أنهت جملتها تلك ونظرت الي أدهم باسمة، وجدته ينظر إليها مندهشاً، إذا إنها هي، ها هي تؤكد له ذلك بنفسها، تدارك نفسه سريعاً وسألها : وعملتي إيه بقى؟
_مفيش، خدت وقتي لغاية ما اخدت القرار ونفذته وأهو جيت هنا، حسيت ان ده مكاني المناسب واللي هقدر الاقي نفسي فيه .
طلب منها أدهم العودة إلي مكانها واستأنف المحاضرة يناقش الطلبة في نفس الموضوع ويتلقى أسئلتهم برحابة صدر ثم عرفهم على مقرر مادته وطمئنهم أن ما يهمه هو الفهم وليس الحفظ وان الجميع سينجح ولكنه يريد منهم جميعاً الاجتهاد وغيره من الوصايا العلمية المهمة .. كان يتحدث بطريقة جادة وحازمة أغلب الوقت، لم يلتفت اليها ولو لمرة، وهي لم تخفض أنظارها عنه ولو للحظة ..
عادت ملاذ إلي منزلها سعيدة، هي لم تصدق عيناها عندما دلفت إلي القاعة ووقعت عيناها عليه، لم يكن تذكره أمراً صعباً فهي قد حفظت ملامحه سابقاً عن ظهر قلب، فهو صاحب الفضل في قرارها " المتسرع" على حد قول والدتها ..لا تدر لم نفذت كلامه بهذه السرعة وكأنها كانت تنتظر من يقول لها " اهربي " ، ولا تدر كذلك لم ظلت تتذكره بين الحين والآخر مذ التقت به في المصيف ...
كان يوماً جميلاً ممتلئاً بأشعة الشمس الذهبية وأمواج البحر متقلبة المزاج والتي لم تسمح للهواه بالسباحة آنذاك، رأته يتقدم نحو البحر وهو عاقد الهمة علي العوم به، استغربته، نادت على أي أحد كي يوقف جنونه الهادر كالبخر الذي يستعد لالتقافه، لم يسمع نداءها أحد كما لم يتوقف هو، هدأت وتيرة أعصابها قليلاً وهي تراه يجيد السباحة، جلست على صخرة عالية تراقب هذا المتهور والمأساه التي سيتعرض لها بعد قليل، ولكنها اندهشت حين اختفي سريعاً عن أنظارها فقد تقدم في البحر تقدماً يوحي بأنه سباح ماهر ظلت تتلفت بعينيها هنا وهناك باحثة عنه ولكن ما من اثر له ...
خرج أدهم من البحر ينثر حبات المياه عن شعره فوجدها واقفة أمامه، كأنها حورية خرجت لتوها من المياه، كانت ترتدي فستاناً طويلاً تتراقص أطرافه مع هواء البحر الهادر من خلفه، ملامحها هادئة وشائعة لدي معظم فتيات بلاده، لكن نظراتها لم تكن عادية، كانت خليطاً من الخوف و الإعجاب و الدهشة، عيناها الجميلتان سحرتاه، عسلية محاطة برموش كثيفة سبحان من جعله يصمد أمامها، انتظر منها حديثاً لكنها لم تفعل، وهو لم يصبر
فقال : فيه حاجة يا آنسة ؟!
_معلش أزعجتك أنا بس مصدقتش إنك ..يعني، لسه عايش .
قال بعدم فهم : لسه عايش ؟!
نظرت إليه وقالت بحرج شديد: أنا بلّغت كل فرق الإنقاذ عنك لأنك غوطت جامد ف البحر واتاخرت فخوفت تكون غرقت، أنا آسفة جداً لحضرتك .
ضحك أدهم ضحكاً شديداً كان لديه غمازتان تزينان وجهه الرجولي الوسيم، ذقنه خفيفة وشعره مبعثر علي وجهه، لا تدر لم ضحكت هي الأخرى ولم ظلت تتأمل ملامحه ...
*******
في حجرة مكتبه داخل منزله، جلس أدهم بعد يوم عمله الطويل يراجع بعضا ً من أبحاثه العالقة، عبرت ملاذ ذكراه ليترك القلم فجأة ويرجع رأسه للوراء سارحاً بذكرياته إلي ذلك اليوم الذي التقاها به، ابتسم ثم تحولت ابتسامته الي ضحكات عندما تذكر ما فعلته حينها....
*******
أدهم : بلغتي فرق الانقاذ، لا بجد متشكر جدا أنا كدة سمعتي بقت ف الارض.
_ ليه يعني؟! الحق عليا بنقذ روح بريئة من الغرق.
_ الروح البريئة دي معاها بطولات سباحة وانتي رايحة تبلغي علي صاحبها إنه غريق !.
_ هوا أنا يعني قولتلهم اسمك ؟
انتبه ادهم عند تلك النقطة أنهما لم يتعارفا بعد، فنظر لها وقال: صحيح متعرفناش، اسمي ادهم .
_ ملاذ ..
ابتسم ليقول بهمس : ملاذ....اسم جميل !.
أمضيا بقية ذاك اليوم سويًا يتمشيان على شاطيء البحر وهذا على غير عادتهما، فملاذ لم تسمح يوماً لأحد أن يقول لها حتى صباح الخير وها هي الآن تسير مع رجل غريب عنها في أكثر الأماكن شاعرية في الأرض، وأدهم ليس من النوع الذي يُحادث الفتيات ولا حتى يميل إليهن بسبب تعرضه المباشر لفتيات في الجامعة منحلات أخلاقيا ً على حد وصفه جعلنه يفقد الثقة فيهن ...
تذكر أدهم كيف أخبرته حينها عن عدم راحتها في الكلية التي تدرس بها وتشجيعه لها علي تركها ....
_ بس خايفة أندم بعدين.
_ القرار اللي القلب بياخده عمر ما يتندم عليه..
******
دبدب بالقلم عدة مرات وابتسامته تتسع رويداً رويداً، قال:
ياه يا ملاذ، سبتي كُليتك وجيتي لغاية عندي، طالبة تحت ايديا، وأنا اللي كنت مفكر إني مش هشوفك تاني، أكيد دي مش مجرد صُدف ..
******
دخلت منزلها سعيدة، لا صوت بالداخل كالعادة، والدها متوفي ووالدتها لم تعد بعد من عملها ولا أخوة لديها، صعدت إلي غرفتها وجلست علي الفراش متنهدة.
قالت: من ساعة ما شوفتك يا أدهم وأنا حاسة نفسي متغيرة، فيا حاجة متغيرة مش قادرة أعرف هيا إيه، بس لما شوفتك النهاردة فرحت أوي، أنا بيتهيألي مفرحتش الفرحة دي من ساعة ما بابا اتوفى، بس ده مش صح، مينفعش أحس بكدة، انتا راجل غريب عني وكمان بقيت دكتوري ف الجامعة لازم أحط حد لمشاعري دي ..!
أنت تقرأ
ملاذي
Romance**اقتباس** . . نهض أدهم مفزوعًا من نومه بعدما رأى كابوساً شنيعا، نظر حوله وتذكر ليلة البارحة المشؤومة ووجد باب منزل ملاذ مفتوحاً ففزع، دخل فلم يجد لها أي أثر وكل أغراضها قد اختفت، نزل السلم رقدًا وذهب لأمه وقال : مشت، مشت يا ماما .. ردت بهدوء : قصرت...