها ناريته التي تسللت بين طياته وسكنت خافقه..
انتبهت له نور وهو يتقدم منها، اعتراها الذعر وهي تلكز ياسمينا قائلة:-
- ياسمينا اللي جاي عندنا دا جسور ـــــ
كادت ان تتابع لكنها صمتت ما ان هتفت ياسمينا قائلة:-
- عارفه يا نور مين هو جسور خطيبي المزيف!.
طالعتها نور بنظرة اندهاش، فهتفت قائلة مبررة:-
- قرأت عنه بالمذكرات النهارده وبفضول شوفت صورته
اومئت لها متفهمه تزامنًا مع توقف جسور امامهم، تجاهلته ياسمينا محاوله تخطيه، مما اغضبه تجاهلها وحاول ايقافها قائلًا:-
- انتِ مش وخدا بالك إني حابب اتكلم معاكِ.
بعبوس ونبرة باردة اردفت قائلة:-
- اعتقد مفيش بنا كلام يتقال يا حضرة الضابط
وكمان ما يصحش انك توقفنا كده في الشارع.
تهجمت ملامحه من زمهرير كلماتها وصقيع نظراتها المتناقدة مع أجيج مشاعره وتوقه لها واردف بصوت صقيل قائلًا:-
- اولًا انا خطيبك مش حد غريب، ثانيًا في بنا كلام وكتير كمان يا ياسمينا...
رغم تلك المشاعر التي اعترتها بحضرته الآن وذاك الارتجاف بنبضها إلا أنها أرادت انهاء الامر واطفاء أي أمل بداخله، لذا هتفت قائلة بنبرة جوفاء:-
- خطوبة مزيفة يا حضرة الضابط انجبرت عليها، كلها فترة وتنتهي ومفيش حاجه هتتغير دا ..
كلماتها كالجمر تُرجم روحه وتُأزف صدره، وتُهشم قلبه بلا رحمه..
طالعها بنظرات أعين يقف الحزن على أعتابها
وكزها قلبها حينها وهي تقرأ الألم والعتاب بها ، غامت عينيها بالتأثر، ودموع خفية باتت على وشك الهبوط، رفرفت بأهدابها تمنعها من السقوط وهي تبتعد..
شعر بروحه تتمزق حينها، عشقها الذي تغلغل بأعماقه وأناخ به، كيف تتغافل عنه ولا تكترث، لا يمكن ان يسمح لها، يعلم لديها كل الحق بالغضب منه لفعلته، لذا بأصرار هتف قائلًا:-
- ياسمينا عارف ان اسأت ليكِ ومعاكِ حق في موقفك مني بس انا اسف، ياسمينا انا بحبك والله العظيم بحبك..
لم تستطع ان تقاوم دموعها اكثر من هذا، وانسابت على وجنتيها وهو يقترب اكثر دون أن يكترث للمكان قائلًا :-
- من اول ما شفتك وحسيت انك خطر على قلبي، شغلتي بالي من وقتها وبقيت بفكر فيكِ، لحد ما شفتك قدامي كنت مغتاظ منك، لأنك قدرتِ إنك تتخطي الحواجز اللي بنيتها والوعد اللي بيني وبين قلبي انه يستحيل يسمح لحد يحتله ويسكن فيه، ما كنتش واعي وقتها لتصرفاتي وندمت صدقيني ندمت بعدها، ولما انعرضت فكرة الخطوبة بنا، وشفتك قدامي وانا بلبسك الخاتم اتأكد من عشقي ليكِ وكان نفسي قوي أعمل زي عدي وقتها واقول ان عايزك خطيبتي ومراتي، بس كنت عارف صعوبة موقفي وانك مستحيل توافقي انتِ وسيدة الرائد وحاولت انسى، لكن مقدرتش صدقيني...
كلماته رغم تأججها إلا انها كانت كالصقيع، تُسرب البرودة بأوصالها، تجعل عقلها يترنح، تلك الكلمات التي تتمنى اي فتاة سماعها كانت تثقل كاهلها وتخترق قلبها مؤلمه أياه بقوة، عبراتها انسابت بغزارة حزنًا عليه وعلى ذاتها وعلى قدر حرمها من عشق تتوق له، لكن مستحيل، هما معًا وهم لا يجب ان تنقاد أليه...
كانت نور تتابع ما يحدث بألم وحزن علي صديقة عمرها وعليه، خاصه وهي ترى العشق يتضح تمامًا بمقلتيه الحزينة والمنكسرة الان، تسمرت موضعها تراقبهم دون ان تعي ما عليها فعله، إلى ان استشعرت انهيار ياسمينا الوشيك، اقتربت تمسك يديها وتشد عليها بدعم، جاهدت للتمسك بلجام ذاتها أمام هيمنة وجوده وتلك الهالة من المشاعر التي تحيط بهم وخطت تبتعد تحث نور على ان تقودها للسيارة..
ازعنت نور لها وقامت بسحبها إليها، تاركه أياه منكسر محطم القلب..
صعدت السيارة وانطلقت بها نور، لتنخرط حينها في نوبة بكاء مرير ونظرات الأم بعينيه تؤلم روحها وتشق قلبها، لتجتازه السيارة فتتهدل أكتافه بانهزام شاعرًا بدوي تحطم قلبه عاليًا، تيبس موضعه للحظات يراقب السيارة الى ان اختفت عن مرآه، تراجع لسيارته وصعدها، قادها الى لا مكان شاعرًا بالاختناق ...
**
اوقفت نور السيارة بجانب الطريق، وقلبها يتمزق على رفيقة عمرها المنخرطة في بكاء مرير، ربتت بأناملها على ظهرها تهدئها، صاحت ياسمينا قائلة بألم وهي تضرب موضع قلبها:-
- ليه حاسة بالوجع هنا يا نور!، ليه متأثره بيه كده!، إذا أنا مش فاكرها ولا يعنيني، ليه نظراته بتعاتبني!، ليه أنا اللي يحبني وانا منفعش لا اكون حبيبه ولا زوجة!، مش لازم يروح لبابا وخالد يطلب ايدي، عشان يحسوا وقتها اني لا ممكن اكون ذي اي بنت، واننا هعيش عاله عليهم لحد ما في يوم يملوا مني ويحطوني فى دار رعايا ذي غيري اللي في حالتي، دا مكاني الطبيعي يا نور...
ظلت هكذا لبعض الوقت تنتحب وتهذى وتنقم على حالها حتى هدأت قليلًا فعادت بها نور إلى المنزل مجددًا بعد إصرارها، وغادر هي مجبره للقاء والدها..
كالعادة تلجأ لمذكراتها تفصح بين سطورها عما يختلج قلبها وما يؤلمه، تخط ما قاله وما شعرت به وما تمنته، بالنهاية خطت سؤال:-
-ماذا لو كان الزمان غير الآن وأختلف الحال؟!
وأجابت قائلة:-
- لكنت الآن اسعد الفتيات واكثرهن حظًا وانا أعلن موافقتي عليك رفيق درب، توءم روح، ونبض القلب، لكن لا الوقت ولا الزمان تابع لنا، فقدري ان لا تلتقي دروبنا...
ثم وضعت قلمها وحاولت اشغال ذاتها ببعض الأنشطة التي يجدر بها المواصلة عليها لأعادة تأهيلها كما رأت بالفيديو المسجل صباحًا، هي لن تشفيها تعلم، لكنها تساعدها على تنظيم وتنشيط ذاكرتها....
تجول جسور بسيارته طويلًا بلا وجه معينه، حتى صدح أتصال عدي يخبره بمعاد التدريب وان الرائد خالد غاضب للغاية وعليه المجيء فورًا، توجه بسيارته حيث المقر وولج أليهم، صاح به خالد بغضب لتأخره، لم يهتم كان كالجليد فقد تجمدت المشاعر بداخله، لا يزال قلبه بصدمة رفضها له، بدأت التمرينات وكان خالد يستمر بالضغط عليه، كان يفعل دون تأثر أو أرهاق او ألم، كان يشغل عقله عنها راغبًا بألحاق المزيد من الألم الجسدي حتى يتفوق على ألم قلبه الغير محتمل، كانت حالته غريبه، اربكت من حوله، بدى وكأنه ينتقم من جسده، بلا توقف يخضع لتلك التمرينات الشاقة، لا يتذمر على غير العادة، حتى استشعر خالد بأمر خاطئ، وصاح به أن يتوقف لكنه لم ينتبه واستمر حتى عانى من نزيف بأنفه وسقط مغشي عليه، انتفض عدي ذعرًا عليه، وتوجها الجميع نحوه بقلق، وقام بسنده وأخذه إلى المشفى واعلمهم الطبيب انه يعاني من ارتفاع الضغط الحاد ويحتاج للمتابعة...
اصر جسور على عدم اخبار أحد حتى لا يقلقوا عليه وطلب من عدي التحجج بأي شيء مهمه ما او تدريب...
أذعن له عدي واخبرهم بأنهما لديهما تدريب هام وسوف يضطرا للمبيت خارجًا، رغم ما عاناه من أسئلة شقيقته الكبرى ووالدة جسور حور الحديدي وعدم اقتناعها ورغبتها بالحديث معه، فيبدو انها تشعر، لذا اعطى الهاتف لجسور، لتستمع حينها لكلمه واحدة منه جاهد لأخرجاها قوية حتى لا تنتبه وتظاهر بانقطاع الخط...
*****
عاد خالد للمنزل وقامت الخادمة بتحضير الطعام وتجمعوا على الطاولة، بعدما اصروا على ياسمينا لمرافقتهم، جلست على الطاولة شارده تتلاعب بطعامها بلا رغبه بتناوله، عقلها وقلبها مع من حطمت قلبه اليوم، بينما خالد ووالده يثرثرا عن العمل، حتى التقطت أذنيها ذكر اسم جسور على لسان خالد قائلًا:-
- وفجأة لقينا بينزف ووقع مغمي عليه..
انسلت شوكة الطعام من بين يديها، مصدحه صوت عند اصطدامها بزجاج الطاولة، مما جعلهم يوجهون انظارهم أليها، حتى انتابهم الذعر ما أن لاحظا ارتجاف جسدها تزامنًا مع انسياب العبرات على وجنتيها حتى بات بكاءها نحيب وشهقات جعلهم ينتفضون متوجهين أليها، وهي تصيح بهم قائلة:-
-انا السبب في اللي حصله، انا اللي وجعته يا بابا، اتسببت في مرضه، هو اعترف لي بحبه وقالي انه هيتقدم لك وانا كسرت قلبه وتعب بسببي، انا السبب..
كانت تتحدث من بين شهقاتها وجسدها المرتجف، مما أدمى قلبيهما عليها وهي تنتفض قائلة بينما تنظر الى والدها:-
- ارجوك يا باباي عايزة اروح اشوفه واطمن عليه.
ثم نظرت إلى خالد تناجيه هو الاخر:-
- ارجوك يا خالد هشوفه من بعيد..
كان ملامح خالد ممتعضة رافضًا طلبها رغم تألمه من أجلها، إلا أنها كانت تنتحب بشده، تصر على طالبها جعلهم يخشون عليها، لذا قرر خالد اعطاءها حبة مهدئ والذي كان قد كتبها لها الطبيب سابقًا في حالة انهيارها لتغفو فورًا ومن المؤكد لن تتذكر ما حدث في الغد .
ما ان حاول أن يعطيها أياها قائلًا:-
- ياسمينا اهدي وخدي المهدئ دي..
امتنعت عن تناوله رافضه قائلة:-
-مش عايزة اخدها وأنام، ارجوك يا ابيه خدني لعنده هشوفه من بعيد واطمن عليه..
شعر والدها بالألم يتضاعف بقلبه من اجلها، لذا هتف قائلًا وهو ويهدهدها:-
- طيب اهدي يا حبيبتي وخالد هيخدك لعنده
ألتفت خالد يطالعه برفض قائلًا:-
- إيه اللي انت بتقوله دا يا بابا!.
هتف اللواء صبري قائلًا بنبرة أمر:-
- خالد هتودي اختك ولا اوديها أنا؟.
أذعن خالد لهما وتوجها لتبديل ثيابه وكذلك فعلت هي، وعبراتها لم تتوقف، حتى في طريقهم أليه...
***
كان عدي جالس مع جسور الذي استفاق منذ لحظات وبدى عليه التحسن رغم ارتسام الحزن على محياه، حاول عدي معرفة ما به، لكن الصمت كان أجابته عليه، هتف قائلًا:-
-مش هتقولي مالك يا جسور وإيه اللي وصلك لكده!.
لم يجيبه جسور وأشاح بوجهه عنه، نهض عدي بنزق منه خارجًا من الغرفه، مبتعد عنها حيث حديقة المشفى راغبًا بالسير قليلًا لاستنشاق الهواء..
****
توقفت سيارة خالد امام المشفى وترجلت ياسمينا من السيارة مسرعة، لحق بها خالد وهو يزفر بضيق، كاد ان يمنعها الحارس من الولوج لولا لرؤيته لخالد، الذي القى التحية العسكرية عليه، تمسك بها خالد وخطوا الى الداخل حيث غرفته وعبراتها المنسابة حزنًا عليه لم تجف حتى الآن، توقفت مقربه من غرفته المنفرج بابها لحس الحظ ان عدي قد تركه هكذا، حتى سنحت لها رؤيته، كان حينها شارد شاخص العين، لكنه كان بخير وهذا ما طمئن قلبها، ظلت للحظات تتأمله تشبع قلبها برؤية ملامحه الذي سوف يشتاق لها قلبها رغم نسيان عقلها له، مقررة ان لا تتسبب له المزيد من الألم وان تبتعد عن حياته وتبعده عنها، تدرك جيدًا انها سوف تتناساه اذا مزقت صفحات مذكراتها التي خطت بها مشاعرها عنه..
حثها خالد على الذهاب، أذعنت له وعيناها معلقه على غرفته، تزامنًا مع ألتفت جسور اتجاه باب الغرفة المنفرج والذي لا يدرك لما تضاعف وجيب قلبه فجأة وشعر برياح معبق برائحة الياسمين تقتحم أنفه واختفت فجأة..
بينما هما غادرا المشفى، دون ان ينتبها ل عدي العائد فجأة من الجهة المعاكسة ورأهما يبتعدا عن غرفة جسور..
استغرب عدي من الامر وولج غرفة جسور قائلًا بتساؤل:-
- غريبه ان الرائد خالد واخته ياسمينا يزوروك في وقت ذي دا!.
ألتفت جسور حاجبي يطالعه بلهفه، وسريعًا ما خفق قلبه بقوة وهو يهتف قائلًا بتساؤل:-
- الرائد خالد وياسمينا
هتف عدي قائلًا مؤكدًا:-
-ايوا انا شايفهم لسه من لحظات ماشيين من قدام أوضتك..
ارتسمت بسمة سعادة على محيا جسور حتى ملئته واختفى تهجم ملامحه وشعوره بالألم وهو يهمس قائلًا:-
- بتحبني، اكيد بتحبني، وألا اية يجيبها ليا دلوقت عشان تطمن عليا!.
- ظلا يرددها بسعادة عازمًا على السعي لنيل عشقها..
بينما عدي يطالعه باندهاش لحالته قائلًا:-
-لا دا انت الحب بهدلك خالص يا ابني، دا انت باين عليك واقع خالص..
رمقه جسور بحده قائلًا:-
- عدي لتخرس يا تطلع برا، عايز انام وارتاح ومش عايز اسمع صوتك..
هتف عدي قائلًا:-
- يعني انا سايب اوضتي وسريري عشان اقعد معاك هنا واطمن عليك وانت دلوقت تطردني تصدق اننا غلطان..
قضوا لحظات يمزحا حتى قرر جسور النوم وكذلك فعل عدى على الاريكة الموضوعة امامه...
***
ما ان وصلت ياسمينا الى المنزل، حتى ولجت غرفتها وتوجهت حيث مكتبها ومذكرتها الصغير تعيد سطر كل ما شعرت به اليوم، تعترف ان بقلبك شيء له، صاحب العينين الفيروزية والنظرة الساحرة، الذي خطف قلبها قبل عامين تقريبًا، قبل بضعة أيام من الحادثة، حينما كانت بالجامعة بعامها الأول بذاك اليوم لم تأتي نور وجلست هي مع بعض رفيقاتها على غير العادة ، حينها بدأت أحدهن بالحديث عن أعجابها وتتيمها بذاك الشاب المسمى جسور الحديدي ذات العينين الفيروزية، ذاك الشاب العابث والذي هو حلم الكثير من الفتيات وتحدثت بزهو انها تمكنت من لفت انتابه وقد حدد معها موعد للقائها، كانت تتابع حديثها بصدمه مما تقوله، فكيف لها مواعدة شاب والخروج معه دون رابط رسمي بينهم، وما ان بدأت الفتاة بأخراج هاتفها وعرض صوره عليهن، حتى داهمها الفضول لرؤية من يكون، هدر قلبها نبضه حينها ما أن رأت صورة له
تطالعه بنظرة اعجاب ، لكن سرعان ما عاتبت ذاتها عليها
حتى انتهت محاضرتها وما ان كادت تهم بالخروج، حتى رأت تلك الفتاه تمر من امامها مسرعة تخبره أنه ينتظرها بالخارج، قادتها قدمها حينها تقف منزوية تراقبه يترحل من سيارته بأناقة يرتدي كنزة بيضاء وبنطاله جينز ونظارة شمسيه، نزعها وهو يتوجه للناحية الاخرى، يفتح باب السيارة لتلك الفتاة لكي تصعد، ثم يعاود الالتفات والصعود الى السيارة، بعدها بعدة ايام تحديدًا قبل كحادثتها بعدة ايام كانت هي ونور يجلسا بكافتيريا الجامعة، لتستمع الى الفتاة تبكي قائلة:-
- أنه قد تركها وأنه كما يقولون عنه عابث لا يهتم بالعشق
فقد اخبرها منذ البداية انه يتسلى وان لا تنتظر منه اي مشاعر اتجاهها، لكنها ظنت انها ربما قد تجعله يعشقها، لكنها لم تستطع وبالنهاية تركها...
لذا حينما وقعت عيناها عليه اول مره من المؤكد انها تذكرت تلك الحادثة وذاك المغرور وارادت تلقينه درسًا ولا تعلم انه قد سكن قلبها منذ تلك اللحظة التي رأت بها صورته وعيناه الفيروزية، وشاءت الاقدار أن تجمع بينهما الآن، يشعر بالعشق اتجاهها هي، ويعلن عن رغبته بالزواج بها وهي من تتسبب بمرضه لرفضها له مجبره، فهي لا تصلح له
لذا خطت كلمات الوداع بمذكراتها وقامت بالاتصال ب نور تطلب منها ان تأتي أليها غدًا، كما أبقت ملاحظه وتنبيه بما انتوت فعله غدًا، وخلدت للنوم
***
غدًا عصرًا، بعد رويتنها اليومي والصدمة التي تتعايشها ونوبة الذعر والبكاء التي تنتهي بتقبل الأمر واخبار الطبيب لها تن تحمد الله على ما هي به، فهناك حالة رجل مشابهه لها لكنه فقد ماضيه وحاضره، يعيش يومه فاقد أي ذاكرة، لتتقبل وضعها وتبدأ بالتفحص ومعرفة ما فاتها
وما دونته على ذاك الحائط وبعد صور الاشخاص وخلافه صدح التنبيه الذي تركته على هاتفها ووصلت لها تلك الرسالة، وتوجهت حيث مذاكرتها ، وما ان بدأت بمطالعتها حتى اعترى الحزن ملامحها وانسابت عبرات من مقلتيها تزامنًا مع مجيء نور، الذي ولجت أليها، فنهضت وضمتها تبكي له بقوه وتخبرها ان تأخذ تلك المذكرات وتخفيها عندها بمنزلها وان لا تخبرها بها، ربتت نور عليها بحنان تسألها ان كان للأمر علاقه بجسور، فتومئ لها، هتفت نور قائلة:-
-اسمعي يا ياسمينا جسور فعلًا بيحبك انا متأكدة، ليه ما تصرحوه بحالتك، يمكن يتقبلها..
اومئت برأسها نافيه قائلة::
-مستحيل يوافق يا نور، وانا مش هحط نفسي بالموقف دا
أبدًا ومش عايزة اشوف نظرة شفقه بعيونه حتى او لحظية وهسناها، ارجوكِ اسمعي كلامي..
اومئت لها قائلة:-
- زي ما تحبي يا ياسمينا، هحافظ عليها ليكِ، يمكن تحتاجيها بيوم من الأيام..
وبقت لبعض الوقت، ثم قررت الذهاب...
مر اليوم بدون حديث يذكر، سوا خروج جسور من المشفى وعودته للمنزل، وأيضًا تلك الخاطرة التي تداهم نور وترغب بفعلها، لكن تخشى العواقب، لكن بعد مرور عدة ايام أخرى رأت فيها ذاك الحزن الذي يعتمل قلب ياسمينا، رغم عدم تذكرها لأي وجود لجسور او معلومة تعلمها بوجوده، لكن يبدو ان قلبها يعلم، يشعر، يتوق له، لذا عزمت على المحاولة وتتمني ان يكون جسور يعشق ياسمينا بالقدر الكافي الذي بجعله يتمسك بها رغم مرضها ..
عاد جسور الى عمله، وهو يرى تهجم ملامح خالد لدى رؤياه، يكد يقسم انه يرغب الفتك به، لكنه لم يحادثه بأي أمر ولم يخبره هو عن سبب زيارته له، عازمًا على اقناع ياسمينا اولًا يليها والدها واخرها أخاها.....
***"
أشرقت سماء اليوم التالي، قرر جسور ان يذهب ويحاول لقاءها، وذهب بسيارته أمام منزلها، حينما علم خروجها المؤكد من المنزل اليوم، بعدما اعلمت نور عدي بأنها سوف تخرج هي وياسمينا، وها هو هنا بالسيارة ينتظر رؤياها والحديث معها....
أنت تقرأ
كيف لقلبك انتمي... الجزء الرابع والاخير من سلسلة حور الشيطان عشق محرم
Romanceالجزء الرابع من سلسلة عشق محرم