أومأت برأسها و زاد لمعان دموعها.. نظرتُ إليها بذهول.. هل.. فقدت قدرتها بسبب الإصابة؟.. همستُ قائلاً:
ـ خاف.. لأن بعدج تعبانة...
لم تبدو مقتنعة.. فقلت:
ـ ننتظر كم يوم و نشوف..
أومأت برأسها.. ثم لم تعترض حين عاودتُ محاولتي بإطعامها...
(رنيم)
بدأتُ أستعيد صوتي شيئاً فشيئاً.. لكنه كان مبحوحاً مزعجاً.. و تحسنت حركتي رغم الجهد الذي تطلبته كل حركة.. كان الأطباء يزدادون تفاؤلاً بحالتي و زاد تفاؤل إيهاب الذي لم يفارقني لحظة منذ استيقاظي..
لكن لم يخفَ عليه شرودي و قلة تركيزي مع من حولي فسألني حين أنفردنا:ـ بعدج ما تكدرين تقرين الأفكار؟
أومأت برأسي و قلتُ بصعوبة:
ـ ولا واحد.. كدرت اقرا.. أفكاره..
سألني بحذر:
ـ هالشي.. دا يضايقج؟
لا أعرف كيف أوضح له الأمر.. فأنا ذاتي لا أفهم مشاعري.. لكني أشعر و كأنني فقدتُ جزءاً مهماً مني.. كصوتي أو سمعي.. و النقص فظيع.. فكيف أتعامل مع الناس بعد أن اعتدت على التعامل معهم اعتماداً على أفكارهم؟.. أشعر بأنني لم أعد أفهمهم و كأنهم يضعون قناعاً لا يظهر أي تعابير.. فلا أعرف هل أن من يحادثني سعيد أم حزين.. أم هل يعني ما يقوله أم يخدعني..
نعم مضيتُ العمر أشتهي اختفاء قدرة قراءة العيون.. لكن فقدانها ليس أمراً يمكن تقبله و الاعتياد عليه بهذه السهولة.. قال إيهاب حين لم يجد جواباً مني:ـ فكري بالجانب الإيجابي.. كل الأذية التعرضتيلها بسبب هالقدرة راح تنتهي.. محد بعد يكدر يستغلج.. و راح تكدرين تعيشين حياتج بشكل طبيعي.. تتعاملين وي الناس براحتج و تكونين صداقات بدون ما تكون هالقدرة عائق لهالشي..
إنه محق.. زوال القدرة يعني خلاصي من المخابرات استغلال الناس لي.. لكن هل سأعيش حياتي بشكل طبيعي بنقصٍ كبيرٍ كهذا؟.. هل يمكنني أن أصبح اجتماعية بعد كل هذه السنين من العزلة؟..
همستُ و أنا أنظر إليه بضياع:ـ أحس ما دا أفهم الناس.. تعودت أفهمهم من أفكارهم..
أمسك بيدي و مسح عليها بيده الأخرى قائلاً بلين:
ـ حقج.. مو سهلة تفقدين قدرة جانت وياج من ولادتج.. و راح تحتاجين وقت يالله تتأقلمين وي وضعج الجديد.. بس راح أكون وياج بكل خطوة.. راح نتجاوز هالصعوبة سوه.. ماشي؟..
أومأتُ ببطء و أنا أشعر بالغصة لعدم قدرتي على قراءة أفكاره.. همستُ:
ـ جنت أحب أقرا.. أفكارك.. دا احس بنقص بدونهن..
ابتسم وهو يقرّب وجهه مني جاعلاً نبضي يتسارع بشكل مفاجئ.. و تهتُ في لون عينيه الذي لم أركز به مسبقاً بسبب الأفكار التي كانت تعيق عليّ كل شيء.. هل كانا دوماً بهذا الجمال؟..
قال بنظرة عميقة تمكنتُ من رؤية الحب فيها رغم عدم مقدرتي على قراءة أفكاره: