استقلت بجواره السيارة وآثرت الصمت لتغرق في تفكيرها، لاحظ هو أنها تشرد كثيراً ولكنه ترك لها الوقت لتعيد لملمة شتات نفسها، الأحداث تسارعت بالفعل آخر يومين ومن الصعب الإلمام بها بهذه السرعة، نزلت عند منزلها وحادث هو والدتها وأخبرها بكل شيء وبقراره بالزواج منها وهي كادت تطير من السعادة؛ منذ أن رأتها وهي تتمناها زوجة له، استمر أدهم في محادثة والدته وطلب منها تجهيز شقته لتعيش بها ورحبت هي بذلك ..
أنهى المكالمة قائلاً : أمي فرحانة أكتر مني ولا ايه؟ .
خرجت ملاذ حاملة عدة حقائب كبيرة فاسرع بحملها منها قائلاً : حيلك حيلك اي كل ده؟! انتي عبيتي البيت كله ولا ايه ..
_ دول يادوب لبسي وكتبي
_ يادوب؟!! ماشاء الله اللهم لا حسد ، ليه فاشون بلوجر ؟
_ حط ف العربية وبلاش لماضة لغاية ما أجيب الشنط اللي لسة جوة .
_لسة جوة ؟ استني أجيب عربية نقل بقى أحسن
ضحكت وهي تدخل المنزل وانتهت من إخراج كل الحقائب وانطلق هو بالسيارة من جديد ..
شعر بتوترها كلما ابتعد عن الحي الذي تسكن فيه فقال : أنا بيتي بعيد عن هنا شوية، مش كل الناس محظوظة عشان تسكن في حي الجامعة زيك كدة وبصراحة الجو هنا دوشة وزحمة وناس كتير وأنا بحب الهدوء .
إنه يحدثها بمنتهى الأريحية، وهي لا تزال عاجزة عن ذلك، رغم مشاعرها القوية تجاهه ولكن كل شيء حدث بسرعة ألجمتها، قالت محاولة تبادل أطراف الحديث معه : هتعمل ايه مع رنا ؟!
_ شوف السيرة اللي تصد النفس بقى، سيبك منها يا ملاذ أهم حاجة دلوقتي إننا نطمن على والدتك ونتجوز .
تجرأت وسألته السؤال الذي شغل بالها طيلة الطريق قائلة : هوا انتا عاوز تتجوزني ليه ؟ انتا مشفق عليا مش كدة؟!
نظر لها أدهم بضيق، لا يحب أن تظلمه أو أن تشعر أنها مدعاة للشفقة، قال محذراً : الكلام ده لو سمعته تاني هزعلك.
_ أومال ليه طيب ؟
ابتسم لها وقال عابثا : مش عاوزة تجبيها البر مش كدة، وأنا مش هريحك .
وصل المنزل فانقطع حديثهما بقوله : يللا يا ستي وصلنا بيتنا ..
أعجبتها نون الجماعة في كلامه، نظرت للمكان فوجدته حي راقي بيوته أشبه بالقصور وكل منزل محاط بحديقة كبيرة، وكان منزل أدهم واحداً من تلك المنازل الخلابة التي تأسر العين وحديقته كبيرة ومليئة بالاشجار العالية والزهور، لاحظ شرودها في الحديقة فقال باسمًا : ضيفي للسباحة إني بحب أزرع ورد، بيريح أعصابي أوي بألوانه الحلوة دي ...بصي تعالي أوريكي حاجة قبل ما ندخل وأمي تكبس علينا، سارت معه إلي جانب من جوانب الحديقة فأشار إلي وردة توليب غاية في الجمال وقال :
اليوم اللي بيحصلي فيه حاجة حلوة بازرع فيه وردة توليب،الوردة دي زرعتها يوم ما قابلتك في المصيف ..
ابتسمت خجلة وشعرت بسعادة كبيرة، ماذا فعلت بحياتها لترزق بقلب كقلبه ؟
ابتسم هو وأكمل : وفيه وردة زرعتها جمبها لما قابلتك في الجامعة بس طبعا لسة مطلعتش وهزرع واحدة النهاردة كمان، ثم نظر إلي عينيها مباشرة وقال : عشان النهاردة خدت موافقتك ع جوازنا وعلشان هتعيشي معايا ف بيتي .
لم تخفض عينيها هذه المرة، أحبت شعاع الشمس الغارب في عينيه، نظرته المليئة بالحب والكلام الذي لا يقو بعد على البوح به ..
قالت مشاكسة : على كدة الحديقة دي هتتملي توليب بسببي .
_حاسبي بس لا تفرقعي م الغرور، يللا ندخل بقى ..
حمل أدهم ما قدر على حمله من حقائبها ودخل بها الي المنزل وملاذ تسير خلفه خجلة ومتوترة ...كانت والدته السيدة سمية تنتظرهما على أحر من الجمر وبمجرد أن رأتهم يدخلون قامت و التقفت ملاذ في أحضانها واستقبلتها أحسن استقبال، كانت الأخيرة تشعر بالخجل في البداية ولكنها سرعان ما اندمجت مع أمه شديدة الطيبة ولم تشعر منها بأي ضيق او ضجر ..
_ حضرتك طيبة اوي
_ انتي الغالية خطيبة الغالي وأنا كنت مستنية اليوم ده من زمان، ابني بيكبر قدام عيني والعمر بيفوت بيه وهو لسة متجوزش وانتي جيتي وحققتيلي اللي كنت بتمناه يا بنتي . .
كان أدهم خلال ذلك الوقت يبدل ملابسه ويعد طاولة الغداء بنفسه، هو معتاد على مساعدة أمه دائما، انضم اليهما وقال : يللا الغدا جاهز .
ابتسمت ملاذ ونهضت معهما لتناول الغداء الذي تحول لعشاء، شعرت بمشاعر مختلفة وهي تجلس معهما، مزيج من الخجل والسعادة والألفة، أحبت ما شعرت به من هدوء وسكينة واستسلمت لهذه المشاعر وأعطت عقلها إجازة عن التفكير، من حقها أن تنعم ببعض من الهدوء اليس كذلك ؟.
قالت الأم: بصي يا ملاذ زي ما انتي شايفة أنا بكون في المستشفي طول اليوم وكذلك انتي وأدهم بتكونوا ف الجامعة، فخلينا نتجمع سوا كدة آخر كل يوم وابقي اطلعي نامي ف الشقة فوق أنا جهزتهالك قبل ما تجوا، ولو حصل ومكنتش ف البيت فتطلعي علي شقتك فوق لأن ابني مش مضمون
_ متخليكي محضر خير يا حاجة
_ ولاخير ولا شر يلا خلص عشان تطلعلها الشنط وانتي يا ملاذ لو حابة تطلعي تغيري وترتاحي يا حبيبتي .
نهض أدهم ليحمل الحقائب فذهبت ملاذ تحمل معه فاعترض قائلاً لها : لا سبيها انتي معندناش ستات تشتال في وجود رجالتها، ممكن تفضلي تحت لغاية ما أطلعهم لو مش واثقة فيا زي ما الست الوالدة شكرت فيا من شوية
ضحكت ملاذ ونظرت له قائلة : لا يا أدهم أنا واثقة فيك ..
رد بهيام : بقولك ايه معتيش تقوليلي يا أدهم دي خاصة وانتي هنا بدل والله اتهور
_ الله بقى اومال اقولك ايه
قال بمرح : قوليلي يا محاميحو .
ضحك الاثنان سويا وصعدت ملاذ معه وأصرت على مساعدته، وعندما انتهيا من جميع الحقائب أعطاها المفاتيح وقال : يللا افتحي
_ مش هتنزل
_ اومال فين بقى واثقة فيك وحاسة إنك حنين بس مش باين عليك والجو ده كله؟!
ضحكت وقالت : اه بس الأصول أصول
_ طب افتحي وادخلي وأنا هفضل واقف ع الباب أسمع رأيك
_ رأيي ف ايه ؟!
أجاب مبتسماً : ف شقتنا يا ملاذ، عشان لو فيه أي حاجة حابة تغيريها ألحق اغيرها
ابتسمت له وفتحت الباب ثم دخلت وهو نقل الحقائب فقط من أمام المدخل إلي الصالة ووقف ينتظرها، كانت تتجول في المنزل متفقدة إياه، كان بحق منزل الأحلام بألوانه الزاهية وديكوراته العصرية الرائعة الجمال، كان قد أعد كل شيء في المنزل ولم يكن ينقصه سوى العروس ..
عادت اليه وقالت : البيت يجنن مش محتاج أي تعديل
كان ينظر لها متأملا ثم قال : تعرفي إنك أول واحدة تدخل البيت ده بعد امي، كنت محافظ عليه من أي رجل غريبة وبقول أول رجل هتدخله هتكون مراتي ..
ابتسمت بخجل ناظرة له، اهي الآن حقاً تقف مع الرجل الذي سيصير زوجها وفي المنزل الذي سيضمهما سوياً؟ أي حلم جميل هو هذا ؟
_ احم اسيبك بقى ترتاحي بس خدي بالك هخدك معايا الجامعة بكرة .
_ بس..
_ بس ايه، انتي خلاص بقيتي خطيبتي ويكفي اثنك تعرفي بنت واحدة بس وهتلاقي يقيت الجامعة كلها عرفت .
_ مش هتتكسف ؟!
_ ملاذ أنا عندي 35 سنة، عدوا عليا من غير أي مشاعر مجرد حياه روتينية مملة ودلوقتي لما حياتي ابتدت تنور هتكسف واقتل فرحتي؟ لا مش أنا .. وايه اللي يكسف أصلا في اني أخطب واتجوز , هوا انا كائن أحادي الخلية ولا حاجة ؟
ابتسمت من جديد على كلماته، نظرت له بحب وهو بادلها ذات النظرات لكنه سرعان ما قال : أعوذ بالله من أفكار الشيطان الحلوة، بقولك ايه أنا نازل .
******
انتهت ملاذ من تبديل ثيابها وفض حقائبها ثم أخرجت هاتفها وجلست لتحادث قمر وتحكي لها ما حصل ...
_ست الواطية اللي لغت العزومة , متخفيش والله مش باكل كتير
ضحكت ملاذ قائلة : حيلك حيلك ده حصل تطورات جبارة
_ أموت أنا، ارغي ..
قصت عليها ملاذ كل شيء دون كذب هذه المرة وعندما انتهت قالت قمر : الله ي ولاد روميو وجولييت جديدة اهي، وانتي حاسة بايه دلوقتي؟
_ فرحانة أوي، مكنتش أتصور إنه يطلبني للجواز كدة من غير مقدمات ولا إنه يطلع لطيف للدرجة دي.
_ سبحان الله مع إنه قفل في الكلية
_ بت لمي لسانك ..
_ آسفين يا صلاح، ماهو خلاص بقى ملكية خاصة..
استمرت الفتاتان في الحديث، تحدثت ملاذ باستفاضة عن مشاعرها المستحدثة، كما أخبرتها بأنها تعرفه من قبل أن تلتحق بالكلية حتى أنها قصت على مسامعها موقف البحر.
أنهت المكالمة وكادت تتجه لمكتبها حتى تذاكر لكنها تفاجأت بطرق الباب الشديد، استغربته وتساءلت عن هوية الطارق الغاضب هذا، أتتها الإجابة عندما فتحت الباب لتتفاجأ برنا ابنة خالة أدهم تقف أمامها، تكاد نيران الغضب المستهرة داخل مقلتيها الحادتين أن تلتهمها حية، وقبل أي كلام من الطرفين، وجدتها وعلى حين غرة منها ترفع كفها ليسقط على وجهها بقوة تعادل مقدار دهشتها وغضبها!
أنت تقرأ
ملاذي
Romance**اقتباس** . . نهض أدهم مفزوعًا من نومه بعدما رأى كابوساً شنيعا، نظر حوله وتذكر ليلة البارحة المشؤومة ووجد باب منزل ملاذ مفتوحاً ففزع، دخل فلم يجد لها أي أثر وكل أغراضها قد اختفت، نزل السلم رقدًا وذهب لأمه وقال : مشت، مشت يا ماما .. ردت بهدوء : قصرت...