جلاء الحقيقة!

155 6 1
                                    

غضبه الهادر أعمى بصيرته، وقبضته كادت أن تخلع مقود السيارة من عزم ما يفتعل بها من غضب، كان قد غير وجهته بعد أن أنهى تلك المُكالمة؛ حبل النجاة الذي رُميّ إليه من علٍ، بحكمة قدرية بات شاكراً لها كثيراً مؤخراً، كاد أن يصطدم بإحدى السيارات من شدة سرعته لكنه تفاداها بمهارة رغم عقله الغارق في التفكير..
رنا؟!! رنا تكذب كذبة كبيرة كتلك؟!
وهو الذي كان يشعر بالشفقة عليها مع اقتراب طلاقه منها، تلعب عليه مثل هذه اللعبة التي كادت أن تضرب حياته في مقتل، الآن يعذر ملاذ، لقد تحملت منه الكثير، حتى أتت زوجته لتخرجه أمامها بأبشع الصفات التي قد تتواجد برجل، زفر بعنف، يتمنى لو يطوى الطريق بسرعة، لو يرى عنقها أمامه الآن لدكه دكاً دون أدنى ندم.
★★★★★
_" هه، ده مبيحوقش فيه حاجه يا شيخة، هوا فيه أمر من كل اللي عملته فيه؟! "
" مهي بعدت عنه أهو وبردو لسة دايب ف دبادبها "
" يا ماما والله زهقت، بس على الأقل مش هيطولها لآخر حياته " ...
كان قد فتح الباب ودخل دون أن يدق من شدة استعجاله، سمعها تتحدث عبر الهاتف بتلك العبارات التي زادت من تدفق الدم في عروقه ..تقدم أكثر نحو غرفتها وسمعها تُكمل :
_ وفيها إيه لما يعرف إن محدش لمسني قبل كدة، كان هيبقى اتدبس خلاص، ثم دوت ضحكة مجنونة منها وهي تكمل :
_ تصدقي يا ماما نفسي أشوف وشه لما يعرف أنه مغتصبنيش وإن الحكاية كلها تمثيلية!!
صُعق في مكانه ..مرت عليه ذكريات هذا العام سريعًا..توقف عقله عند تلك الليلة البشعة التي أفاق فيها على صراخها وادعائها اغتصابه له، شعر أنه سينفجر ..سمعها تكمل خلال ذلك :
_ ولا الغبية اللي مصدقة إني قال إيه حامل ..
لم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر من ذلك، اقتحم الغرفة عليها لتنتفض في مكانها، مظهره أنبأها بأنه سمع آخر كلماتها، وعينيه يخبرانها بما ينوي فعله الآن!!
صرخت عبر الهاتف :
_ الحقيني يا ماما!
كتم صوت صراخها بيده قائلاً :
_ أنا هوريكي أنا هعمل فيكي ايه ..
جاء صوت لبني على الجهة الأخرى تقول في هلع:
_" رنا، رنا إيه اللي بيحصل عندك، هااا ده صوت أدهم"
انتشل منها الهاتف وأحكم قبضته بيده الأخري عليها، رفع الهاتف على أذنه ورد هادراً :
_ انتي حسابك معايا بعدين يا ..هه، يا خالتي، بس حالياً أقدر أقولك إن بنتك هتوحشك ..
_ أدهم متتجننش، هيا عملت كدة عشان بتحب..
أغلق المكالمة ورمى بالهاتف على الحائط ليتكسر، نظر لرنا التي وقفت خائفة ترتجف ..عيناه تشعان بالحقد والشر ..قال من تحت أسنانه:
_ تمثيلية اغتصاب جبارة ..وجت ف وقتها تماماً، قدرتي بيها تقنعينا كلنا إنك كنتِ ضحيتي ...وفرقتيني بيها عن ملاذ، البنت الوحيدة اللي حبتها، ومكتفتيش بكدة لاء سيادتك روحتي أقنعتيها إنك حامل مني .. إنتي ايه يا شيخة ..شيطااااان؟!!
نفضت يده عنها ونظرت له والغضب يتطاير من عيناها، قالت :
_ أنا حبيتك، دي كل المسألة، حبيتك وانتا مسألتش فيا ..شوفتك بتجري ورا واحدة بيئة مفيهاش أي ميزة وسايبني بجري وراك مش عارفه ألحقك..كان لازم أرجعك ليا بأي طريقة ...وكدة كدة أنا مخسرتش حاجة..
صفعها بقوة لترتطم بالحائط..قال بصوت هادر :
_ لا خسرتي يا هانم، خسرتي كرامتك واحترامي ليكِ للأبد، أنا عمري ما شوفتك غير بنت خالتي، وحالياً مش شايفك غير حشرة قذرة ملهاش مسمى ولا انتماء ..
نهضت، نظرت له لتجده يفك رباط عنقه ويخلع سترته، تقدم نحوها وعيونه تنطق بالشر، قالت بفزع :
_ هتعمل ايه ؟
_ مش إنتِ قولتي إني اغتصبتك، أنا بقى هنولك الشرف العظيم ده!!!
★★★★★
نائمةٌ على الفراش، شعرها مُشعث وهناك ضربات متفرقة على وجهها وجسدها، ملابسها ممزقة نوعاً ما، أما هو...فيقف بجوار الفراش لم يخلع شيئاً من ملابسه، فقط ينظر لها ويشعر أنه قد شفى بعضاً من غليله ...
جلست متألمة، نظرت له وابتسمت بتهكم قائلة :
_ يعني منولتنيش الشرف !!
_ اللي زيك ميستحقش إني المسه، وبعدين مين قالك إنك لسة محافظة على شرفك، شرفك فقدتيه يوم ما خلعتِ معظم هدومك عشان تدبسيني فيكِ، يوم ما اتجرأتي وقلعتي راجل هدومه ..يوم ما جرأتك زادت ونمتي جمبه ف سرير واحد وقولتي إنه اغتصبك ...شرفك ضاع من يومها يا شريفة يا عفيفة ..
نزلت دموعها تحرق وجهها المتورم ..
_ ورقتك هتوصلك على بيت أمك اللي بالمناسبة قوليلها إني معدش ليا خالات خلاص، تقومي دلوقتي تلمي هدومك وتمشي ومااشوفش وشك لآخر حياتي وحياتك، واحمدي ربنا إني اكتفيت بالعلقة السخنة دي، ده اكراما بس لخالتي .. آه ..اللي كانت خالتي ..
نزلت من على الفراش متألمة، حاولت احتضانه لكنه تراجع للخلف باشمئزاز وقال متمنعاً :
_ ده بتاع واحدة تانية غيرك، واحدة بس وملهاش بديل أو شريك فيه ..
تركها تبكي في أرضية الغرفة ولم يشفق بحالها فهذا جزاة ما فعلته به وبملاذه، سرعان ما غادر المنزل والمبنى بأكمله، يشعر أن الهواء قد نفذ من صدره بوجودها.
أخيراً صار حراً؛ حُراً منها، ومن أكاذيبها، ومن عذاب ضميره الذي يأكله على قيد الحياة مذ حادثة اغتصابه الكاذبة لها!.
تنفس بعمق، تمتم بكلمات الحمد والشكر ألف مرة، يشعر أنه ملك الكون بعدما تبرأ أمام نفسه من هذا الذنب العظيم، لا ينقصه الآن سوى أن يتبرأ منه أمامها، أن يلقاها بروحه الطاهرة التي لم تُلوث كما ظنت، وكما ظن، أن يتخذها ملاذاً لآخر ما تبقى من عُمره..
★★★★★
خرج من باب منزله صباح اليوم التالي، يحمل على أكتافه حقيبة سفر مُعتدلة الحجم، كان قد تحدث مساء الليلة المُنصرمة مع والدته بكل ما جد من أحداث، لم يفزعها شيء كما أفزعها فِعلة أختها وابنتها، يعلم أن قلبها لم يتعافى كُلياً بعد لكن لا مناص من الحقيقة، كان عليها أن تعلم كل شيء، فهو عاجزٌ عن نسيان نظرتها تجاهه في تلك الليلة المشؤومة، أراد أن يستبدلها، أن يرى غيرها من نظرات الحمد والشفقة على وليدها مما حِيك من وراء ظهره.
تفاجأ بتلك الفتاة صديقة ملاذ تعبر البوابة الخارجية لبيته وتسير تجاهه في الممر الطويل الفاصل بينهما، ابتسم وتقدم نحوها يُقلس المسافة؛ يبدو أن كُل من يعرف ملاذ يُجيد الفتنة!.
وقفت أمامه تلتقط أنفاسها إذ بدا أنها جاءت على عجلةٍ من أمرها، قالت من بين أصوات لُهاثها:
_ أتوبيسين، وتاكسي عشان أقف قدامك الوقفة دي، اديني فُرصة أتنفس.
ابتسم لها، ولإخلاصها لصديقتها، فما جاءت من أجله قد سبق وعلم به من ضُحى، المُخلصة هي الأخرى، قال بابتسامة:
_ خدي وقتك.
انتفضت مسرعة ترد:
_ لا مفيش وقت، المجنونة هتسافر آخر الأسبوع ده! .
سكوته أعطاها فُرصة لتأمله، إنه لا يرتدي تلك الثياب الرسمية المعتادة على رؤيته بها في الجامعة، بل مُجرد بنطال وتيشيرت قصير الأكمام يُناسبان السفر أكثر، على رأسه قُبعة تقيه حر الشمس، وعلى أكتافه حقيبة!.
فتحت فمها تكاد تتكلم، لكنه عاجلها قائلاً:
_ آه، عِرفت ورايحلها!.
اتسعت ابتسامتها رويداً رويداً حتى احتلت صفحة وجهها كلها، احتلت السعادة الغامرة قلبها وهي تقول:
_ الحمد لله، أبوس إيدك خلص القصة دي بقى لأنا خلاص جبت أخري منكم.
_ بنت!!
_ خلاص بقى يا دكتور أنا بقيت منكم وعليكم.
ضحك على كلامها ثم ودعها قائلا:
_ ملاذ متعرفش إني رايحلها، مفهوم؟!
أدت له التحية العسكرية وهي ترد ضاحكة:
_ عُلِم ويُنفذ يا أفندم!
★★★★★

ملاذيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن