شعرتُ بيدين تعبث بجيب بنطالي فأرغمتُ نفسي على رفع أجفاني بامتعاض رغم عاصفة الدوار الهائجة في رأسي.. و ليتني لم أفتح عينَي..فالكابوس أصبح حقيقة.. أخرج جلال هاتفي من جيب بنطالي ثم فتح نافذة السيارة و ألقى به إلى الخارج.. حاولتُ رفع نفسي إلى وضعية الجلوس و فغرتُ فاهي لأتوسل إليه أن يتركني، لكني لم أجد الطاقة للتحدث.. كان حلقي جافاً و طعماً مراً يثير تقلبات معدتي.. أمسك بمعصمي و بدأ يُنزعني الساعة الألكترونية فحاولتُ شدّ يدي إليّ و أنا أترنح إلى الأمام و الخلف بفعل الدوار.. لكني كنتُ ضعيفة للغاية فلم تؤثر به محاولاتي.. بل أزال الساعة و رماها هي الأخرى من النافذة.. بكيتُ في داخلي بقوة.. أم ظاهري فلم يقوَ حتى على البكاء.. بل ظلّ يتمايل حتى رفع جلال يده و وضعها على ظهر عنقي ثم جذب رأسي إليه و وضعه على كتفه قائلاً بجفاء:
ـ لا تحاولين شي.. بعد ماكو مهرب..
لم أجد الطاقة لإبعاد رأسي عنه.. بل بقيتُ أنظر بضياع إلى الطريق الموحش الذي يشبه الطريق الذي سلكناه المرة السابقة.. فلا يوجد على جانبيه سوى الصحراء.. قاومتُ ثقل أجفاني لأعرف الوجهة التي نقصدها، لكن يبدو أنني خسرتُ في النهاية.. لأنني حين فتحتُ عينَي من جديد وجدتُ نفسي في غرفة ضيقة باردة و ممدة على فراش رفيع على الأرض.. أمسكتُ برأسي بامتعاض من الصداع و حاولتُ التعرف على المكان.. كنتُ أسمع صوت عدد من المطرقات من مكانً في الأعلى.. هل يعني هذا بأنني في قبوٍ ما؟.. أسندتُ نفسي على الجدار البارد و سرتُ بترنح نحو الباب الحديدي و حاولتُ فتحه.. لكنه كان مقفلاً.. ضربتُ عليه بقوة و ناديت بصوت مبحوح:
ـ فتحوا الباب! طلعوني منا! أكو أحد يسمعني؟!
سمعتُ حركة في القفل فتراجعتُ بخطوتين و قد تصلبت أعضائي توجساً.. فُتح الباب و ظهر وجه بغيض مألوف.. محمد.. ما زال يضع النظارات الشمسية.. قال بحدة:
ـ كعدي بلا صوت لحد ما يجي جلال.
ألقيتُ بنظرة سريعة خلفه، لكن كل ما رأيته هو ممر شبه مظلم.. أغلق الباب دون أعطائي الفرصة لقول شيء فالتفتُ من حولي بجزع و أنا أحاول إيجاد مهرب، لكن الغرفة لا تمتلك حتى نافذة!.. و كأنني في زنزانة.. أمسكتُ بذراعي و بدأت أقرصها و قد بدأتُ أصاب بالهستيريا.. هيا أستيقظي!.. يكفي كوابيس!.. استيقظي ليستقبلكِ حضن إيهاب و يطمئنكِ أن شيئاً لن يصيبكِ في وجوده!.. لكني مهما قرصتُ ذراعي لم أستيقظ.. فأنهرتُ إلى الأرض أضرب على فخذَي و أبكي بجزع.. لقد انتهى أمري.. هذه المرة لن أخرج بنَفَسٍ من هنا!..
أخفيتُ وجهي بكفَي و بكيتُ بحرقة آلمت حنجرتي و رئتاي.. إيهاب.. إنني حتى لم أسمعه الكلمة التي أراد سماعها.. لو كنتُ أعلم بأنها المرة الأخيرة التي أراها فيها لكنتُ كرّرتها ألف مرة على مسمعه.. بنشيجٍ و أنفاسٍ ملتهبة نطقتُ بإسمه و كأنه قد يسمعني:ـ إيهاب.. إيهاب.. تعال خل أسمعكياها.. تعال والله أحبك..
احتضنتُ نفسي و كوّرتُ نفسي على الأرض بيأسٍ و قد أيقنتُ بأن لا جدوى من أي محاولة.. هذه المرة لن تتاح لي أي فرصة للهروب..أغمضتُ عينَي و سالت دموعي الساخنة لتزيدني بأساً.. يا الله.. إن كانت نهايتي هنا فعجّل بها ولا تتركني أتعذب على يديه.. أجعلها ميتة سريعة.. سمعتُ قفل الباب يُفتح فجلستُ بفزع و قد انقطع حتى بكائي..
فُتح الباب و ظهر كابوسي بتعابيره المخيفة و أغلق الباب ثم تأملني بعينيه ببرود.. يراقب دمعتي التي نزلت بصمت و رعشة جسدي التي كانت واضحة رغم مسافة المترين بيننا.. تقدم بخطوات بطيئة جعلت شعر جسدي يستقيم رعباً.. ثم جلس القرفصاء أمامي و جعلني أنظر إلى عينيه ليخبرني بأن هذه المرة لا أمل في نجاتي.. و لا أستحق أدنى رحمة منه.. أغمضتُ عينَي بقوة هروباً من أفكاره التي بدأت تزداد بشاعة ففاجأني بالقبض على يدي وبالتحديد على البنصر وسحب خاتم زواجي بقوة جعلتني أفتح عينَي على اتساعها و أشهق ألماً.. نظر إلى الخاتم في يده بتعابيرٍ متصلبة تحمل غضباً دفيناً و قال: