الفصل التاسع

78 7 2
                                    

جالسة بغضب تنتظر عودة زوجها .. انه احمق يستمع لكل شيء الا لموضوع ابنته ، لا تصدق الغباء الذي حولها .. ابنتها عاشقة لذلك الاحمق التي لا تعلم على اي شيء تعشقه لهذه الدرجة لو كانت استمعت الى كلامها لما كان سيكون حالها الان هكذا .. لكن لن تصمت اكثر من ذلك سيأتي ماجد ويجب ان يتكلم معه فوضع نوسين لا يسمح لها بالمكوث بدون مرافق .. او هي من ستذهب وتجلس معها لا يوجد خيار اخر امامها ...
***********
عند دخوله الى الصالة وجدها جالسة شاردة الذهن بعالم اخر .. حتى انها لم تشعر به .. ناداها بصوت مرتفع لتنتبه اخيراً ..
- ماذا ... لقد عدت منذ عدة دقائق وانتِ شاردة الذهن ..
اجابته بضيق وهي تنظر اليه عابسة الملامح :
- لا شيء .. فقط افكر بنوسين وما يحصل معها .
- هل حصل معها شيء ما ...؟
- لا لم يحصل لكن هذا الوضع غير مناسب .. ابنتك على ابواب الولادة ولا يمكن ان تبقى بمفردها في المنزل ، وأيضًا يجب ان تكون معي لأرعاها .. هي لا تستطيع ان تفعل اي شيء .
اجابها بهدوء وحزن وهو يجلس بجانبها :
- اعلم بهذا .. هل تكلمتي معها ؟
ردت بضيق وهي تتذكر جوابها الاحمق :
- اجل ... وكان ردها .. امي رويد لا يقبل ان انام ولو ليوم واحد خارج منزلي .
قاطعها ماجد بحدة ليقول :
- اذن اذهبي انت لها .
- ماااااااااااااجد ، كان صوت امينة وهي لا تصدق كمية البرود الذي يحملها تجاه ابنته وما يحصل معها فهتفت بغضب :
- اليست ابنتك ... مالذي يجري لك لتصمت هكذا ؟
تجاهل غضبها وصوتها العالي الذي من الممكن ان يستمع اليه احد اطفاله ويعتبر اهانة له لكن ارتفع صوته هو الاخر بغضب :
- هذا خيارك امينة .. من ثم رويد انسان وضيع وسافل لا يحترم الكبير قبل الصغير ... اذا تكلمت معه لن استفيد اي شيء غير اهانة نفسي فقط .
نظرت اليه بعدم تصديق هل هذا ما يهمه حقاً !!!
غمغمت له بضيق :
- ماجد اذا كان بهذه الاخلاق يجب ان نضع حد له .. ابنتي ما ذنبها ؟!
- ذنبها ... انها صامتة، كل مرة اسئلها تجيب انها سعيدة .. ذنبها انك والدتها .. انت من اتيت به لنا واقنعتي الجميع بهذه الزيجة الفاشلة .. ذنبها اني والدها وعقلي وافكاري لا تسمح بأن تنفصل عنه .. ماذا تريدين ان تقول الناس ... ابنة ماجد مطلقة ولديها طفلين ؟!!!!!
- ما سبب طلاقها ؟! .. سيئة السمعة ... سيئة الاخلاق ؟!
اكمل كلامه والغضب يصل به الى اقصى حد :
- امينة نحن في مجتمع لا يرحم ، ابنتي ستتدمر اذا انفصلت عن زوجها .. الجميع سيتكلم عنها .
تكلمت بغضب من افكاره ومعتقداته الغبية :
- فلتذهب اقاويل الناس الى الجحيم .. سعادة ابنتي اهم من اي شيء اخر .
ابتسم بتهكم وهو يقول :
- يبدو ان مشاهدتك لتلك المسلسلات التركية جعلتك تنسين اين تعيشين وما هو مجتمعنا يا امينة فلتكرميني بسكوتك ..
*********************
كلام زوجته صعب جداً عليه لكن ما باليد من حيلة لو تعلم ما اكتشفه عن زوج ابنته لماتت من صدمتها او اقل الخسائر قد تكون وصول الامر بها الى جلطة دماغية..
لو تعرف ان زوج ابنتها يذهب الى العاصمة كل فترة ينفق نقوده على شرب الخمر واماكن السهر وبنات الليل ماذا ستفعل .. لو تعلم ان زوج ابنتها يلعب القمار وما يربحه يرميه لملذاته ماذا ستقول !!!
لقد علم الكثير والكثير عن هذا الرويد ومدى حقارته ووساخته ... لكن لن يستطيع ان يفعل اي شيء هو زوج ابنته واي فعل منه سيعود اضعافا على ابنته ... رويد كسره بنوسين يعترف بهذا الشيء ... لكن ما تعلمه وما رسخ في عقله اكبر من خضوعه الى حب ابنته ، لا احد يشكك بمدى حبه لها لكن لا يستطيع ان يهدم هذا البيت .. فلتتحمل هذه قسمتها كما تحملن امهاته والنساء الاخريات هو يعيش بمجتمع لا يرحم لن يستطيع مواجهته حتى لو كان على حساب سعادة ابنته فهو ليس لديه بنات للانفصال والطلاق.. اذا تزوجت فيجب ان تتحمل ما يأتيها من النصيب الى ان يكتب الله لها شيء اخر ينقذها او الى ان تموت .
*****************
- رويد اشعر بتعب شديد يبدو ان الاوان قد حان ..
كان صوتها المتعب بسبب الالم الذي يداهمها تارةً ويهدأ تارةً أخرى.. طوال الليل وهي تحاول ان تتجاهل هذا الألم معتقدة ان ه مجرد الم بسيط ويذهب مثل كل ليلة ...قفز عن سريره بسرعه وهو يقترب منها بقلق :
- هل انت متأكدة ...؟!
- اجل .. ارجوك خذني الى المشفى لكن اتصل بوالدتي لا اريد ان اكون لوحدي .
كان جوابها متقطعًا بسبب الالام المتواصلة التي تضرب جسدها وهي تمسك يديه بقوة .
احتضن وجهها بكفيه وهو يرى الالم والتعب الواضح عليها ، ليقبل جبينها وهو يتمتم لها :
- انا معك حبيبتي .. لا تقلقي سأتصل بها ..
حاول النهوض ليرتدي بنطاله وقميصه لتعاود الامساك بيده ودموعها اصبحت تنزل على وجنتيها من شدة الالم لكن تريد ان تطمئن في الاول على اطفالها غمغمت بحزن:
- رويد ارجوك ... اذا حصل شيءٍ لي قم برعاية اطفالي جيداً واجعل والدتي من تربيهم ارجوك ... لا اريد ان تأتي بأم اخرى لهم .
ابتسم لها بحب وهو يعاود تقبيل جبينها وهو يهمس لها :
- انت من ستربيهم حبيبتي وستتحملين جنانهم مثلما تحملتيني انا هل هذا مفهوم ابعدي تلك الافكار عن رأسك فانا بدونك لا شيء هل تفهمين ذلك .
كان صادقا بكل كلمة يقولها لم يكن يكذب .. هي من ستربي اطفالها .. هي ستجعلهم افضل منه .. هو لا يريد خسارتها ..
وهذا يكفيها ... ما قاله لها كافي بالنسبة لها .. تعلم متى يكذب ومتى يكون صادق .. ونظراته الان صادقة ، مرتعبة ، خائف ... قد ندفع عمرها كله مقابل هذه النظرات ، لتتحمل وتصبر فحبها له كبير جداً وهي ترضى باي شيء منه حتى لو كان قليلا .
************
بعد ساعات عصيبة مرت بهم شعر انه على جمر يتطلع الى امينة وماجد بحقد يحاول ان يخفيه لكن لا يستطيع .. نظرات مابينهم متبادلة نفس الشعور.. الكره والحقد بينهم اصبح متبادلا لكن امينة وماجد لا يعلمان سبب ذلك الحقد ، كل ما يعلمانه انه انسان قذر وان حظ ابنتهم بالحضيض وليك الله بعونها.. قطع تلك النظرات صوت الممرضة وهي تخرج لتزف لهم البشارة :
- مبارك لكم ... لقد وضعت طفلين كالبدور... لكن صمتت لعدة ثواني وهي تتطلع اليهم بتوتر ، ليزجرها صوت رويد وهو يقول بغضب :
- ماذا ... لكن ماذا تكلمي .. هل هناك خطب ما ؟
اجابته بتلعثم :
- اجل فحالة المريضة كانت خطرة بعض الشيء .. لقد حصل لها نزيف بعد الولادة وتم السيطرة عليه الان ، لكن تحتاج لبعض الوقت لاسترداد صحتها .
********************
حبات العرق مازالت على جبينها وشعرها الغجري المبتل كان يفترش وسادة السرير التي ترقد عليه تتطلع حولها.. يوجد الكثير من النساء بهذه الغرفة .. ضجيج عالي ، كل واحدة كانت تجلس بجانبها امها او مرافقة لها .. ابتلعت ريقها بتعب وهي تنظر الى الباب ... هل رويد احضر والدتها كما طلبت منه او تجاهل هذا الشيء فعلاقته سيئة جداً مع عائلتها ولا تعلم السبب ..
انفرجت شفتاها وهي تلمح والدتها تدخل الى الغرفة القابعة بها وهي تحمل طفليها لها بأبتسامة تحمل الكثير من الحنان ، لتقترب منها وهي تقبلها على جبينها وتتمتم لها :
- حمدلله على سلامتك يا ابنتي .... خذي رائد وريم الى حضنك يا ابنتي لقد كبر والدك بأذنهم ..والان يجب ان تقومي بإرضاعهما لكن بالدور وانا سأساعدك ..
تجاهلت كلام والدتها وهي تخبرها بغصة وخوف ان يكون رويد اوصلها الى المشفى وغادر لتهمس لها بأرتباك :
- من سماهم امي ... ولماذا والدهما لم يكبر في اذنيهما ؟
جلست امينة على الكرسي وهي تخبر ابنتها بأمتعاض:
- والدك هو من اراد ذلك ... لماذا ..؟ لا اعلم حينما تخرجين اخبريه .... ومن ثم رويد في الخارج مع والدك لا تقلقي لم يرحل الى اي مكان .
- اريد الخروج من هنا امي .
- انتظري يجب ان تأتي الطبيبة وترى هل وضعك يسمح بالخروج ام لا ... زفرت بضيق وهي تود ان تخرج في هذه اللحظة من هذا المكان بأسرع وقت ممكن .
بعد القليل من الوقت وتحت اصرارها للخروج من المستشفى رضخت امينة الى طلبها لتنادي على طبيبتها حتى تأذن لها بالخروج .
بعد ان كشفت عليها الطبيبة للمرة الاخيرة لتسمح لها بالخروج مع ارشاداتها وتوصياتها المحذرة لها ومدى خطورة وضعها وان صحتها لا تسمح لها بأي مجهود .. خرجت اخيراً من هذا المكان الذي يقبض الروح بالنسبة لها ... لتجد والدها ورويد جالسان يتطلعان الى بعضهما البعض لكن عند رؤيتها وهي جالسة على كرسي متحرك وبحضنها تحتوي الطفلين ووالدتها تقوم بدفعها ، قفز رويد من مكانه وهو يتجه نحوها بسرعة يقترب منها يعدل وشاحها الذي لا يعلم لماذا طوال الوقت تضعه بهذا الشكل بأهمال ليبين خصلاتها الغجرية المتمردة فتظهر امام العلن .. زفر بضيق وهو يعدل وشاحها وهو يطبع قبلة على جبينها تحت انظار والديها المستنكرين وهو يهمس لها :
- حمدا لله على سلامتك يا ام رائد .
ابتسمت له واثار التعب الواضح على بشرتها الباهتة تبدو واضحة بسبب تعبها لترد عليه بنفس الهمس:
- شكراً لك حبيبي .
ارتفع صوته ليسمعه كل من امينة وماجد وهو يقول :
- حسناً الان لنذهب الى منزلنا .
تطلع كل من امينة وماجد نحو بعضهما بعدم تصديق .. هل هو مجنون ؟!!!
تكلم ماجد بصوته الرزين :
- نوسين ستذهب الى منزلي .. والدتها ستعتني بها ، وانت يمكنك ان تأتي لزيارتها الى ان تستعيد عافيتها .
نظرت نوسين بخوف الى رويد وهي ترى ملامح الغضب الذي بدى واضح جداً عليه لكنه لم يتكلم اكتفى بأنزال رأسه بالقرب من اذنها وهو يهمس لها بغضب :
- تكلمي انتِ والا... سأفتعل فضيحة هنا بالمشفى ولا يهمني احد .
همين له بصوت مرتجف :
- رويد ارجوك دعني اذهب معهم انا حقاً لا استطيع ان اعتني بنفسي ، وايضاً لا يمكن ان ارفض طلب لابي..
اتى صوت ماجد العالي وهو يقول :
- ماذا بكم ...؟ هل هناك مشكلة ؟
- كلا يا عمي لا يوجد شيء .
انزل نظره اليها وهو يتوعدها بغضب ليعاود الهمس لها بفحيح بالقرب من اذنها :
- اذا رحلتي معهم يا نوسين .. حسابك سيكون عسيرا لقد حذرتك ارفضي الان وانفذي بجلدك .
حاولت التكلم لكن ذهاب ماجد وجلبه لسيارته وركنها امام باب المشفى بهذه السرعة وصراخ طفليها الذي اصبح يرتفع اكثر منعها من الرد .. صدقاً هي في ورطة ، رويد يضغط عليها من جهة ووالدها يريدها بالقرب منه من جهة اخرى وهي الان اصبحت لا تشعر بشيء .. تشعر ان رويد لن يمرر ذلك الموضوع بسهولة ، وقد يفتعل مشكلة الان معها ، وهي ابتدأت لا تشعر بشيء تشويش فقط .. كلام رويد بالقرب من اذنها وهو يضغط عليها بعدم القبول والذهاب .. نظرات والدتها لهم وهي تتكلم دون ان تستوعب وتفهم عن ماذا تتكلم .. والدها الذي ذهب وجلب سياره ، كل ذلك اصبح ضبابيًا.. تشوشت الرؤية لتفقد اخر نقطة ضوء لتغيب عما يجري من حولها هاربة لعالم الظلام .
****************
النهاية .
قراءة ممتعة ...
يتبع ........

احلام تحت ثياب الواقعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن